وصف الصحراء في الشعر
وصف الصحراء في الشعر
حازت الصحراء على اهتمام الكثير من الشعراء، حيث تفنّنوا في وصْفها بأجمل الأوصاف وأكثرها دقةً وروعةً، وتغنّى بها الشعراء ووصفوها وصوّروا تنقّلاتهم في أرجائها الواسعة، كما عدّها الشعراء محوراً أساسياً لا بد منه في دواوينهم الشعرية، إذ تعلّموا منها وفيها القوة والصلابة والقدرة على التحمّل والحرية، فكان لها فضل كبير استوجب منهم إفرادها بفائق اهتماماتهم في إبداعاتهم الأدبية.
يصف الشاعر الصحراء بكل تفاصيلها، فإذا ما أمعنّا النظر في دواوين الشعراء على مر العصور وجدنا أنهم أكثروا من وصف رحلات الظعائن التي أكثر ما يُميّزها أنها قاسية يشوبها الكدر والمعاناة، فتعلّموا منها القدرة على تحمل المصاعب، ومن جانب آخر حاولوا الشعراء جاهدين أن يصفوا الرحل وصفاً جميلاً دقيقاً، مُعبراً كل منهم بذلك عن تمنياته بأحسن ما في الصحراء لمحبوبته.
قصيدة الحطيئة في وصف الصحراء
نظم الحطيئة قصيدته هذه في وصف الصحراء في 14 بيتاً، يقول فيها:
وَطاوي ثَلاثٍ عاصِبِ البَطنِ مُرمِلٍ
- بِتيهاءَ لَم يَعرِف بِها ساكِنٌ رَسما
أَخي جَفوَةٍ فيهِ مِنَ الإِنسِ وَحشَةٌ
- يَرى البُؤسَ فيها مِن شَراسَتِهِ نُعمى
وَأَفرَدَ في شِعبٍ عَجُوزاً إِزائَها
- ثَلاثَةُ أَشباحٍ تَخالُهُمُ بَهما
رَأى شَبَحاً وَسطَ الظَلامِ فَراعَهُ
- فَلَمّا بَدا ضَيفاً تَسَوَّرَ وَاِهتَمّا
وَقالَ اِبنُهُ لَمّا رَآهُ بِحَيرَةٍ
- أَيا أَبَتِ اِذبَحني وَيَسِّر لَهُ طُعما
وَلا تَعتَذِر بِالعُدمِ عَلَّ الَّذي طَرا
- يَظُنُّ لَنا مالاً فَيوسِعُنا ذَمّا
فَرَوّى قَليلاً ثُمَّ أَجحَمَ بُرهَةً
- وَإِن هُوَ لَم يَذبَح فَتاهُ فَقَد هَمّا
فَبَينا هُما عَنَّت عَلى البُعدِ عانَةٌ
- قَدِ اِنتَظَمَت مِن خَلفِ مِسحَلِها نَظما
عِطاشاً تُريدُ الماءَ فَاِنسابَ نَحوَها
- عَلى أَنَّهُ مِنها إِلى دَمِها أَظما
فَأَمهَلَها حَتّى تَرَوَّت عِطاشُها
- فَأَرسَلَ فيها مِن كِنانَتِهِ سَهما
فَخَرَّت نَحوصٌ ذاتُ جَحشٍ سَمينَةٌ
- قَدِ اِكتَنَزَت لَحماً وَقَد طُبِّقَت شَحما
فَيا بِشرَهُ إِذ جَرَّها نَحوَ قَومِهِ
- وَيا بِشرَهُم لَمّا رَأَوا كَلمَها يَدمى
فَباتَوا كِراماً قَد قَضوا حَقَّ ضَيفِهِم
- فَلَم يَغرِموا غُرماً وَقَد غَنِموا غُنما
وَباتَ أَبوهُم مِن بَشاشَتِهِ أَباً
- لِضَيفِهِمُ وَالأُمُّ مِن بِشرِها أُمّا
معلقة امرئ القيس في وصف الصحراء
وهي معلقة نظمها امرئ القيس في 77 بيتاً شعرياً، يقول في بدايتها:
قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيْبٍ وَمَنْزِلِ
- بِسِقْطِ اللِّوَى بَيْنَ الدَّخُولِ فَحَوْمَلِ
فَتُوْضِحَ فَالمِقْرَاةِ لم يَعْفُ رَسْمُهَا
- لِمَا نَسَجَتْهَا مِنْ جَنُوبٍ وَشَمْأَلِ
تَرَى بَعَرَ الأرْآمِ في عَرَصَاتِهَا
- وَقِيْعَانِهَا كَأَنَّهُ حَبُّ فُلْفُلِ
كَأَنِّيْ غَدَاة َ البَيْنِ يَوْمَ تَحَمَّلُوا
- لَدَى سَمُرَاتِ الحَيِّ نَاقِفُ حَنْظَلِ
وُقُوْفًا بِهَا صَحْبِيْ عَليََّ مَطِيَّهُمْ
- يَقُولُونَ لا تَهْلِكْ أَسًى وَتَجَمَّلِ
وَإِنَّ شِفَائِيْ عَبْرَةٌ مَهَراقَةٌ
- فهَلْ عِنْدَ رَسْمٍ دَارِسٍ مِنْ مُعَوَّلِ
مسميّات الصحراء في الشعر
تختلف الصحراء وتتمايز من منطقة إلى أخرى حسب طبيعة البيئة في كل من تلك المناطق، وتبعاً لذلك كان لها كم هائل من المسميات والمرادفات التي دلت عليها، فيما يأتي بعض منها، مع أمثلة على وصف الشعراء لها:
- البيداء
وهي الصحراء الخالية التي تبيد من يسلكها وتهلك بهم، يقول زُهير بن أبي سلمى:
وَبَيداءَ تيهٍ تَحرَجُ العَينُ وَسطَها
- مُخَفِّقَةٍ غَبراءَ صَرماءَ سَملَقِ
وفي مثال آخر يقول ذو الرمّة:
وَبَيداءَ مِقفارٍ يَكادُ اِرتِكاضُها
- بِآلِ الضُحى وَالهَجرِ بِالطَرفِ يَمصَحُ
- التيهاء
وهي المفازة، الأرض الواسعة لا أعلام فيها ولا جبال ولا آكام، ومن ذلك قول ذي الرّمة:
بتيهاء مقفار يكاد ارتكاضها بآل الضحى والهجر بالطرف يمصح
- الديمومة
وهي الصحراء المستوية التي يدوم فيها السير لطولها، ولا ماء فيها ولا أنيس، يقول الأعشى:
فَوقَ دَيمومَةٍ تَغَوَّلُ بِالسَف
- رِ قِفارٍ إِلّا مِنَ الآجالِ