وصف الطبيعة من خلال الشعر الجاهلي
وصف الطبيعة من خلال الشعر الجاهلي
ما تزال الطبيعة هي الدافع الأول الذي يُثير قرائح الشعراء العرب، وتتمثل الطبيعة في العصر الجاهلي بالصحراء وما يجري فيها من الأحداث والتغييرات، ومن أجمل المعالم الطبيعية التي وُصفت في الشعر الجاهلي ما يأتي:
الجبال
إنّ الجبال هي من أهم المظاهر التي كانت تُحيط بالشعراء في العصر الجاهلي، إذ إنّ البيئة العامة في ذلك الزمان كانت صحراويةً، وقد سخّر الكثير من الشعراء أقلامهم من أجل وصف الصحراء والرحلة فيها.
لم تكن الجبال بمنأى عن القصيدة العربية التي نسجها الشاعر واصفًا ما تراه عينه، وأتى بعض الشعراء في أحيانٍ أخرى على وصف الجبال مُقترنةً بالحوادث التي نزلت حين رؤيته الجبل أو الانتصارات التي حققّها، ومن ذلك ما قاله لبيد بن ربيعة:
دَرَسَ المَنا بِمُتالِعٍ فَأَبانِ
- وَتَقادَمَت بِالحُبسِ فَالسوبانِ
فَنعافِ صارَةَ فَالقَنانِ كَأَنَّها
- زُبُرٌ يُرَجِّعُها وَليدُ يَمانِ
مُتَعَوِّدٌ لَحِنٌ يُعيدُ بِكَفِّهِ
- قَلَماً عَلى عُسُبٍ ذَبُلنَ وَبانِ
أَو مُسلَمٌ عَمِلَت لَهُ عُلوِيَّةٌ
- رَصَنَت ظُهورَ رَواجِبٍ وَبَنانِ
لِلحَنظَلِيَّةِ أَصبَحَت آياتُها
- يَبرُقنَ تَحتَ كَنَهبُلِ الغُلّانِ
السراب
وقف الشعراء أمام الصحراء وقفة الرجل الشاخص المُتأمل الذي يُريد أن يتناول في قلمه كلما تراه عينه، والسراب هو ظاهرة من مظاهر الصحراء التي عقد الشعراء ألويتهم على وصفها، وكانوا يتحدّثون عن السراب في ارتفاعه كأنّه ارتفاع النهار ثمّ يأتون بعد ذلك على وصف رحالهم، وينعتونها بأشدّ الأوصاف جزالة وقوة وهي تارة ترتفع وأخرى تنخفض في ذلك السراب القوي العظيم.
ممّن أبدع في وصف ذاك امرؤ القيس في قوله:
فَشَبَّهتَهُم في الآلِ لَمّا تَكَمَّشوا
- حَدائِقَ دومِ أَو سَفيناً مُقَيَّرا
أَوِ المُكرَعاتِ مِن نَخيلِ اِبنِ يامِنٍ
- دُوَينَ الصَفا اللائي يَلينَ المُشَقَّرا
سَوامِقَ جَبّارَ أَثيثٍ فُروعَهُ
- وَعالَينَ قُنواناً مِنَ البُسرِ أَحمَرا
حَمَتهُ بَنو الرَبداءِ مِن آلِ يامِنٍ
- بِأَسيافِهِم حَتّى أَقَرَّ وَأَوقَرا
وَأَرضى بَني الرَبداءِ وَاِعتَمَّ زَهوُهُ
- وَأَكمامُهُ حَتّى إِذا ما تَهَصَّرا
البرق
البرق في الجاهلية كان مكانًا معهودًا عند الشعراء، وكانوا يأتون على ذكره في قصائدهم وهو في أصله مكان تتجمّع فيه الحجارة والرمال والطين وغالبًا ما كان ينبت في ذلك المكان نوع من البقل والشجر، والحجارة تتراوح ألوانها ما بين البياض، أو الحمرة والسواد وكانت تلك الأمكنة هي محلًا للهو والمُتعة واللقاء، لذلك فإنّ الشاعر الذي كان يحنّ إلى أيام الصبا لا بُدّ أن يذكر البرق في قصيدته.
