ولادة النبي عيسى
ولادة النبي عيسى
كانت ولادة عيسى -عليه السلام- بعد أنْ وهب الله -تعالى- لأُمّه مريم اليقين والتقوى، وأمدّها بالرزق، وفي ذات يومٍ من اعتكافها وخلوتها مُطمئنة، جاءها رَجُلٌ ففزعت منه، فلجأت إلى الله تستعيذ به وتستنجد، فطمأنها الرجل وأخبرها أنّه مَلَكٌ أرسله الله إليها، كما جاء في قول الله -تعالى-: (قالَ إِنَّما أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاماً زَكِيًّا)، فاستغربت من ذلك؛ لأنّها غير مُتزوّجة وليست من أهل الفواحش، فأخبرها المَلَك أنّ ذلك سيكون بقدرة الله -تعالى- ولحكمةٍ منه، وسيجعل ذلك آيةً للنّاس، لِقولهِ -تعالى-: (قالَ كَذلِكِ قالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكانَ أَمْراً مَقْضِيًّا)، ثُمّ مضى، وتشكّل الحمل بها، وجلست خائفةً وحائرةً، وتخيّلت ما سيقوله النّاس عنها، وتمنّت لو ماتت قبل أن يحدث معها ذلك.
وبعد مدّة وَضَعَت مولودها، فجاءها صوتٌ يُطمئِنها بأن لا تحزن، وأنّ الله -تعالى- جعل تحتها ماءً يجري وأمدّها بالرطب والتمر، فاطمأنّ قلبها، ثُمّ رجعت إلى قومها وهي تحملُ ولدها، فبدؤوا يلومونها، ويُذكّرونها بشرف أُسرتها وكرم أصلها، فأشارت إلى وليدها، فتكلّم بأمر الله -تعالى-، وقال: (قالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتانِيَ الْكِتابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا* وَجَعَلَنِي مُبارَكاً أَيْنَ ما كُنْتُ وَأَوْصانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكاةِ ما دُمْتُ حَيًّا* وَبَرًّا بِوالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّاراً شَقِيًّا* وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا).
فكان حملها بالمسيح عيسى -عليه السلام- بأمرٍ من الله -تعالى-، وقد اصطفاها الله -تعالى- من بين نساء العالمين، فأكرمها بولادة مولودٍ لها سيكون عظيماً في الدُّنيا، ووجيهاً في الآخرة، لِقولهِ -تعالى-: (إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهًا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ* وَيُكَلِّمُ النَّاسَ فِي الْمَهْدِ وَكَهْلًا وَمِنَ الصَّالِحِينَ).
الحكمة من ولادة النبي عيسى من غير أب
كانت ولادة عيسى -عليه السلام- من غير أبٍ دليلاً على قُدرة الله -تعالى-، فهو سبحانه المُختار لما يُريد، ولا يتقيّد في خلقهِ بالأسباب وقوانينها، وإرادته فوق كُلِّ شيءٍ، كما أنّ في ذلك بيانٌ للرُّوحِ وعالمها وإثباتها لِمن قالوا بإنكارها، وزعموا أنّ الإنسان جسمٌ من غير روحٍ، فكانت ولادته -عليه السلام- تحدّياً لإنكارهم، وخرقاً للأسباب والمُسبّبات، وإثباتاً لِعِظَم قُدرة الله -تعالى-، فهو القادر على كُلّ شيءٍ -سبحانه-، وقدرته لا حُدود ولا قُيود لها، وأزال الله -تعالى- هذه الغرابة، حيث خلق آدم -عليه السلام- كذلك من دون أبٍ ولا أُمٍّ، قال الله -عز وجل-: (إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ).
معجزات تتعلق بولادة سيدنا عيسى
تعلّق بولادة عيسى -عليه السلام- العديد من المُعجزات ، وهي:
- ورلادة عيسى -عليه السلام- من غير أب، وهو أعجب حادثٍ في تاريخ البشريّة، حيثُ لم تشهد البشريّة مثل ذلك في حياتها الاعتيادية، فقد جرت العادة على ولادة الإنسان عن طريق التناسُل بين ذكرٍ وأُنثى، ولكن بيّن الله -تعالى- أنّه أمرٌ هيّنٌ عليه، كما في قوله -تعالى-: (قَالَ كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ وَرَحْمَةً مِنَّا وَكَانَ أَمْرًا مَقْضِيًّا).
- تكليم النّاس وهو في المهد بِكلامٍ مفهومٍ، كما جاء في الآية الكريمة: (قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ)، وأمّا الحكمة من هذا التكليم، فقيل: ليكون براءةً لأُمّه ممّا اتهمها به اليهود من الكذب، وقيل: ليكون ذلك مُعجزةً تدلُّ على صدق نُبوّته، وجاء عن ابن عباس -رضي الله عنه- أنّ عيسى -عليه السلام- تكلّم ساعةً في مهده، ثُمّ أعاده الله -تعالى- كباقي الأطفال.