ورحمة ربك خير مما يجمعون
التعريف بآية "ورحمة ربك خير مما يجمعون"
"ورحمة ربك خيرٌ مما يجمعون" هي جُزء من آيةٍ في سورة الزُخرف ، وهي الآية الثانية والثلاثون منها، وهي قوله -تعالى-: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، وهي من الآيات التي تُبين تفاهة الدُنيا وهوانها عند الله -تعالى-.
وبيّن الله -تعالى- في هذه الآية الحكمة من التفاوت بين أرزاق الناس وحُظوظهم في الدُنيا؛ كالغنى والفقر، والقوة والضعف؛ وهي من باب الإبتلاء، واتخاذ بعضهم سُخريّاً؛ أي ليسخّرالناس بعضهم بعضاً في الأعمال؛ لاحتياجهم للطرف الآخر في أداء مهامهم.
وكانت الآية مُناسبة لما قبلها؛ وهي قوله تعالى: (وَقَالُوا لَوْلَا نُزِّلَ هَـذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِّنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ)، حيث تعجب الكافرون فيها من نزول القرآن على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعدم نزوله على غيره من الناس؛ فرد عليهم الله -تعالى- بالآية الكريمة: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ)، أي أنَّه -سبحانه وتعالى- هو الذي يُقسّم الأرزاق على الناس وليس هم، ومن ضمن هذه الأرزاق النبوة.
كما ناسبت الآية اللاحقة لها؛ وهي قوله تعالى: (وَلَوْلَا أَن يَكُونَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً لَّجَعَلْنَا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَـنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِّن فِضَّةٍ وَمَعَارِجَ عَلَيْهَا يَظْهَرُونَ)، بذكرها أنَّ ما جعله الله -تعالى- من نعم على الكافرين هو جزء من حُطام الدُنيا، وأن ما عنده خيرٌ من ذلك كُله.
رحمة الله خير من الدنيا بما فيها
ذهب العُلماء إلى أن المُخاطب في الآية هو النبيّ -صلى الله عليه وسلم-، حيثُ أخبره الله -تعالى- أن إدخال الناس إلى الجنة خيرٌ لهم مما يجمعون من الأموال في حياتهم الدُنيا، فالمعنى؛ هو أن الجنة خيرٌ من كل ما يجمعه الناس في الحياة الدُنيا.
وقد أخبر الله -تعالى- قبلها أنه لو كفر الناس جميعاً لأعطاهم من النعيم في الدُنيا بالرغم من كفرهم لهوانها عليه، وجاء في تفسيرها أن اقتداء الإنسان بهدي الأنبياء -عليهم السلام- وما يناله المُهتدون يوم القيامة خير مما يجمعه الإنسان من حُطام الدُنيا.
وقد وردت عدة أقوال في تفسير المعنى المقصود بالرحمة، نوردها على النحو الأتي:
- قيل في تفسيرها إنها النبوة.
- الجنة والتي هي خيرٌ من الدُنيا والغنى.
- وقيل أيضاً إنَّ المقصود أنَّ إتمام الفريضة خيرٌ من الإكثار من النوافل.
- كما قيل إنَّ ما يتفضل الله -تعالى- به على عباده خيرٌ لهم مما يُجازيهم عليه من أعمالهم.
أهمية استشعار المؤمن لرحمة الله
يوجد العديد من الفوائد المترتبة على استشعار المؤمن لرحمة الله -تعالى- ، ومنها ما يأتي:
- الابتعاد عن الأشياء التي قد تضُر بشخصيته وطريقة تفكيره، والتي قد تؤدي به إلى الهلاك؛ كالتشاؤم مثلاً، فالمؤمن المُستشعر لرحمة الله -تعالى- لا يُغادره الأمل.
- الإحسان إلى الآخرين والنظر إليهم برحمةٍ وشفقة، وتواضعه لهم، وعدم تكبره عليهم.
- تجنب القُنوط؛ لعلمه بسعة رحمة الله -تعالى- ومغفرته، إذ إنَّ الله -تعالى- يغفر الذُنوب عن عباده، ويقبل التوبة منهم.
- عدم سوء الظن بالله -سبحانه وتعالى- ؛ والمُتمثل بالظن بعدم قبول الله -تعالى- للمسلم وعدم مغفرته لذنبه.
كيف يكسب الإنسان رحمة الله؟
ينال الإنسان رحمة الله -تعالى- بصلاحه وإيمانه به، لقوله -تعالى-: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ* الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ)، كما أن رحمة الإنسان بالآخرين من الأسباب الموصلة إلى رحمة الله.
والرحمة بالآخرين دليل وعلامة على صدق الإيمان، ومن حُرم الرقة والرحمة فقد شقي؛ وهو من الأمور التي تبعدهُ عن رحمة الله -تعالى-، والرحمة بالآخرين تكون عن طريق السلامة من شُروره، والبُعد عن أذاه، ورحمة الله -تعالى- لا تُنال إلا بالتوّجه إليه وحده، وإراده وجه في جميع الأعمال؛ لأنه الإله الحق الذي تطمئن إليه النفس والقلب.
تعرّض المقال إلى التطرق لمعنى الآية الكريمة: (وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ)، ويدور تفسيرها حول أن الجنة واتباع منهج الله وطاعته، خيرٌ من الدُنيا وحُطامها، وأن رحمة الله لا تُنال إلا بطاعته وتجنب معصيته، وبالإحسان والرحمة بالآخرين.