لا شك أن مبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- كان له الأثر الأعظم على النفس الإنسانية، وذلك لأنه مصدر الوحي والرسالة، ومن المعلوم لدى المسلمين ضرورة أن الإنسان كلما اقترب من الوحي تشبعت نفسه من معانيه الجليلة، ومغازيه السامية، ف النفس بطبعها أمّارة بالسوء ، كما أخبر الحق جل وعلا:
(إِنَّ النَّفسَ لَأَمّارَةٌ بِالسّوءِ)، وعليها فلا يمكن أن تنضبط النفس في زمام الإيمان والتقوى إلا بنور العلم، ولذلك فإن العلم والإيمان هاديان للنفس الإنسانية إلى ما فيه صلاحها، فضلاً عن كونهما مركبا النجاة في بحر تزخر فيه الفتن والشهوات في كل وقت وحين.
أثر العلم والإيمان في النفس
ما زالت مراتب الدين والإيمان رافداً أساسيا للنفس البشرية، وحقول المعرفة والعلم في شتى الميادين تصوغ النفسية الإنسانية وتقلّبها في أشكالٍ وصورٍ تنتظم جميعها في الشخصية الإسلامية التي أرداها الله عزّ وجل، فما أبرز المؤثرات الإيمانية والعلمية في هذه النفس؟ حيث يمكن تقسيم تلك العوامل إلى قسمين رئيسين تنحدر تحتهما أبرز المؤثرات:
العوامل الإيمانية
ينبغي على المسلم أن يعرف مدى أثر الإيمان في إصلاح النفس، وذلك لكي يتلمس مواطن تلك الآثار في سلوكه ووجدانه، حيث يمكن إجمال تلك الآثار إلى:
- أثر الإيمان في طمأنينة القلب وانشراح الصدر: لا يمكن للإنسان مهما علت منزلته، وارتفعت رتبته أن ينكر أن البواعث الإيمانية التي تدفع الإنسان للأعمال الصالحة هي موطن للراحة وانشراح الصدر، فالعلم بأسماء الله تعالى وصفاته ترسخ ألواناً من العبوديات التي تقوم بالقلب، فتحقيق العبودية في القلب تمنحه يقيناً يوصله إلى سعادة وطمأنينة محققة، فحين يعلم العبد أن الله تعالى هو الخالق الرازق المالك المدبر، بيده مفاتيح خزائن السموات والأرض، تنجلي عنه الهموم والغموم، ومن ثم يعلم أن جميع ما أصابه هو من الله تعالى.
- أثر الإيمان في تزكية وتطهيرها: إن الإيمان بالله تعالى هو من أعظ م طرق تزكية النفس وتطهير ها من أدران الشرك ومتعلقاته، فالشرك بالله تعالى الذي هو ضد الإيمان يمرض القلب، ويجعل الإنسان ماديا، لا يستشعر حقائق العبودية، فالإيمان يطهر القلب من جميع الغوائل التي تعود على النفس بالنكد والضيق؛ ولذلك فإن إصلاح اعتقاد النفس البشرية بجعلها معبدة لله وحده، تجعلها ترتقي في مدارج الكمال والسمو الإنساني شيئاً فشيئاً، إلى أن تصل منطقة تصبح النفس فيها تكره المنكر بمجرد سماعه فضلاً عن فعله أو الرضا به، ولا يكون ذلك إلا لمن طهرت نفسه وزكت حتى بلغ الإيمان في القلب ذروته.
- أثر الإيمان في التوازن النفسي لدى الإنسان، خاصة عند نزول البلاء: يورث الإيمان في القلب الهداية للخير عند حلول المصائب، وذلك لأن الإنسان عند المصيبة يصاب بنوع من الطيش وعدم الحكمة في التصرف، وهذا بدوره يدفع الإنسان لفعل أمور قد تكون فيها هلك ته، ف الإيمان بالله يجعل المؤمن يستقبل المصائب والبلايا برضى واطمئنان، دون تسخط أو اعتراض، فيزداد بذلك رفعة عند الله، قال تعالى: ﴿مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّـهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّـهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّـهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ .
العوامل العلمية
- أثر العلم في ترويض النفس: يمكن للعقل الإنساني والفطرة السليمة أن تقود النفس إلى مراتع الصلاح والإصلاح؛ فحين يجعل الإنسان أكبر همه إصلاح نفسه فإنه حينئذ يسعى جاهداً بكل ما يستطيعه لإصلاحها وترويضها عن طريق تذليلها للطاعة؛ ولا شك أن الإنسان حين يسخر العلم النافع لهذا الأمر العظيم وهو ترويض النفس على الصلاح، فإنه بذلك قد فهم حقيقة العلم، والغاية منه، ومن ثم يستطيع أن يواجه بهذه النفس الكريمة جميع دخائل النفوس وأمراضها، ولذلك قال الحق جل وعلا: (وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا* فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا* قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَّاهَا* وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاهَا) .
- أثر العلم في صفاء القلب وطهارة النفس: لما كان العلم بصلاح النفوس أعظمَ العلوم وأنفعها؛ توجب على المرء أن يرفق بنفسه؛ فيرتفع بها عن كل ما يدنسها ويشينها، ومن ثمّ يعلم ما يصلحها وما يفسدها؛ فإذا كان العلم نافعاً هادياً إلى طريق الهدى والخير كان سبباً عظيماً في طهارة النفوس وتزكيتها؛ فزكاة النفس وطهارتها هي أعظم ما يضفيه العلم النافع على النفس، إذ إن النفس مجبولة على السوء، ولا سبيل إلى فكاكها إلى بالعلم النافع؛ ولذلك كان جهاد النفس بالعلم، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: (والمجاهدُ من جاهدَ نفسَهُ) .
وأخيراً، فإن هناك كثيراً من الأمور الحسنة التي يتركها الإيمان والعلم في نموذج النفس البشرية، ولكن الموفّق هو من يحرص على تنقية نفسه من الشوائب والأدران، ثم محاولة الوصول بها إلى مراتع اليقين والتوازن السلوكي والمعرفي، وذلك لا يكون إلا عن طريق العلم الإيمان.