وصف شكل سيدنا عمر بن الخطاب
صفات سيدنا عمر الخَلقية
عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- القُرَشيّ العَدَويّ، المكنّى بأبي حفص، الملقَّب بالفاروق؛ لأنَّه فرَّّق بين الكفر والإيمان في الإسلام في مكة في بداية الدَّعوة، وهو يجتمع في نسبه مع النبي -صلى الله عليه وسلم- في كعب بن لؤي بن غالب. وُلد عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- بعد ثلاث عشرة سنة بعد عام الفيل ، وكان سيدنا عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- رجلاً طويلاً جداً؛ يفوق النَّاس طولاً، جَهِمَ الأكتاف، أصلعَ الرَّأس، شديد الحُمرة، كثير السَبَلة؛ أي أن لحيته كانت كثيفةً تُسبل على صدره، وكانت شقراء مُحْمَرةً، وكان أحياناً يصبغها أو يحنِّيها مع رأسه، وكان أعسر؛ أي أنَّه يستخدم يده اليسرى أكثر من اليمنى، وقد كان سريعاً في مشيته، واشتهر بفروسيَّته، حتى قيل عنه إنَّه كان اذا ركبَ خيله ظنّه الناس جسداً واحداً؛ يريدون بذلك إظهار مدى فروسيَّته، وقد عُرِفَ بهيبته النَّادرة.
وكان عمر -رضي الله عنه- أبيض البشرة، أشيَبَ الرأس، وكان شديد حمرة العير؛ أي أن تحت عينيه حمرةٌ في خَدَّيه، حَسَنَ العيون والأنف والفم؛ أي أنَّه وسيمٌ، وهو مجدول اللّحم؛ أي أن جسده حسن المظهر كالرياضيين، وهو غليظ الكفّين والقدمين، وقد كان قليل الضَّحِك، جادٌ في معظم أُموره، وكان ضَخمَ البُنية، عُرف بارتدائه خاتماً في يده اليسرى، ولباسه للون الأخضر، إذا مشى يمشي بهيبةٍ حتى يُسمَعُ صوتٌ لِوَطْئِه على الأرض، وإذا تكلَّم فَصَوْتُه جهوريٌ عالي، وإذا ضرب أوجع، وقد كان قوياً شديداً يهابه النَّاس، ليس واهناً ضعيفاً.
وكان خفيف العارِضَين؛ أي أنَهُ خفيف شعرِ الوجه، وكان إذا غضب أو شغله أمرٌ قام بفتلِ شاربه أو أخذه بفمه ونفخ، وقد قيل إنَّه كان إذا صرخ يكاد من يسمع صُراخه أن يُصعَق أو يُغشى عليه، ومن هيبته أنَّه كان إذا مشى ظهر الاعتزاز في مشيته، وهذا لا ينافي أنَّه كان ناسكاً، وكان أضبط؛ أي أنه يستخدم يديه الاثنتين في نفس الإتقان، وهذه الصّفات كلُّها توحي وتدلُّ على الهيبة والقوَّة والإرادة والهمَّة، فطوله وضخامة جسده مكافئٌ لقدرته على استعمال يداه الاثنتان استعمالاً كاملاً، وقد أمدَّه الله -تعالى- بعظائم الصِّفات، وكلها سُخِّرت في تعبئة مكانه ودوره المميَّز في الإسلام ، وقد اشتُهر عنه أن خاتمه كان منقوش عليه جملة: "كفى بالموتِ واعظاً يا عمر".
صفات سيدنا عمر الخُلقية
الزُّهد
اجتمعت بعُمر بن الخطَّاب الكثير من الصِّفات الحميدة التي لا يمكن حصرها، فقد كان عابداً، زاهداً، متصدِّقاً، فقيهاً، ورعاً، عالماً، مجاهداً، ومن أشهر الصِّفات التي عُرف فيها أنه -رضي الله عنه- كان زاهداً ؛ فبعد إسلام عمر وتعمُّقه في الدِّين، ومصاحبته للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- وصحابته وحفظ القرآن، فهم عمر -رضي الله عنه- أنَّ الحياة الباقية ليست في الدُّنيا، وأن هذه الدُّنيا هي دار ابتلاء وامتحان، وحصد النتائج يكون في الآخرة، ومع أنَّ الدُّنيا سُخِّرت لعمر -رضي الله عنه- إلَّا أنَّه أباها، وزهد فيها وعاش فيها كالغريب اقتداءً بما قاله النبي -صلى الله عليه وسلم-: (كُنْ في الدُّنْيَا كَأنَّكَ غَرِيبٌ أوْ عَابِرُ سَبِيلٍ)، ومن المظاهر التي تدلّ على زهده ما يأتي:
- ورد أنَّه كان يمشي يوماً هو وبعض المسلمين، فرأى مزبلةً فوقف، فتأذّى بذلك من كان معه، فقال عمر -رضي الله عنه-: "هذه دنياكم التي تحرصون عليها، تبكون عليها".
