يخرج الحي من الميت
يُخرج الحيّ من الميت
يقول الله -تعالى- في كتابه الكريم في سورة الأنعام: (إِنَّ اللَّـهَ فالِقُ الحَبِّ وَالنَّوى يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَمُخرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ)، ومعنى قوله -تعالى-: (يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ)؛ أي أنّه -سبحانه وتعالى- يخرج الحيَّ من البشر من نطفة، ويخرج النّخلة الباسقة من البذرة، ويخرج السُّنبلة من الحبّة.
وقد قالت العرب للزَّرع والنَّبات والشَّجر: حيّاً، طالما كان غضّاً، فإن صار يابساً، سمّوه ميّتاً، لهذا يُقال للزّرع الأخضر الخارج من الحبِّ اليابس بأنّه إخراجٌ لحيٍّ من ميّتٍ، وقد أورد العلماء أيضاً أنّ الإخراج يكون على نوعين: إمّا مادّيٌّ كالزّرع وغيره، أو معنويٌّ كإخراج المؤمن من الكافر، والعالم من الجاهل.
وقد ورد ذكر خروج المِّيت من الحيِّ في موضعٍ آخر في سورة الرّوم في قوله -تعالى-: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ)، وقد أورد الضّحاك تفسيراً لهذه الآية، مبيّناً أنّ الرّجل يخرج من النّطفة وهو حيٌّ والنُّطفة ميّتة، وتخرج النّطفة وهي ميّتة من الرّجل الحيّ؛ وهناك من قال: إنّ الإفرازت التي تخرج من الجسم مثل الحليب، هي ميتة ولا حياة فيها، تخرج من الإنسان وهو الحيّ.
دلالة آية: يخرج الحيّ من الميّت
هناك مجموعة من الدّلالات من هذه الآية الكريمة نورد منها ما يأتي:
- الإعجاز : ففيها إعجازٌ في الإخبار، وإعجازٌ في النّبوءة، فهي تدعو العقل إلى التّفكر في أمورٍ قد تغيب عن ذهن الإنسان.
- عرضٌ وتقديمٌ لصورةٍ من صور حياة الإنسان: وذلك أنّه كان في عالم الأموات، ثم صار كائناً حياً، فلن تَعجز القدرةُ الإلهيَّة عن إحيائه مرّةً أخرى.
- دلالة على قدرة الخالق -سبحانه وتعالى- على خلق الأشياء المتقابلة.
- سؤالٌ تقريريٌّ: يدلّ على قدرة الله -تعالى- واستحقاقه وحده للعبادة؛ قال -تعالى-: (قُل مَن يَرزُقُكُم مِنَ السَّماءِ وَالأَرضِ أَمَّن يَملِكُ السَّمعَ وَالأَبصارَ وَمَن يُخرِجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخرِجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ).
- دلالة على إخراج النّاس من قبورهم أحياءً يوم القيامة، وذلك كما يُحيي الله -تعالى- الأرض بالإنبات بعد نزول المطر.
- دلالة على توحيد الرّبوبيّة ، فالخالق -جلّ وعلا- الذي يُخرج الحيَّ من الميّت، ويخرج الميّت من الحيّ هو المستحقُّ للعبادة.
- دلالة على وجود الخالق -سبحانه وتعالى-.وفي الآية دلالة على تفرّد الله -تعالى- بالأفعال العظيمة الحكيمة.
- دعوةٌ للعقل البشريّ بأن يمعن التَّفكّر ببديع صنع الخالق -سبحانه-.
- دلالةٌ على أنّ القدرة الإلهيّة في الإخراج تشمل الإخراج الماديّ والمعنويّ بكل أشكالهما.
- في استعمال الإسم (مخرج) في الآية: (وَمُخرِجُ المَيِّتِ مِنَ الحَيِّ)؛ دلالة على أنّ صفة السّكون والموت ملازمة للميّت، ومع هذا أحياه جلّ وعلا، فالاسم يفيد الثّبوت.
البلاغة في الآية (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ)
إنّ من الإشارات البلاغيّة التي وردت في تفسير الآيات من سورة الرّوم بعد تنزيهه -سبحانه-، في قوله -تعالى-: (يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ)، هي: الاستعارة؛ فقد استعار الحيّ للمؤمن والميّت للكافر. ومن المحسّنات البديعيّة ردُّ العجز على الصّدر، وقد عرّفه الخطيب القزويني -رحمه الله- فقال: "هو في النثر أن يجعل أحد اللفظين المكررين أو المتجانسين أو الملحقين بهما في أول الفقرة والآخر في آخرها"، والآية التي وردت في سورة الأنعام جاء فيها قاعدة نحوية، وهي: أنّ الاسم (مُخرِج) يدلّ على الثّبوت، والفعل (يُخرج) يدلّ على الحدوث والتّجدد، كما أن المعنى لإخراج الحي من الميت وإخراج الميت من الحي قد تكرّر في أكثر من موضعٍ، فقد ورد في سورة الأنعام، وآل عمران، ويونس، والرّوم.