نبذة عن كتاب اللاطمأنينة
نبذة عن كتاب اللاطمأنينة
كتاب فريد فيه سرد وتأمل واستنباط تشعر بالنفس الشعري لدى مؤلفه، ففيه النثر الذي يرقص ويغني نثرًا ينشد ذاته بذاته (هكذا أحسّ الكاتب بالنثر وفضّله على الشعر)، كُتب على مدى سنين كثيرة من حياة مؤلفه، إنّه كتاب يعرض فيه الكاتب فكرته العدمية اللادنيوية.
هو كتاب يوميات لكنّها يوميات مختلفة يحفر فيها الكاتب في الذات الإنسانية ويتعرض لواقعها وأوهامها وأحلامها ومصائرها، ومؤلفه الكاتب البرتغالي (فرناندو بيسوا) يعرض فيها حيرته وألم الوجود، يحاول استبطان الذات والكون، واسم الكتاب: (اللاطمأنينة) يصف حالة الكاتب الذي يشعر بالقلق والضجر والقنوط والانكسار، يقع الكتاب في خمسمئة صفحة، نُشر للمرة الأولى عام 1982.
نظرة بيسوا للوجود
كتب (بيسوا): (عندما جاء الجيل الذي أنتمي إليه للوجود لم يجد أي سند عقلي أو روحي، فالعمل الهدّام الذي قامت به الأجيال السابقة جعل العالم الذي ولدنا فيه مفتقرًا إلى الأمان الديني وإلى الدعم الأخلاقي وإلى الاستقرار السياسي) هكذا بدأ بيسوا لاطمأنينته.
يقول (بيسوا): إنّه يحيا في الحاضر لكنّه لا يعرف المستقبل، والماضي لم يعد ملكه، ينظر للحياة ويُراقبها بألم ولا مبالاة، يتمنى رؤية مدينته لشبونة، كما كان يتمنى كما لو أنّها لعالم آخر فالكاتب يشعر نفسه غريبةً عن ذاته وروحه فهو ينتمي إلى أشياء غير موجودة ويحب دائمًا اللاشيء.
كتب (بيسوا): "وأنّني عشت وسط أجواء من الجفاء و اللامبالاة وأنّه من المؤسف أنّ هذا حدث لي وأنّ من يكتب هذا الآن سيكون في العصر الذي يكتبه فيه غير مدرك مثل من يحيطون به لشبيهه في الزمن المستقبلي، ذلك أنّ الأحياء يتعلّمون فقط من أجدادهم الذين ماتوا والأموات وحدهم هم من نعرف تعليمهم القواعد الحقيقية للحياة".
لماذا كتب (بيسوا)
الكاتب يُصرّح بأنّه يكتب وهو يشعر باحتقار الذات ، ومع ذلك فهو لا يستطيع أن لا يكتب وكأن الكتابة مخدر لا يستطيع الاستغناء عنه، ويتحدث عن الكتابة في موضع آخر ويقول أنها أصبحت بلا قيمة فقد فَقَد المتعة وصار يجوّد العبارات والانفعالات بدون شعوره بالحماس وعندما سُأل لماذا تكتب قال:
"لأني أنا الداعي إلى التنازل والانسحاب لم أتعلم بعد ممارسة هذا التنازل على أتم وجه، لم أتعلم التخلي عن النزوع إلى الشعر والنثر ".[5]
ينظر للكتابة كنوع من التعذيب لكنه مجبر عليها مع أنه يعلم أن ما يكتبه باطل وفاشل لأنه لا يرقى لمستوى أحاسيسه وإن كان أفضل من كتابة غيره من الكتاب، يكتب ويواصل الكتابة ضجرا غاضبا مستاء من كل ما حوله من الناس والأشياء، يرى نفسه من طينة مختلفة لا يُنتظر منه مشاعر كالتي تصدر من الإنسان العادي، الكتابة عنده فقدان للذات ولكنه يفقدها دون فرح.[6]
(بيسوا) يفضّل العزلة
يقول:" العزلة تحزنني، وجود الآخر بجانبي يضلل أفكاري أتسلّى بحضوره لكنه يؤخر تفكيري، إذا كان الاتصال بالآخر عند الإنسان السوي محفزا إيجابيا للتعبير فعندي عكس ذلك فهو محفز مضاد، إذا كنت وحدي أستطيع أن أصوغ العبارات البارعة والإجابات السريعة لأسئلة لم يجب عنها أحد، الكلام مع الناس يجلب لي الرغبة بالنوم لكنّ محادثاتي الحالمة وأصدقائي الشبحيون هي من تمتلك واقعًا ملموسًا فأشعر بروحي أشبه بصورة في مرآة".
يقول الكاتب: إذا دعاني أحد الأصدقاء للعشاء أصبت بالقلق، فكرة أداء أي واجب اجتماعي كحضور جنازة أو لقاء أحد نكرة أو معرفة كلها أفكار تعكر مزاجي طول اليوم، وأنام بحالة سيئة لمجرد تفكيري بها، عاداتي اكتسبتها من العزلة لا من الرجال.
حساسية الكاتب الشاعر المفرطة نقلت لنا رؤيةً جديدةً للعالم وللذات، كل ما يراه الإنسان عاديًا يبدو لدى (بيسوا) غريبًا مدهشًا، الحلم عنده أكثر يقينًا من الواقع وكذلك الواقع الموجود في كتاب أجمل من الواقع المعاش.