- لم يتعلَّق عُمر -رضي الله عنه- بالدُّنيا أبداً، وكان لا يأبه أن يخطب في النَّاس بثوبٍ مُرَقّع، ولا يأبه بجودة الطَّعام، فقال مرةً مخاطباً معدته الفارغة: "قرقري كما تريدين، والله لا تأكلين إلا هذا الطعام، زيت وخبز".
- ظهرت ملامح زهد عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- في كلِّ جوانب حياته، فقد كان منفقاً في سبيل الله -تعالى-، ففي حادثة أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- حثَّ المسلمون على الإنفاق في سبيل الله -تعالى-، فذهب عمر -رضي الله عنه- وأتى بنصف ماله وتصدَّق به، وفي حادثةٍ أُخرى حصل على سهمٍ في غزوة خيبر ، فذهب بسهمه وهو مالٌ وفيرٌ، فجاء به للنبيِّ -صلى الله عليه وسلم- ليتصدَّق به، فجعله وقفاً للفقراء واليتامى والمحتاجين وذوي القربى والعاملين عليها.
- رُوي أنَّ أناساً من خارج مكة أتوا عمراً، فقدّم لهم خبزاً به زيت، فجلسوا يأكلون تعذّراً -لم يعجبهم-، فتنبّه لذلك عمر، فقال: لو شئتم أن أُرقّق وأُطيِّب لكم الطعام لفعلت، "ولكن نستبقي من نستبقي من دنيانا ما نجده في آخرتنا"، ثم قال لهم: أما سمعتم قول الله -تعالى-: (وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّبَاتِكُمْ فِي حَيَاتِكُمُ الدُّنْيَا وَاسْتَمْتَعْتُم بِهَا فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَبِمَا كُنتُمْ تَفْسُقُونَ).
وزُهد عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- لم يكن زُهد فقرٍ ومسكنةٍ، بل إنَّه كان من الأغنياء الذين أنعم الله -تعالى- عليهم، ولكنَّه اختار الزُّهد اقتداءً بالنبيِّ -صلى الله عليه وسلم-، فكان زاهدا كريماً عزيزاً، قاد الأُمَّة لمدةٍ طويلةٍ من الزَّمن، ولم يغيّر ذلك من حاله شيء، بل كان سياسياً لا تهمٍّه المظاهر، مع أن فتوحات الدّولة الإسلاميَّة اتّسعت في وقته اتّساعاً كبيراً، فكان يمسك بزمامِ الأُمور، وجُلُّ تفكيره مُنْصَبٌّ في مصلحة الأُمَّة الإسلاميَّة، فدخل بيوت المسلمين الفقراء، وسهر على راحتهم، ونصَّبَ من ظن أنَّه أهلٌ لولايته عليهم، وبيت مال المسلمين مليءٌ بالأموال بسبب زكاة المسلمين وأموال الجزية، ولم يفتنه ذلك، ولم يغير ذلك من زهده في الدنيا وتعلُّقه في الآخرة، وممَّا لا بدَّ من ذكره أنَّه عندما قُتِلَ كان مديوناً، وكان قد أوصى ابنه عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- بسداد دينه.
