وفاة عمر بن الخطاب
عمر بن الخطاب
هو ثاني الخلفاء الراشدين ، وأول من لقّب بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي العدويّ القرشيّ، وأمّه حنتمة بنت هشام المخزومية أخت أبي جهل، وُلد في مكة المكرمة وترعرع بها، وكان أبوه الخطاب مشهوراً بغلظته وشدّته، حيث كان فارساً من فرسان العرب، وشارك في العديد من الحروب على رأس بني عديّ، وقد تعلّم عمر -رضي الله عنه- في طفولته القراءة والكتابة فكان واحداً من بين سبعة عشر ممّن يجيدون الكتابة في قريش ، وفي الشباب عمل برعاية إبل والده وكان من أشّد فتيان قريش، وتعلّم الرماية وركوب الخيل.
وفاة عمر بن الخطاب
تولّى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أمر المسلمين، وكان مثلاً يُقتدى به في العدل، والإيمان ، والجهاد في سبيل الله، حيث توطّدت دعائم الدولة الإسلامية في عهده، واتّسعت رقعتها، وانتصر المسلمون على الروم والفرس في الكثير من المعارك الفاصلة؛ كنهاوند ، والمدائن، والقادسية، وفُتحت بلا الشام ومصر، وفي العام الثالث والعشرين للهجرة كانت آخر حجّة لعمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفي طريق العودة دعا الله -تعالى- قائلاً: (اللَّهُمَّ كَبِرَتْ سِنِّي، وضَعُفَتْ قُوَّتي، وانتشرَتْ رَعِيَّتي، فاقبِضْني إليكَ غيرَ مُضَيِّعٍ ولا مُفَرِّطٍ)، ورُوي أنه كان يتمنّى الشهادة في سبيل الله قائلاً: (اللَّهُمَّ ارْزُقْنِي شَهَادَةً في سَبيلِكَ، واجْعَلْ مَوْتي في بَلَدِ رَسولِكَ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ)، وبالفعل استجاب الله -تعالى- دعاء الفاروق رضي الله عنه، ففي صبيحة أحد الأيام تقدّم عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ليؤمّ الناس في صلاة الفجر كعادته، وما إن استوت الصفوف، وكبّر للصلاة، حتى بُغت بطعنةٍ غادرةٍ من المدعوّ أبو لؤلؤة المجوسي الذي كان غلاماً مملوكاً للمغيرة بن شعبة رضي الله عنه، ثم أخذ المجوسي يطعن المصلّين ميمنة وميسرة حتى أصاب ثلاثة عشر رجلاً، توفّي منهم سبعة، ولمّا ظنّ أنه مأخوذٌ نحر نفسه.
ثم تناول الفاروق يد عبد الرحمن بن عوف وقدّمه ليتمّ الصلاة، فصلّى بالناس صلاةً خفيفةً، ولمّا انتهت الصلاة قال عمر: (يا ابْنَ عَبَّاسٍ، انْظُرْ مَن قَتَلَنِي، فَجَالَ سَاعَةً ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: غُلَامُ المُغِيرَةِ، قَالَ: الصَّنَعُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: قَاتَلَهُ اللَّهُ، لقَدْ أمَرْتُ به مَعْرُوفًا، الحَمْدُ لِلَّهِ الذي لَمْ يَجْعَلْ مِيتَتي بيَدِ رَجُلٍ يَدَّعِي الإسْلَامَ)، ثم حمل الصحابة -رضي الله عنهم- أمير المؤمنين إلى بيته والحزن يعتصرهم وكأنهم لم يصابوا بمصيبةٍ من قبل، ولما أفاق أرسل عمر -رضي الله عنه- ابنه عبد الله ليستأذن أم المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- بأن يُدفن بجوار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وأبو بكر الصديق رضي الله عنه، فأذنت له، وكان استشهاده يوم الأربعاء، لأربع بقين من شهر ذي الحجة من العام الثالث والعشرين للهجرة، ودُفن في الحجرة النبوية.