من أشهر من أتى على ذلك طرفة بن العبد في معلقته حين قال:
لِخَولَةَ أَطلالٌ بِبُرقَةِ ثَهمَدِ
- تَلوحُ كَباقي الوَشمِ في ظاهِرِ اليَدِ
وُقوفاً بِها صَحبي عَلَيَّ مَطيَّهُم
- يَقولونَ لا تَهلِك أَسىً وَتَجَلَّدِ
كَأَنَّ حُدوجَ المالِكيَّةِ غُدوَةً
- خَلايا سَفينٍ بِالنَواصِفِ مِن دَدِ
عَدَوليَّةٌ أَو مِن سَفينِ اِبنِ يامِنٍ
- يَجورُ بِها المَلّاحُ طَوراً وَيَهتَدي
الآبار
أجمع المؤرخون على أنّ جزيرة العرب كانت وفيرة المياه وخصبةً وكثيرة المطر وقد حفل الشعر الجاهلي بمجموعة من الأشعار التي تُوصف فيها الأمطار السيول، وقد كان الشعراء يأتون على وصف ذلك من أجل تصوير المصاعب التي يتمكنون من اجتيازها من دون دليل أو مُرشد، ومن أشهر مَن أتى على وصف ذلك تأبط شرًا حين قال:
وَشَعبٍ كَشَلِّ الثَوبِ شَكسٍ طَريقُهُ
- مَجامِعُ صوحَيهِ نِطافٌ مَخاصِرُ
تَعَسَّفتُهُ بِاللَيلِ لَم يَهدِني لَهُ
- دَليلٌ وَلَم يُحسِن لِيَ النَعتَ خابِرُ
لَدُن مَطلَعِ الشِعرى قَليلٍ أَنيسُهُ
- كَأَنَّ الطَخا في جانِبَيهِ مَعاجِرُ
بِهِ مِن نَجاءِ الدَلوِ بيضٌ أَقَرَّها
- جُبارٌ لِصُمِّ الصَخرِ فيهِ قَراقِرُ
وَمَرِّرنَ حَتّى كُنَّ لِلماءِ مُنتَهاً
- وَغادَرَهُنَّ السَيلُ فيما يُغادِرُ
بِهِ نُطَفٌ زُرقٌ قَليلٌ تُرابُها
- جَلا الماءُ عَن أَرجائِها فَهوَ حائِرُ
بِهِ سَمَلاتٌ مِن مِياهٍ قَديمَةٍ
- مَوارِدُها ما إِن لَهُنَّ مَصادِرُ
الرياح
كانت الرياح تهبّ على شبه الجزيرة العربية من كافّة المناطق وتولّدت عندهم مُعتقدات مُختلفة بشأن الرياح، لكن أكرم الرياح عندهم كانت رياح الصبا التي تهب في بداية الربيع، وكان بعضهم إذا ما هبت تلك الرياح أطعم النّاس وسقاهم فإذا انقضت أمسك، وأمّا أكثر الرياح التي يخافونها كانت الشمالية الشرقية التي تنذر بالقحط.
يُذكر أنّ أحد الشعراء فخر بنفسه لأنّه كان يأوي الناس في الليالي التي تهب فيها الرياح الباردة، فقال:
باتَت شَآمِيَةُ الرِياحِ تَلُفُّهُم
- حَتّى أَتَونا بَعدَ ما سَقَطَ النَدى
فَنَهَضتُ في البَركِ الهُجودِ وَفي يَدي
- لَونُ المَهَزَّةِ ذو كعوبٍ كَالنَوى
أَحذَيتُ رُمحي عائِطاً مَمكورَةً
- كَوماءَ أَطرافُ العِضاهِ لَها خَلى
فَتَطايَرَت عَنّي وَقُمتُ بِعاتِرٍ
- صَدقِ المَهَزَّةِ ذي كُعوبٍ كَالنَوى
الأماكن
كانت الأماكن دائمًا سببًا في حزن الشاعر ولوعته وتذكره للمحبوبة، والمكان هو نوع من أنواع الطبيعة خاصةً في العصر الجاهلي، حيث كان للمكان ميّزته الخاصة إذ وصف الشاعر دار المحبوبة وصفاً دقيقاً وهو بهذا يُبيّن موطن حبّه وذكرياته، ومن ذلك ما قاله امرؤ القيس:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ
- بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْرَاةِ لم يَعْفُ رَسْمُهَا
- لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