وصف الأسد في الشعر العربي
وصف الأسد في الشعر العربي
كانت المظاهر والرموز الطبيعية تنعكس في الشعر العربي منذ الجاهلية وحتى العصور الأدبية اللاحقة، فوظَّف العرب في أشعارهم مشاهدات من محيطهم واستثمروا بيئاتهم لصناعة القصيدة المؤدية إلى المعنى، فوصفوا النباتات والحيوانات، والظروف المناخية، وكان تركيزهم على الحيوانات التي يواجهونها بشكل يوميّْ كالإبل والخيل، ولكن هذا لم يمنع أنَّهم قد وصفوا بل وأكثروا من وصف حيواناتٍ أخرى كالأسود.
وقد اهتمَّ الشعراء بالوصف وكان الوصف عندهم نابعًا من طبيعة البيئات التي يعيشون فيها، فوصفوا النبات والحيوان، فعبروا بوصفهم عن مكنونات النفس البشرية بتشبيهها وتمثيلها في صور مخلوقات أخرى كالأسد مثلاً، وقد ظهر الأسد في صورته الحقيقية تارة مخلوقاً مفترسا وظهر تارة أخرى كرمز للشجاعة والقوة والزعامة والجرأة والمهابة والإقدام في المعارك، فهو صورة الفارس القوي الذي لا يهزم، أو السلطان ذي الحكم والهيبة.
وصف الأسد في الشعر الجاهلي
كان من أشهر الشعراء الجاهليين الذين وصفوا الأسد الشاعرالمخضرم أبو زبيد الطائيّ، وما يجعل أبا زبيد يمتاز عن غيره في وصف الأسد هو أنه رآه رؤيا العين فجاء وصفه أشد مصداقيةً وأكثر تعمقاً، فلم يدع جانباً في الأسد إلا ووصفه، من شكله إلى صوته إلى حركاته، ومن شعر أبي زبيد الطائي في وصف الأسد قوله:
فلا يعلقنكم مهصر الناب عنبس
- عبوس له خلق غليظ غضنفر
وعينان كالوقبين في قبل صخرة
- يرى فيهما كالجمرتين التبصر
نماذج من وصف الأسد في الشعر العربي
كان للعرب بعد الجاهلية كما كان لهم في الجاهلية من اهتمام ب وصف الأسد ونورد هنا مثالين في وصف الأسد لشاعرين من العصر العباسي أحدهما للمتنبي والآخر للبحتري.
الأسد في شعر المتنبي
عُرِف المتنبي بكونه شاعراً فحلاً ومُجيداً يبرع في صياغة الصورة، لكن الأسد في شعره وتحديداً في قصيدته التي مدح فيها بدر بن عمار بن إسماعيل، جاء هزيلاً مجرَّداً من الحياة، وكأن الشاعر نحت أسداً من الحجر لا وصف أسداً حقيقياً، فقال في ذلك الأبيات الآتية:
ورد إذا ورد البحيرة شارباً
- ورد الفرات زئيره والنيلا
متخضب بدم الفوارس لابس
- في غيله من لبدتيه غيلا
ما قوبلت عيناه إلا ظنتا
- تحت الدجى نار الفريق حلولا
يطأ الثرى مترفقاً من تيهه
- فكأنه آسٍ يجسُّ عليلاً
ويردُّ عفرته إلى يافوخه
- حتى تصير لرأسه إكليلاً
الأسد في شعر البحتري
اشتهر البحتري بالوصف المميز وقد أجاد وصف الأسد في القصيدة التي مدح فيها الفتح بن خاقان، فقال فيها:
غداة لقيت الليث والليث مخدر
- يحدّد ناباً للقاء ومخلباً
يحصنه من نهر نيزك معقل
- منيع تسامى غابه وتأشب
يرود مغاراً بالظواهر مكثبا
- ويحتل روضاً بالأباطح معشبا
يلاعب فيه أقحواناُ مفضضاً
- يبص وحوذاناً على الماء مذهبا
يجر إلى أشباله كل شارق
- عبيطاً مدمى أو رميلاً مخضباً