واضع علم الصرف
من هو واضع علم الصرف؟
مُعاذ بن مسلم الهرّاء؛ هو أولّ من أفرد مسائل الصرف بالبحث، والدراسة، والتأليف، بجعلها علمًا مستقلًا عن فروع اللغة، وقد اشتهر بكنية أبي المسلم، ولم يُذكر في المصادر الموقوف عليها عن نسبه إلّا أنّه كان من الموالي، أيّ أنّه لم يكن من أصول عربية.
إنّ تاريخ ولادة الهرَّاء مجهول، إلّا أنّ بعض المصادر ذكرت أنّه ولد في عهد عبد الملك بن مروان (26 - 86) هـ، وفي مصادر أخرى ذُكر أنّه وُلد في عهد يزيد بن عبد الملك، أمّا عن وفاته، فقيل إنّه تُوفي سنة 187 هـ، ولا أحد يعرف بدقة مدة حياته، إلا أنّه يُعد من المُعمرين، إذ يُقال إنّه عَمَّر مئة سنة.
نشأ الهرَّاء في الكوفة ودرس في مدارسها، وكان منتميًا إلى المدرسة الكوفية، وتتلمذ على يد كِبار العلماء كأبي الأسود الدؤلي، ويُنسب إلى الهراء وضع علم الصرف حسب الروايات والأخبار، لكن لم يصلنا كتاب له في هذا العلم، لكن الهرَّاء كان ذا شهرة واسعة عند المؤرخين بعلم النحو، وعُرِف بتصانيفه الكثيرة في علم النحو خاصة، كما أنّه عُدّ من القرَّاء، والأدباء، ورواة الحديث الشريف.
منهج واضع علم الصرف في التأسيس لعلمه
كانت بدايات العمل الصرفي على يد تلامذة وأصحاب أبي الأسود الدؤلي، فظهر ولع معاذ بن الهراء بالتمارين الصرفية بجانب المسائل النحوية، ويُذكر أنّه لم يكن له أثر واضح في هذا العلم، بل اشتهر على أنّه واضع علم الصرف، وبسبب قلة الكتب التي وصلت إلينا عنه، يجدر بنا الإشارة إلى عدم وضوح منهجه في التأسيس.
عندما بدأ اللحن ينتشر على ألسنة الناس، ظهرت أخطاء على مستوى الحركة الإعرابية أعاقت الفهم والتواصل، وتعدَّت إلى أصول اللّغة والنحو والصرف، فتوجَّه الاهتمام إلى وضع قواعد متعلقة بالألفاظ تشمل: إ عرابها، وأوزانها، وحروفها، ومخارجها، وكلّ القواعد التي تكفل سلامتها.
استعمل العلماء كلمة "الصرف" قاصدين بها التنوين، وكتبوا في كتب النحو أبوابًا تتعلق بالمنصرف والممنوع من الصرف، ومتى يُمنع من الصرف، وأمّا مصطلح "علم الصرف" فقد استعمله القدماء للدلالة على التصريف، وهو العلم المعني بتحويل صيغة الكلمة، وتغيير بُنيتها لغرض معنوي مثل؛ تحويل المفرد إلى جمع، أو لغرض لفظي مثل؛ الإعلال.
أسباب دعت واضع علم الصرف للشروع بوضعه
لم تكن هناك حاجة لعلم الصرف في العصر الجاهلي وأوائل عصر الصحابة، وإنّما ظهرت عند انتشار الفتوحات الإسلامية، ودخول الأعاجم في الإسلام، واختلاطهم مع المسلمين العرب، إذ تُصنف أسباب وضع هذا العلم بالنظر إلى الحاجة التي دعت إليه، وهي كالآتي:
الحاجة الدينية
بعد قيام المسلمين بالفتوحات، ودخول الكثير من الأعاجم في الإسلام، ظهرت حاجة الأعاجم إلى تعلم أُمور الدين وتطبيق شعائره على الوجه الصحيح، فكان لا بدّ أن يُسبق ذلك بتعلم لغة مشتركة تُمثّل واسطةً بينهم وبين العرب الذين توكلوا أمر تعليمهم علوم الدين باللغة العربية؛ لغة القرآن الكريم التي تكلم بها الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم-.
إنّ تعلم اللغة العربية بالنسبة للأعاجم الداخلين للإسلام أمر صعب، فليس بوسعهم تعلمها دون معرفة قواعدها؛ لذا حرص العلماء على جمع اللغة ووضع قواعدها النحوية والصرفية.
الحاجة الاجتماعية
احتاج المجتمع المسلم إلى لغة مشتركة تجمع بين أطيافه الاجتماعية، خاصةً عند اختلاط العرب المسلمين مع الأعاجم الذين أتَوا من مجتمعات وثقافات بلدان شتى، فهذا التنوع والاختلاف كان معيقًا للتواصل في بداية الأمر، وكانت حاجتهم مُلحَّةً لتعلم اللغة العربية؛ لأنها لغة الغَالِب المنتصر ولغة الإسلام، ولا يُمكن تعلم اللغة بدون معرفة قواعدها، لتُصبح هذه اللغة لاحقًا هي رابطة المجتمع، وأساس وحدة الفكر والعقيدة.