أثر التعاون على الفرد والمجتمع
التعاون
يعود أصل كلمة التَّعاون إلى الفعل أعان، ومعناه ساعد وتعاون الأفراد أي ساعد بعضهم بعضاً، ويعني التعاون المشاركة في العمل مع شخص أو ضمن مجموعة لتحقيق المصلحة للجميع، ويكون التعاون في السراء والضراء، كما يكون على البرّ والتقوى، والمعوان هو الشخص كثير المساعدة للنّاس، والجماعات المتعاونة تشمل الصغيرة مثل أفراد الأسرة، والكبيرة مثل الدّول التي تشترك في الغاية والمصلحة، ويُعدّ التعاون مقياساً لقوّة وسلامة بنيان الجماعة، وقد يكون التّعاون اجتماعياً للخروج من مشكلة ما، أو اقتصادياً لتبادل السلع، أو عسكرياً في الحروب والتصدي للعدوان، أو ثقافياً لتبادل المعرفة.
أثر التعاون على الفرد والمجتمع
يُؤثّر التّعاون في الأفراد بشكلٍ خاص، والمجتمعات بشكلٍ عام، وفيما يأتي معلومات عن أثر التَّعاون على كلٍّ منهما:
أثر التعاون على الفرد
إن التَّعاون ضرورة من ضرورات الحياة، والإنسان مدنيّ بطبعه فهو لا يستطيع العيش وحده ويلبي متطلباته من دون التّعاون؛ حيث يعود عليه بالكثير من المنافع؛ فالله تعالى خلق الإنسان ووضع فيه حاجته إلى الغذاء والبقاء، ولا يمكن للفرد أن يُلبيَ هذه الحاجات، ويواجه الأخطار المحيطة به إلّا من خلال تعاونه مع غيره من الأفراد، ومن فوائد التعاون أنه يؤلّف بين الأفراد ويزيل الضغينة من قلوبهم، كما يساعد على إنجاز الأعمال الكبيرة التي يصعب على الإنسان تنفيذها بمفرده؛ ممّا يشعره بقوّته وأنه ليس عاجزاً أو يُشكّل عبئاً على المجتمع الذي يعيش فيه، والتَّعاون من الأمور التي تُشعر الفرد بالسعادة، ويدفعه إلى بذل كلّ ما لديه من جهدٍ وقوَّة، ويُجدّد طاقته وينشطه، كما يخلصه من الأنانية وحُبّ النّفس ، ويُعدّ التّعاون أيضاً من أهمّ أسباب نجاح الإنسان وتفوّقهِ في حياته، وإن تعاون الفرد يُساعده على إتقان العمل الموكل إليه؛ لأنّه يتقاسم العبء والحمل مع غيره، كما أن التَّعاون يعني عمل الفرد مع غيره، فيعطيه الفرصة لاكتساب مهارات جديدة والاستفادة من خبرات الآخرين ممّن يعملون معه، والفرد عندما يتعاون مع غيره يصبح محبوباً كما أنه ينال رضا الله ومحبّته.
أثر التعاون على المجتمع
يظهر أثر التَّعاون في المجتمع في عدّة جوانب، هي تحقيق التّكافل بين الأفراد ممّا يؤدي إلى تماسك المجتمع وزياد قوَّته، ونشر المحبّة بين أفراده، وتحقيق الأهداف والغايات السامية، ويؤدي ذلك إلى نجاح المجتمع وتطوّره، ويظهر ذلك في أداء المعلمين لرسالتهم بكلّ إخلاص، والطلاب ببذل جهدٍ كبيرٍ في الدّراسة، والأُمهات والآباء في التوجيه والمراقبة، والعلماء والمُفكّرين بتطوير التّعليم، وأصحاب رؤوس الأموال بدعم الأبحاث والمشاريع العلميّة، والأطباء بالتّخفيف عن المرضى ومعالجتهم، والفلّاحين في حقولهم، والعمال في مصانعهم، وغيرهم من أبناء الوطن من التّاجر وعامل النّظافة والشرطي كلّ هؤلاء بتعاونهم يساهمون في المحافظة على المجتمعِ واستقراره ونجاحه.
