يأتي على الناس سنوات خداعات
حديث يأتي على الناس سنوات خداعات
روى أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: (ستَأتي على الناسِ سُنونٌ خَدَّاعَةٌ يُصَدَّقُ فيها الكاذِبُ ويُكَذَّبُ فيها الصادِقُ ويؤتَمَنُ فيها الخائِنُ ويُخَوَّنُ فيها الأمينُ ويَنطِقُ فيها الرُّوَيبِضَةُ قيل وما الرُّوَيبِضَةُ قال السَّفِيهُ يتكَلَّمُ في أمرِ العامَّةِ)، وفي الحديث علامةٌ من علامات السَّاعة ، وهي انقلاب الموازين.
ويُشير الحديث إلى ما سيحدث قبل قيام السَّاعة من اختلال الموازين التي يُقوَّم بها النَّاس، فيصير الكاذب مصدَّقاً عند النَّاس، ويُكذَّب الصَّادق ، ويؤتَمن الخائن، ويخوَّن الأمين، ويصبح القرار والأمر والشُّورى لجهلة القوم دون علمائهم.
سمات السَّنوات الخدَّاعات
يُقصد بالخِداع الذي اتَّصفت به السَّنوات في الحديث النبوي ؛ بأنَّها سنواتُ مكرٍ وحيلةٍ، والحقيقة أنَّ هذه الصِّفات تُنسب إلى النَّاس الذين يعيشون في هذه السَّنوات، فليست السَّنوات خدَّاعات بذاتها وإنَّما النَّاس في تلك الفترة الزمنيَّة، وقد جاءت كلمة خدَّاعات بالتَّشديد لغاية المبالغة، وقال السيوطي إنَّ الخدَّاعات هي السَّنوات كثيرة المطر قليلة النَّبات، وقيل إنَّها قليلة المطر، وذلك أنَّ الريق يخدع حين يجفُّ.
وقد أوضح رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بحديثٍ آخر متى تحين هذه السَّنوات، فقال: (إنَّ أمامَ الدَّجَّالِ سنينَ خدَّاعةً يُكَذَّبُ فيها الصَّادقُ، ويصدَّقُ فيها الكاذبُ، ويخوَّنُ فيها الأمينُ، ويؤتَمنُ فيها الخائنُ، ويتَكَلَّمُ فيها الرُّوَيْبضةُ، قيلَ: وما الرُّوَيْبضةُ؟ قالَ: الفُوَيْسقُ يتَكَلَّمُ في أمرِ العامَّةِ)، فبيَّن أنَّ هذه السَّنوات تكون قبل خروج المسيح الدَّجال . وتتصف هذه السِّنين بصفات عديدة منها ما يأتي بيانه في المقال.
تخوين الأمين وائتمان الخائن
أوَّل ما تفقد الأمَّة من دينها الأمانة، فقد قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم-: (إذا ضُيِّعَتِ الأمانَةُ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ قالَ: كيفَ إضاعَتُها يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: إذا أُسْنِدَ الأمْرُ إلى غيرِ أهْلِهِ فانْتَظِرِ السَّاعَةَ).
والأمين هو المؤتمن في الشُّورى، والأمين في الجِهاد بالحفاظ على أسرار الجيش والثَّبات في أرض المعركة، والأمين الذي إن لم يخرج إلى الجهاد حفظ ما وراء المجاهد، وإن جلس في مجلسٍ حفظ المجلس، والأمين أمينٌ بالقيام بعمله على أتمِّ وجهٍ، ففي السنوات الخدّاعات يُخوَّن الأمين، ويؤتمن الخائن الذي صار يرى المنكر معروفاً والعكس.
تكذيب الصَّادق وتصديق الكاذب
يؤدِّي سوء الظَّن في ذلك الزَّمن إلى تكذيب الصَّادقين وأهل الإيمان ، وتصديق أهل الكفر، ومثال ذلك تصديق الأعور الدَّجَّال الذي يدَّعي الأُلوهيَّة ويكذِّب على النَّاس بقوله إنَّه يستطيع إحياء الموتى، وهذا اختبارٌ يختبر الله -تعالى- به عباده ليمتحن الصَّادق منهم في إيمانه من غيره، وهو من علامات السَّاعة الشَّديدة التي يصبح بها الرَّجل مؤمناً ويُمسي كافراً والعكس.
وقد جاء الخبر عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى أُمَّته بالتَّعوُّذ من هذه الفتن، والإكثار من الأعمال الصَّالحة و الطَّاعات التي تُساعد على عدم الوقوع فيها، وكان يقول لأصحابه: (تَعَوَّذُوا باللَّهِ مِنَ الفِتَنِ، ما ظَهَرَ منها وَما بَطَنَ).
الرويبضة
الرويبضة بالتَّصغير اسمٌ يُطلق للتَّحقير والإذلال لمن قلَّ علمه، وهو كما ورد في الحديث؛ السَّفيه الذي يتحدَّث بأمور قومه،الحقير الخسيس التافه، والذي ترك معالي الأمور وتوجَّه لسفاسفها.
وورد معنى الرويبضة في حديثٍ آخر عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال فيه: (وإذا كانَتِ العُراةُ الحُفاةُ رُؤُوسَ النَّاسِ، فَذاكَ مِن أشْراطِها)، وفي حديثٍ آخر عرَّف الرويبضة فقال: (الفوَيْسِقُ يتَكَلَّمُ في أمرِ العامَّةِ)، ومن صفات الرويبضة ما يأتي:
- عدم تمكُّنه من الحديث في أمور العامة طوال الدَّهر، إلَّا أنَّه في هذه السنين يتمكَّن من ذلك.
- أتفه القوم وخسيسهم.
- قليل العلم والعقل والمكانة في قومه.
- السعادة في الدُّنيا وما يتعلَّق بها من المناصب والجاه.
- مَن لا يؤبه له.