ويمكرون والله خير الماكرين
ويمكرون والله خير الماكرين
وردت هذه العبارة في قوله -تعالى-: (وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ)، ومعنى هذه الآية الكريمة أنَّ المُشركين حاولوا سجن النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، أو توثيقه، أو ضربه وجرحه، أي أنهم يمكرون بتدبير المكايد له بالخفاء، وفي ذات الوقت يكيد الله -تعالى- لهم؛ وذلك بما أعده لهم من العذاب، ومكر الله -تعالى- نافذ وأبلغ تأثراً من مكرهم؛ لذلك هو خير الماكرين.
وفي الآية تذكير بنعم الله -تعالى- على نبيه برد مكر الكافرين عنه فالله خير الماكرين؛ لأن مكره نصرٌ للمؤمنين، ويُوصف الله -تعالى- بصفة المكر والكيد على سبيل المُقابلة والتقييد ، ولا يصح أن يوصف الله -تعالى- بصفة المكر على الإطلاق؛ لأنها قد تكون مدحاً وذماً، فتُطلق على الله مُقيدة، فهو يمكر بالكافرين؛ فتكون صفة مدح وكمال وتكون بمعنى القوة، وأمّا المكر ابتداءً فهو خِداع ونقص، ولهذا لا يجوز إطلاق اسم الماكر أو الكائد على الله -تعالى-، فالمكر لله -تعالى- يُطلق في معرض الرد على الكافرين، وهي ليست من صفات الله -تعالى-، بل هو من أفعال الله التي يفعلها متى شاء.
وفي الآية بيانٌ لحال المُشركين الدائمة مع النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، وصحابته؛ فقد حاولوا قتلهم، وإخراجهم، وتعذيبهم في مكة، ولكن الله -تعالى- نصر الحق، وخذل الباطل وأهله؛ وهذا هو مكره سُبحانه، وذكر ابن القيم أن المكر يكون محموداً؛ إن كان في مُقابلة مكر العدو، ويكون مذموماً؛ إن كان ابتداءً؛وفمكر الله -تعالى- كان في مُقابلة رد مكر المُشركين؛ فقال -تعالى- عن نفسه بأنه خير الماكرين، ولم يقل: "أمكر الماكرين"؛ لأن ذلك أبلغ في الكمال، والخفاء، والقوة، وذكر الراغب: "أنَّ المكر يكون برد الغير عما يقصده بحيلة، وهو محمودٌ في جانب الله؛ لأنه يكون فعله جميلاً، وأمّا في غيره فهو مذموم؛ لأنهم يُريدون فعلاً قبيحاً".
سبب نزول آية "والله خير الماكرين"
ذكر العُلماء في سبب نُزول هذه الآية؛ أن المُشركين اجتمعوا في دار الندوة، واجتمعوا على قتل النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فجعل علي بن أبي طالب في فراشه، وطمس الله -تعالى- على أعينهم، فكان جزاؤهم على مكرهم العذاب من الله -تعالى- من حيث لا يشعرون.
وقد تشاورت قُريش في مكة في أمر النبيّ -صلى الله عليه وسلم- واجتمعوا على قتله، وهذه هو السبب في نُزول هذه الآية وقصة مكر الكافرين، وذلك عندما اجتمع كُفار قُريش في دار الندوة ليلة الهجرة؛ لتشاور بما يفعلونه بالنبيّ -صلى الله عليه وسلم-، فاقترح بعضهم بحبسه، وآخرون بإبقائه في مكة، واجتمعوا على قتله، وهو الرأي الذي أشار به أبو جهل.
عاقبة الماكرين
ذكر الله -تعالى- أنَّ المكر السيء يعود على صاحبه بأسوأ أنواع العقاب والعذاب، لقوله تعالى: (وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ)، وهذه سُنة الله -تعالى- فيمن عادى أنبيائه وأوليائه؛ فبين الله -تعالى- أنهم يمكرون بأنفسهم، لقوله -تعالى-: (وَكَذلِكَ جَعَلنا في كُلِّ قَريَةٍ أَكابِرَ مُجرِميها لِيَمكُروا فيها وَما يَمكُرونَ إِلّا بِأَنفُسِهِم وَما يَشعُرونَ)، وجرت سُنة الله في إنزال عاقبة السوء لمن يمكرون السوء، ويتعاملون به، فينزل ويُحيط المكر السيء بمن مكره وبدأوا به.
دفاع الله عن نبيه في هذه الآية
ورد في الآية الكريمة الكثير من الصور التي دافع الله -تعالى- بها عن نبيه، ومنها ما يأتي:
- رد مكر الكافرين عنه عندما اجتمعوا وتآمروا على قتل النبي -صلى الله عليه وسلم-.
- الدفاع عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بالفعل وهو في الغار مع أبي بكر الصديق -رضي الله عنه-؛ إذ إنَّ الله -سبحانه وتعالى- أحاطهما بعنايته وحفظه.