وقفات رمضانية
الوقفة الأولى: فضل شهر رمضان وعجول اغتنامه
شهر رمضان هو من المواسم العظيمة التي يُغدق الله -تعالى- فيه على عباده بالخير والرحمات، فيأتي رمضان في كل عام لتفتح فيه أبواب الجنة كلها، وتُغلّق أبواب النار، وفي هذا الشهر يتضاعف الأجر وتزيد الحسنات، فمن عمل حسنةً واحدةً كان له أجر ألف حسنة، ومن أدى فريضة واجبة عليه كان له أجرٌ كأنه أدى سبعين فريضة.
ويوسع الله -سبحانه وتعالى- على عباده بالرزق الوفير؛ فشهر رمضان هو شهر المغفرة والإحسان، وشهر العتق من النيران، وفي آخر ليلة من رمضان يعتق الله -سبحانه وتعالى- من النار بمقدار ما أعتق طيلة الشهر، ومن أدرك رمضان ولم يُغفر له فقد خسر خسرانًا مبينًا، ففي هذا الشهر تُصفّد الشياطين وتُحبس، ويجدر بالعبد المؤمن استغلاله للحصول على مغفرة الله -عزَّ وجلَّ- والعتق من النار.
ومن الجدير بالذكر أنَّ شهر رمضان المبارك هو الشهر الذي نزل فيه القرآن الكريم على سيد الخلق والمرسلين محمد -صلى الله عليه وسلم- في ليلة القدر، وهي الليلة التي قال فيها الله -عزَّ وجلَّ- إنَّها خير من ألف شهر، فيجب الحرص على الإكثار من الأعمال الصالحة والدعاء لنيل مرضاة الله -سبحانه وتعالى والفوز بجنته.
الوقفة الثانية: أحب الطاعات في شهر رمضان
كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يستغل شهر رمضان المبارك في فعل الطاعات؛ فكان يُكثر من الصدقات، وتلاوة القرآن الكريم، وذكر الله -تعالى في كل وقت-، ويجب على المسلم أيضًا أن يقف مع نفسه في شهر رمضان ويسارع لفعل الطاعات حتى ينال رضا الله -عزَّ وجلَّ- ويفوز بالجنة.
وفيما يأتي ذكرٌ لأحب الطاعات في شهر رمضان:
- إخلاص النية في الصوم لله -سبحانه وتعالى- واحتساب الأجر في كل الأمور والعادات اليومية، وفعلها بنية العبادة لتحقيق الأجر والثواب عليها.
- تأدية الصلوات المفروضة؛ فأول ما يُحاسب عليه الإنسان يوم القيامة هو الصلاة، فيجب أداؤها على وقتها وعدم تأخيرها، والحرص على الصلاة بخشوع.
- قراءة القرآن وتدبُّر معانيه؛ فالقرآن الكريم هو التوأم الملاصق لشهر رمضان، ولا يجب أن ينقضي هذا الشهر دون تحقيق ختمة القرآن الكريم ولو مرة.
- الدعاء في هذا الشهر الكريم؛ فهو شهر الاستجابة إذ يقول رسول الله -صلى الله عله وسلم-: (الدُّعاءُ هوَ العبادةُ).
- الحرص على أداء النوافل لما فيها من أجر عظيم، ويمكن البدء بركعتي السنة في صلاة الفجر، وركعة الوتر، ففضلهما عظيم، وركعتي الضحى والسنن الرواتب.
- قيام الليل ولو كان بركعتين بعد صلاة العشاء، فلا أحد يعلم متى هي ليلة القدر، لذلك الأفضل قيام كل ليلة من ليالي رمضان بالصلاة والذكر وقراءة القرآن.
- قراءة الأذكار في الصباح وعند المساء، والمداومة على ذكر الله -سبحانه وتعالى- وذلك بالحمد والاستغفار والتهليل والتكبير.
- حفظ الجوارح من الوقوع من الذنوب والمعاصي، وإذا كان الباطن صالح فسيكون الظاهر صالح أيضًا، لذلك يجب الحرص على صلاح القلب وتطهيره.
