وسطية الإسلام و عالميته
مفهوم وسطية الإسلام
يعود أصل كلمة الوسطيّة إلى الوسط من الشيء، والوسط هو الاعتدال والتوازن بين الطرفين، وأمّا الوسطيّة في الاصطلاح الشرعي؛ فهي العدالة والخيريّة والتوسط بعيداً عن الإفراط والتفريط، قال -تعالى-: (وَكَذَٰلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا) ، "البقرة:143" فالوسطيّة التي امتاز بها الإسلام هي الأمر الوسط الذي يتميّز بالخيريّة عن غيره.
دلائل وسطية الإسلام
من الأمور التي تظهر من خلالها وسطيّة الإسلام ما يأتي:
- الوسطيّة في التشريعات والقواعد والأحكام من حيث قبولها للتغيّير وعدمه، فجعل بعضاً منها ثابتاً لا يُمكن أن يتغيّر بتغيّر الأزمان والأمكنة، وذلك مثل العقائد والعبادات، والأخلاق.
ولا يُمكن أن يقبل الإسلام أي تغيير بهذا المجال بأيّ شكل من الأشكال، وجعل منها ما يقبل التغيير بحسب القواعد الشرعيّة وما يتناسب معها وفقاً لتغير الزمان والمكان.
- انعكاس وسطيّة الإسلام وشمول رسالته على أتباعه، فكانت أمة محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- أهدى الأمم وأكثرها خيريّة، فقال -تعالى: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) . "آل عمران: 110"
- العدل الذي يشمل الإنسانيّة جمعاء على الاختلاف بينهم في أديانهم، ودون النظر إلى القريب والبعيد، والعدو والصديق.
صور وسطية الإسلام
تقوم رسالة الإسلام على التوسط بين عالم الروح والمادّة، ولا تركن في قواعد الحياة ومبادئِها إلى العاطفة والمشاعر ولا إلى التشريع والتأديب، ومن صور وسطيّة الإسلام في بعض جوانبه ما يأتي:
- الوسطيّة في العقيدة، قال -تعالى-: (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّـهِ إِلَّا الْحَقَّ) . "آل عمران:171"
- الوسطيّة في الأخلاق، قال -تعالى-: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا). "الفرقان:67"
- الوسطيّة في التشريع، قال -تعالى-: (وَإِن عاقَبتُم فَعاقِبوا بِمِثلِ ما عوقِبتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرتُم لَهُوَ خَيرٌ لِلصّابِرينَ) ."النحل:126".
- الوسطيّة في العبادات؛ فقد كان رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- يأمر أصحابه بالتوسّط في العبادات، وينهاهم عن الغُلوّ والتطرّف فيها، حيث كان يظنّ بعضهم أنّ كمال العبادة يتحقّق بالمشقّة البالغة، فصحّح لهم رسول الله هذا المفهوم وبيّن لهم منهج الوسطيّة في العبادة.
مفهوم عالمية الإسلام
جمع الإسلام بتنظيماته وتشريعاته بين القلب والعقل، وجعل الله رسوله محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- النموذج الذي تتمثّل من خلاله هذه التشريعات، فهو الأسوة الحسنة التي يأخذ النّاس منه منهجهم، قال -تعالى-: (لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّـهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ). "الأحزاب:21"
ولم تنحصر رسالة الإسلام على فئة معيّنة من النّاس دون غيرهم، ولم يورّثها رسول الله لأحدٍ من البشر من بعده، وإنّما ترك هذه الرسالة للعالم أجمع، حيث لا فضل لشريعةٍ على أخرى، ولا لفئةٍ من النّاس على أخرى، ولا لنظامٍ على آخر.
وجعل رسول الله أهل بيته متساويين مع غيرهم فيما ترك، وأقام التشريعات وطبّقها على أهل بيته قبل غيرهم، فقال -صلّى الله عليه وسلّم-: (وأيمُ اللَّهِ! لَو أنَّ فاطمةَ بنتَ محمَّدٍ سرَقَت لقطعتُ يدَها)، فالصّلة بالعقيدة أشدّ وأوثق من الصّلة بالدم.
دلائل عالمية الإسلام
من الأمثلة التي تدلّ على عالمية رسالة الإسلام ما يأتي:
- ارتكاز الرسالة على فطرة الإنسان التي تشترك فيها البشريّة جمعاء، ثمّ بيّنت هذا الرسالة للإنسان كيفيّة التعامل ع جميع المخلوقات في الكون من حوله، وأوضحت له مبدأ الوجود للخالق والمخلوق والتي تلبي رغبة الإنسان وحاجته في معرفة الله -تعالى-، وقدمت الرعاية لجميع احتياجات الفطرة الإنسانية.
- الإتيان بالمبادئ والقيم التي تسمو بالإنسان وتُعلي من شأنه دون النظر إلى أيّ تفريق بين إنسان وآخر، كما شملت كل ما يتعلّق بالإنسان في جوانب حياته المختلفة بحيث لم يحتاج الإنسان بعدها إلى تشريع آخر.
مظاهر عالمية الإسلام
تظهر عالميّة الإسلام من خلال العديد من المظاهر، منها ما يأتي:
- تحدّي القرآن الكريم للكفار على أن يأتوا بمثله في جميع الأزمنة والأمكنة إلى يوم القيامة، قال -تعالى-: (قُل لَئِنِ اجتَمَعَتِ الإِنسُ وَالجِنُّ عَلى أَن يَأتوا بِمِثلِ هـذَا القُرآنِ لا يَأتونَ بِمِثلِهِ وَلَو كانَ بَعضُهُم لِبَعضٍ ظَهيرًا) . "الإسراء:88"
- صلاحيّة تطبيق تشريعات الإسلام لجميع مجالات الحياة في كل وقت ومكان.
- عموم رسالة الإسلام للبشريّة جميعاً دون تميّيز بينهم في الجنس، أو العنصر، أو الشعب، فإن مظلّة الإسلام تجمع تحتها النّاس جميعاً دون استثناء.
- إمكانيّة تطبيق أحكامه لتحقيق العدالة لغير المسلمين، والأحداث التاريخيّة تثبت ذلك.
- وقوف رسالة الإسلام كالجبل الراسخ أمام الفتن التي تعرّضت لها دون أن تتأثر بها.