والله خير حافظا
معلومات حول آية "فالله خير حافظا"
وردت الآية الكريمة في سورة يوسف، وهي السورة الثانية عشر في ترتيب القرآن الكريم، ويبلغ عدد آياتها مئة وإحدى عشر آية، وهي سورة مكية، وأما الآية التي ورد فيها قوله تعالى: (فَاللَّـهُ خَيرٌ حافِظًا)، هي الآية الرابعة والستين من سورة يوسف، وقد جاءت في سياق حوار إخوة يوسف مع أبيهم يعقوب- عليه السلام- عندما طلبوا منه اصطحاب أخيهم بنيامين معهم في رحلتهم إلى مصر، وأعطوه العهود والمواثيق على حفظهم له.
فرد عليهم سيدنا يعقوب -عليه السلام- بالآية الكريمة: (قالَ هَل آمَنُكُم عَلَيهِ إِلّا كَما أَمِنتُكُم عَلى أَخيهِ مِن قَبلُ فَاللَّـهُ خَيرٌ حافِظًا وَهُوَ أَرحَمُ الرّاحِمينَ)، أي أن حفظ الله -سبحانه وتعالى- أوثق وآكد من حفظهم، وأنه لا يثق بحفظهم لبنيامين، وأن الله -تعالى- هو خير الحافظين، وخاصة بعد الذي فعلوه بأخوهم يوسف -عليه السلام- وتفريطهم فيه.
معنى حفظ الله
الحفيظ اسم من أسماء الله -سبحانه وتعالى- الحسنى، وقد ورد في معنى اسم الله الحفيظ معنيان:
- حفظ الله -سبحانه وتعالى- لأعمال عباده كلها؛ الخيّرة منها والسيئة، وأنَّ علمه -سبحانه وتعالى- محيط بكل شيء، وأنَّ كل شيء مكتوب لديه في اللوح المحفوظ، وأنَّ لديه ملائكة تكتب كل الأعمال وتحفظها في الصحف، أي أن هذا المعنى يتعلق بعلم الله -عز وجل- وإحاطته بكل ما يحيط بالإنسان.
- حفظ الله -سبحانه وتعالى- لعباده من كل ما يكرهون من الأمور، وهذا المعنى من الحفظ فيه نوعان:
- حفظ عام: وهذا الحفظ يكون من الله -سبحانه وتعالى- لكل مخلوقاته وليس فقط للإنسان، وهو ما ورد في قوله تعالى: (قالَ رَبُّنَا الَّذي أَعطى كُلَّ شَيءٍ خَلقَهُ ثُمَّ هَدى)، ويكون هذا الحفظ على شكل هداية المخلوقات وتيسيرها لما خلقها ولما فيه منفعة لها؛ مثل هدايتها لطريقة الأكل والشرب وتحصيلهما، وهدايتها للنكاح وتحصيل أسبابه، وكيفية حمايتها ودفاعها عن نفسها، وهدايتها لما يجنبها الضرر، وتوكيل الملائكة التي تحفظها مما يؤذيها بأمر الله -تعالى-.
- حفظ خاص: وهذا الحفظ يكون فقط لأولياء الله -تعالى- من عباده الصالحين، ويكون بحفظ إيمانهم مما يزعزعه، أو مما يُدخل التشكيك في يقينهم بالله -سبحانه وتعالى- من صنوف الفتن والشبهات والشهوات، وهذا المعنى هو الوارد في الحديث الشريف: (احفَظِ اللَّهَ يحفَظكَ، احفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تجاهَكَ)، ليكون الحفظ هنا بمعنى عدم التضييع؛ اي أن الله -تعالى- لا يضيع عباده الذين يتمسكون بشرعه وطاعته.
الأمور التي تجلب حفظ الله
من الأمور التي تجلب حفظ الله -تعالى- للعبد التزامه بالطاعات والإكثار منها، والابتعاد عن المعاصي وكل ما فيه غضب لله -سبحانه وتعالى-، ويكون ذلك بالتمسك بالعبادات وأدائها على أوقاتها، والمحافظة على الأدعية والأذكار، وتجنب حدود الله -تعالى-، والوقوف عليها وعدم تعديها أو التجرؤ عليها، كما يجب على المسلم أن يحفظ عقيدته وأن يوحد الله -سبحانه وتعالى- ويعظمه، ويبتعد عن كل أسباب الشرك، وأن يحفظ جوراحه من المعاصي، بالإضافة إلى حفظ الشريعة الإسلامية من خلال تطبيقها، وحمايتها والدفاع عنها.
ومن الأسباب المؤدية لحفظ الله -تعالى- من الشيطان ومكائده، الأمور الآتية:
- الإيمان بالله -سبحانه وتعالى- والعمل الصالح، وملازمة كتاب الله وسنة نبيه -عليه الصلاة والسلام-.
- الابتعاد عن المعاصي وأسبابها، لأن جزءاً مما يصيب الإنسان من المصائب ومكر الشيطان يكون بسبب ذنوبه ومعاصيه.
- الاستعاذة بالله -تعالى- من الشيطان الرجيم، ومن وسوسته وهمزاته ومكره وتدبيره، وقراءة المعوذات وآية الكرسي قدر المستطاع.
- التمسك بالقرآن الكريم وملازمته، وتخصيص ورد يومي لقراءة القرآن الكريم.
- المحافظة على الأدعية والأذكار، وخاصة أذكار الصباح والمساء والنوم.
- أداء صلاة النوافل في المنزل.
- الابتعاد عن الفضول؛ سواءً أكان ذلك في النظر أو الكلام أو الأكل والشرب.
أنواع حفظ الله لخلقه
يحفظ الله -سبحانه وتعالى- عباده من خلال أمرين:
- حفظ دين العبد وإيمانه، وثبيت العقيدة واليقين في نفسه، وتوفّيه على الإيمان.
- حفظ الله - سبحانه وتعالى- للعبد في دنياه ومصالحه وما يهمه ويعينه؛ كحفظ أبنائه وأهله له، وحفظ صحته عليه، وحفظ وسمعه وبصره وعقله له، وتوفيقه في أمور دنياه.
وقد أشار الله -تعالى- لحفظه لعباده في الآية الكريمة: (لَهُ مُعَقِّباتٌ مِن بَينِ يَدَيهِ وَمِن خَلفِهِ يَحفَظونَهُ مِن أَمرِ اللَّـهِ)، أي مع كل إنسان يوجد إثنان من الملائكة يقومان بحفظه بأمر الله -سبحانه وتعالى- من كل ما لم يقدر عليه، ومن حفظه -سبحانه وتعالى- أن بعض العلماء الصالحين كان قد تجاوز المئة عام وهو بكامل صحته وقواه؛ لأن من يحفظ أعضاءه من المعاصي في الصغر يحفظها الله -تعالى- له في الكبر، ويصرف عنه أنواع السوء؛ قال تعالى: (كَذلِكَ لِنَصرِفَ عَنهُ السّوءَ وَالفَحشاءَ إِنَّهُ مِن عِبادِنَا المُخلَصينَ).