التواضع
كان عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- رجلاً متواضعاً يظهر عليه ذلك، فمكانته العالية ومنصبه ومزاياه لم تقلّل من تواضُعه ولم تجعله متكبّراً، فقد كان يقتدي برسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فجاء عن حسن البصري أنَّ عُمَراً خرج من بيته في يومٍ حار وهو يضع الرِّداء على رأسه، فمرَّ به غلام يمتطي حماراً، فناداه عمر: يا غلام، احملني معك، فنزل الغلام عن الحمار، وقال: اركب يا أمير المؤمنين ، فرفض ذلك عمر، وقال: "اركب، وأركب أنا خلفك، تريد تحملني على المكان الوطيء؟ وتركب أنت على الموضع الخشن"! فركب خلف الغلام، ودخل المدينة والنَّاس ينظرون، وهو لا يأبه لذلك، وهذا من تواضعه.
الحِلم
كان عُمَرُ بن الخطَّاب -رضي الله عنه- رجلاً حليماً يضبط نفسه عند الغضب، وقد رُوي عن ابن العباس -رضي الله عنه- أنَّه قَدِم عيينة بن حِصن فنزل عند ابن أخيه الحرُ بن قيس، فطلب من ابن أخيه أن يستأذن له أن يدخل ليُكلّم عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه-، فاستأذن له عيينة، فقبل عمر، فلما دخل عليه قال: يا ابن الخطَّاب، فو الله ما تحكم بيننا بالعدل، فغضب عمر غضباً شديداً، وقام ليوقع به، فاستوقفه الحُرُّ بن قيس وقال: يا أمير المؤمنين، إن الله -تعالى- قال لنبيِّه: (خُذِ العَفوَ وَأمُر بِالعُرفِ وَأَعرِض عَنِ الجاهِلينَ)، وإن هذا من الجاهلين، فوقف عمر -رضي الله عنه- بمكانه ولم يكمل ما قام لأجله، فقد كان كتاب الله -تعالى- يوقفه، وهدأ وأعرض عن الرَّجل الذي أساء إليه، مع أنَّه كان على خطأ، فعفى عنه حلماً بجهله، وابتغاءً لتطبيق القرآن الكريم.
العدل
كان عمر بن الخطَّاب -رضي الله علنه- إذا أتاه شخصان مختصمان ليحكم بينهما جلس على ركبتيه ودعا الله -تعالى- وقال: "اللهم أعني عليهما، فإن كان واحدٌ منهما يردّني عن ديني"، وكان -رضوان الله عليه- في عدله بين رعيَّته يصف نفسه فيقول: "والله لقد لان قلبي حتى هو ألين من الزبد، ولقد اشتد قلبي حتى هو أشد من الحجر"، أي أنَّه ليِّن ورحيم بما يرضي الله -تعالى-، وشديدٌ في كلِّ ما يغضب الله -تعالى-.
الورع
كان عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- أحسن النَّاس في تطبيق الزُّهد والتَّواضع والعدل والورع، فقد كان المسلمون يلازمونه ليتعلَّموا منه الورع، حيث قال المسور بن المخرمة: "كنا نلزم عمر بن الخطاب نتعلم منه الورع"، ومن الأمثلة التي تبيِّن شدَّة ورع عمر -رضي الله عنه- أنَّه جاء في روايةٍ أنَّ طلحة اليعمري جاء عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنه- بقطائف وطعام، فأمر به عُمر -رضي الله عنه- فقسَّم الطَّعام على المسلمين، فقال عمر: "اللهم إنك تعلم أني لم أرزقهم، ولن أستأثر عليهم إلا أن أضع يدي في طعامهم، وقد خفت أن تجعله ناراً في بطن عمر"، ثم أخرج من ماله الخاص وأمر أن يأكل من ماله الخاص، فهو بالطبع يحب أن يأكل مع عامة المسلمين لما في ذلك من مصالح اجتماعية، إلَّا أنَّ خوفه الشّديد من الله -تعالى- وورعه منعه من فعل ذلك.
وقد رُوي أنَّ عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- اشترى إبلاً وأرسلها لترعى، فعادت الإبل سمينة، فمرَّ عمر بن الخطَّاب -رضي الله عنهم- بالسوق، فسأل: لمن هذه الإبل؟ فعرف أنَّه لابنه، فاستدعاه وسأله عن ذلك، فقال له إنَّه يفعل كما يفعل المسلمون، فقال له إنَّه لا بَّد من أنَّ رُعاة الإبل كانوا يهتمون بإبله أكثر من إبل غيره؛ لأنَّه ابن أمير المؤمنين وصاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فأمره أن يأخذ رأس ماله ويجعل الباقي في بيت مال المسليمن.