يتحقّق النّجاح بالتّعاون في أكبر الاستثمارات، واستغلال الطّاقات الكامنة في كلّ فرد بطريقةٍ صحيحة، ويعود ذلك بفوائد عديدة على المجتمع، وعندما يتعاون الأفراد تزداد سرعة التقدّم التّقني والعلميّ، ويصبح المُجتمع أكثر تماسكاً وقوَّةً، والتّعاون يؤدي إلى نجاح مُؤسّسات المُجتمع؛ فالمُؤسّسة التي يُشارك أفرادها في صُنع القرارات، وتبنِّيها وتطبيقها على الواقع هي عبارةٌ عن مُؤسّسةٍ ناجحةٍ ذات إدارة جيّدة تُطبّقُ مفهوم التّعاون، وتبث روح التنافس الشريف بين موظفيها، كما تشجعهم على العمل كفريقٍ مُتكامل، ويساهم أفرادها في خدمةِ مجتمعهم.
التعاون في الإسلام
التَّعاون هو فطرة جميع مخلوقات الله تعالى التي فطرهم عليها من كبيرهم إلى صغيرهم، وهو صفةٌ من صفات المؤمن، ويدلُّ على أهميتِهِ في الإسلام أن الآيات القرآنيّة جاءت بأسلوب الخطاب الجماعي في أكثر من موضع، مثال قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوَاْ) ووردت في القرآن الكريم 89 مرَّة، وقوله تعالى: (أَيُّهَا النَّاسُ) ووردت في القرآن الكريم 20 مرَّة، وقوله تعالى: (بَنِي آدَمَ) ووردت في القرآن الكريم 5 مرات، وهذا دليل واضح على أهميّة التَّعاون والعمل الجماعيّ والتَّكامل، والتعاون أصل من أصول الدين الإسلامي، ينبغي للمؤمن العمل به من أجل دنياه وآخرته، وهو أمر إلهي، وكل أمر إلهي يقتضي على المسلم العمل به لأنه واجب عليه، وانتشار الإسلام إلى جميع انحاء العالم كان بفضل العمل الجماعي.
يكون تَّعاون المسلمين على البرِّ والتّقوى؛ أي على ما حلّله وأباحه الله؛ لقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ ۖ وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ)، وينظر الإسلام للتّعاونِ بأنه رفعة، وثمرة من ثمرات الأخوة والقوَّة، ويصل به المؤمن إلى التخلي عن الأنا، وهو فضل يصل نفعه إلى الآخرين، ووسيلة المؤمن لنيل رضا الله عزَّ وجلّ، ويرى الإسلام أن الأعمال لا تُنجز ولا تُثمِر إلّا بالعمل الجماعي التّعاوني ، أمّا التنافس والتنازع بين الأفراد فهو يؤدي إلى انهيار المُجتمع الإسلاميّ وفشله، قال الله تعالى: (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ ۖ وَاصْبِرُوا ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ)، وإن الاعتصامَ بحبلِ الله تعالى هو الدّافع الأكبر للتَّعاونِ بين المسلمين؛ وذلك لأن الإنسان بطبعِهِ يتنازع ويتخاصم في الأمور الدنيوية وخاصّة الأمور المتعلقة بالمكاسب الماديّة، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا).
توجد العديد من صور التّعاون في الإسلام، مثل التّعاون في أداء العبادات، والتّعاون في نصرة الإسلام ونشره، والتّعاون في دفاع الشرّ عن النّاس، والتّعاون في طلب العلم، والتّعاون بين المسؤولين الذين تجمعهم مشاريع مشتركة لإنجاز عملهم بما يُرضي الله ويخدم الأُمة الإسلاميّة، والتّعاون بين الدّول الإسلاميّة؛ حيث إنها الأحوج والأَولى لتحقيق مبدأ التَّعاون بينها في جميع المجالات سواء الاقتصاديّة، أو العسكريّة، أو السياسيّة، أو الثقافيّة، وذلك حتّى يستفيد جميع المسلمين من الخيرات الّتي وهبها الله للأُمة الإسلامية من المعادن، والبترول، وخصوبة التربة، والمياه العذبة، والمواقع الجغرافيّة الممتازة.