- الإكثار من الصدقات كما كان يفعل رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ روى عن عبد الله بن عباس -رضي الله عنه-: (كانَ رَسولُ اللَّهِ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ- أجْوَدَ النَّاسِ، وكانَ أجوَدُ ما يَكونُ في رَمَضَانَ).
الوقفة الثالثة: السير على نهج القدوات في شهر رمضان
يتسابق المؤمنون في شهر رمضان المبارك لفعل الطاعات والحصول على رضوان الله -سبحانه وتعالى-، طامعين في أن يغفر لهم ذنوبهم ويدخلهم جنات النعيم، وكان الصحابة -رضوان الله عليهم- يتنافسون في الطاعات ويبذلون جهدهم فيها.
وفيما يأتي ذكرٌ لبعض مواقف الصحابة في رمضان ونهجهم فيه:
- تفطير الصائمين: فكان الصحابة -رضي الله عنهم- يهتمون بالفقراء ويشاركونهم الطعام على موائد الإفطار، ومنهم عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- الذي ما كان يجلس على الإفطار إلا مع اليتامى والمساكين، ومن السلف أيضًا الحسن وابن المبارك إذ كانا يحبان أن يُطعما إخوانهم الصائمين، ومساعدتهم وخدمتهم، ويُذكر أنَّ حماد بن أبي سليمان الذي كان يحرص على إطعام خمسمئة صائم في رمضان.
- الحرص على قيام الليل وتلاوة القرآن: فكان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- يقوم الليل، ويوقظ أهله ويقول لهم: الصلاة الصلاة، وكان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- كثير الصلاة وقراءة القرآن في الليل، حتى نزلت فيه الآية الكريمة: (أَمََّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ).
- الإكثار من قراءة القرآن الكريم في هذا الشهر العظيم: فقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتدارس القرآن مع جبريل في رمضان، وكان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- يختم القرآن الكريم مرة واحدة في كل ليلة، ومنهم من كان يختم القرآن في ثلاث ليال، ويجدر بالمسلم الاقتداء بهم والحرص على قراءة القرآن وختمه في رمضان.
- المكوث في المسجد بعد صلاة الفجر حتى شروق الشمس: إذ كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يُصلي الفجر ثم يبقى جالسًا في المسجد إلى حين طلوع الشمس.
- الاعتكاف: وهو أن يختلي المسلم بنفسه في رمضان للمداومة على الطاعات، ومنه:ا الصلاة، وقراءة القرآن، وذكر الله -سبحانه وتعالى-، والدعاء، وقيام الليل وغيرها من الطاعات، ومن الجدير بالذكر أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم كان يعتكف عشرة أيام في رمضان، وفي العام الذي توفي فيه كان قد اعتكف عشرين يومًا، كما كان الإمام أحمد إذا جاء رمضان اعتكف في منزله ولم يخرج منه، ويستمر في قراءة القرآن الكريم.
- الاجتهاد في العبادات في العشر الأواخر من رمضان: كان التابعي الجليل أيوب السختياني يغتسل في ليلتي الثالث والعشرين والرابع والعشرين من شهر رمضان، وكان السلف الصالح يتطيبون ويتزينون في الليلة التي يعتقدون أنَّها ليلة القدر، ويحرصون على فعل الطاعات والصلاة وقيام الليل في هذه الليلة، لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (مَن قَامَ لَيْلَةَ القَدْرِ إيمَانًا واحْتِسَابًا، غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ، ومَن صَامَ رَمَضَانَ إيمَانًا واحْتِسَابًا غُفِرَ له ما تَقَدَّمَ مِن ذَنْبِهِ).
شهر رمضان هو خير أشهر السنة، وفيه نزل القرآن على سيدنا محمد، وفيه ليلة القدر التي هي خير من ألف شهر، وهو شهر الطاعات والعبادات ومغفرة الذنوب والعتق من النار؛ لذلك يجدر بالمسلم اغتنام هذه الأيام المعدودة قبل انتهائها للفوز بالمغفرة والعتق من النار، ودخول الجنة مع المتقين الأبرار.