فضائل عمر بن الخطاب
وردت الكثير من النصوص الشرعية التي تدلّ على عِظم فضل أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وفيما يأتي بيان بعضها:
- البشرى بالجنة: ثبت أن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- من العشرة المبشّرين بالجنة ، وقد ورد العديد من الأحاديث النبوية التي تدلّ على ذلك، منها ما رواه أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (بينا أنا نائم رأيتني في الجنة فإذا امرأةٌ تتوضأ إلى جانب قصر، فقلت: لمن هذا القصر؟ فقالوا: لعمر بن الخطاب، فذكرت غيرته فولّيت مدبراً، فبكى عمر وقال: أعليك أغار يا رسول الله)، بالإضافة إلى ما رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال لأبي موسى الأشعري رضي الله عنه: (افتَحْ له وبشِّرْه بالجنَّةِ).
- سعة العلم، ودقّة الفهم، والنظر الثاقب: كان عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- واسع العلم، دقيق الفهم، وكان في بعض المواقف يخطر بباله أمراً أو يعتقد رأياً فينزل الوحي مواقفاً لرأيه، وقد رُوي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنَّه قدْ كانَ فِيما مَضَى قَبْلَكُمْ مِنَ الأُمَمِ مُحَدَّثُونَ، وإنَّه إنْ كانَ في أُمَّتي هذِه منهمْ فإنَّه عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ).
- القوّة في الدين: شهد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لعمر بن الخطاب -رضي الله عنه- بقوّة الدين والإيمان ، مصداقاً لما رواه أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- عن النبي -عليه الصلاة والسلام- أنه قال: (بيْنَا أنَا نَائِمٌ، رَأَيْتُ النَّاسَ يُعْرَضُونَ عَلَيَّ وعليهم قُمُصٌ، منها ما يَبْلُغُ الثُّدِيَّ، ومنها ما دُونَ ذلكَ، وعُرِضَ عَلَيَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وعليه قَمِيصٌ يَجُرُّهُ، قالوا: فَما أوَّلْتَ ذلكَ يا رَسولَ اللَّهِ؟ قالَ: الدِّينَ).
صفات عمر بن الخطاب
كان رضي الله عنه طويل القامة، أبيض البشرة تعلوه حمرة، أعسر أيسر، في عارضيه خفّة، وصَفه سماك بن حرب قائلاً: "كان عمر أروح، كأنه راكب والناس يمشون، كأنه من رجال بني سدوس"، ورُوي عن عبد الله بن كعب بن مالك -رضي الله عنه- أنه قال: "كان عمر يأخذ بيده اليمنى أذنه اليسرى ويثب على فرسه فكأنما خلق على ظهره"، وعلى الرغم من شدّة عمر وغلظته على المسلمين في بداية الدعوة، إلا إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعا الله -تعالى- أن يعزّ الإسلام به، حيث قال: (اللَّهمَّ أعزَّ الإسلامَ بأحبِّ هذينِ الرَّجُلَيْنِ إليكَ بأبي جَهْلٍ أو بعُمرَ بنِ الخطَّابِ قالَ: وَكانَ أحبَّهما إليهِ عمرُ)، فهدى الله -تعالى- قلب عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وأعلن إسلامه في ذي الحجة من العام السادس للبعثة، وكان عمره يومها ستة وعشرين أو سبعة وعشرين عاماً، فكان إسلامه فتحاً للمسلمين، ونكبةً للشرك والمشركين، كما قال عكرمة رضي الله عنه: "لم يزل الإسلام في اختفاء حتى أسلم عمر"، فلقّبه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالفاروق، وبعدها بسنواتٍ أمر النبي -عليه الصلاة والسلام- المسلمين في مكة بالهجرة، فكانوا يهاجرون سراً مستخفين من قريش، بينما هاجر عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- علانيةً متقلّداً سيفه، وقبل خروجه من مكّة طاف حول الكعبة سبعة أشواط، ثم وقف مخاطباً جموع الكفّار وقال لهم: "من أراد أن يثكل أمه أو ييتّم ولده أو يرمل زوجته فليلقني وراء هذا الوادي".