هل يجوز صيام الجنب
حُكم صيام الجُنب
اتّفقت مذاهب الأئمّة الأربعة في المُطلَق على صحّة صيام الجُنُب؛ اعتماداً في ذلك على عددٍ من الأدلّة من القرآن الكريم، والسنّة النبويّة الشريفة، وهي:
- قول الله -سبحانه وتعالى-: (...فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّـهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ...)، حيث جاءت الإشارة في الآية الكريمة إلى صحّة صيام الجُنب ؛ فقد دلّت على جواز الجِماع ليلاً وإباحته، وذلك حتى طلوع الفجر؛ إذ إنّ جواز الجِماع حتى الفجر يقتضي طلوع الفجر على المُجامِع وهو على جنابةٍ.
- ما أخرجه الإمام البخاريّ في صحيحه عن عائشة وأمّ سلمة -رضي الله عنهما-: (أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ كانَ يُدْرِكُهُ الفَجْرُ وهو جُنُبٌ مِن أهْلِهِ، ثُمَّ يَغْتَسِلُ، ويَصُومُ)، فقد بيّن الحديث النبويّ أنّ الرسول -صلّى الله عليه وسلّم- كان يُجامع زوجاته في شهر رمضان المبارك ليلاً، ويتأخّر في غُسله إلى ما بعد طلوع الفجر، وقد كان ذلك بعد جِماعٍ، ولم يكن بعد احتلامٍ، وممّا يُؤيّد ذلك أيضاً ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه عن أم سلمة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها-: (كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يُصْبِحُ جُنُبًا مِن جِمَاعٍ، لا مِن حُلُمٍ، ثُمَّ لا يُفْطِرُ وَلَا يَقْضِي).
وبالاعتماد على ما سبق من الأدلّة، فإنّ الطهارة من الجنابة ليست شرطاً من شروط صحّة الصيام، وتشمل صحّة الصيام أيضاً مَن أصبح على جنابةٍ بسبب الاحتلام، ولا يُوجَد ما يمنع تأخير الاغتسال حتى طلوع الفجر، ويُقاس على ما سَبَق جواز صيام المرأة إن انتهى حيضها قبل طلوع الفجر، واغتسلت بعد طلوع الفجر؛ إذ إنّ الحيض يُشبه الجنابة، فلا مانع من النيّة والصيام.
بينما تجدر الإشارة إلى أنّ العلماء اتّفقوا على أنّ الصيام يفسد إن كانت الجنابة بسبب الجِماع تعمُّداً في نهار رمضان، وعليه يجب القضاء، إضافةً إلى الكفّارة ، ويفسد الصيام -أيضاً- بسبب وقوع الجنابة بتعمُّد المُباشرة بما دون الفَرْج، كاللمس بشهوةٍ، أو القُبلات، أو الاستمناء، ويترتّب في هذه الحالة القضاء دون الكفّارة عند جمهور أهل العلم باستثناء المالكية؛ حيث ذهبوا في المعتمد عندهم إلى وجوب الجَمْع بين الكفّارة والقضاء، ويشمل ذلك الرجل والمرأة على حَدٍّ سواءٍ، أمّا إنْ كانت الجنابة بسبب النَّظر، أو التفكير، فإنّها لا تُفسِد الصيام عند جمهور الفقهاء؛ استدلالاً بِقَوْل الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (إنَّ اللَّهَ تَجاوَزَ لِأُمَّتي عَمَّا وسْوَسَتْ، أوْ حَدَّثَتْ به أنْفُسَها، ما لَمْ تَعْمَلْ به أوْ تَكَلَّمْ)، وخالف في ذلك المالكيّة وبعض أهل العلم؛ فقالوا بفساد الصوم ووجوب القضاء، بل إنّ المالكية أوجبوا الكفّارة مع القضاء على مَن أنزل بسبب دوام النظر وإطالة الفِكْر.
ما هي الجنابة
الجنابة مصدرٌ يُطلَق على المُذكّر والمُؤنّث، إضافةً إلى المُفرد، والمُثنى، والجمع، وتُعرَّف الجنابة في اللغة والشرع على النحو الآتي:
- الجنابة لغةً: تُعرَّف بأنّها البُعد؛ فهي تُناقض القُرب، أو القرابة، كما أنّها تُعرَّف ب: مجانبة الشيء، واجتنابه، يُقال: فلان جُنُبٌ؛ بسبب النّهي عن القُرب من أماكن الصلاة إلّا إن تطهّر؛ أي أنّه أجنب وتنحّى عنها، كما قِيل: لاجتنابه الناس إلّا بعد التطهُّر.
- الجنابة شرعاً: يُعرّفها النووّي بأنّها: صفةٌ تُطلَق على الشخص الذي أنزل المَني، وكذلك على مَن جامع، وعليه فقد سُمِّي جُنُباً؛ كونه يتجنّب الصلاة، والمسجد، وقراءة القرآن الكريم ، ويبتعد عنها، في حين تُعرَّف الجنابة في نهاية المحتاج بأنّها: حَدَثٌ معنويٌّ يُصيب البَدَن، وعليه فلا تصحّ الصلاة.
ما يحرُم على الجُنب
يصحّ الصيام لِمَن أصبح على جنابةٍ قبل طلوع الفجر، إلّا أنّه يحرُم عليه إتيان العديد من الأمور، والتي من أبرزها:
- الصلاة، وسجود التلاوة أيضاً؛ فقد قال -سبحانه وتعالى- في مُحكَم التنزيل: (وَإِن كُنتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا).
- الطواف حول الكعبة المُشرَّفة حتى وإن كان الطواف نافلةً؛ فالطّواف بالبيت صلاة، كما جاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما-.
- مَسّ القرآن؛ فقد قال -سبحانه وتعالى-: (لَّا يَمَسُّهُ إِلَّا الْمُطَهَّرُونَ).
- تلاوة القرآن الكريم باللسان بهدف القراءة، بالإضافة إلى لغة الإشارة من الأخرس؛ لأنّها كالكلام؛ لِقَوْل الرسول -صلّى الله عليه وسلّم-: (كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ يُقرئُنا القرآنَ على كلِّ حالٍ ما لم يكن جُنبًا)، ويُستثنى من ذلك إن كان القَصد الدعاء ، أو الثناء، أو الاستعاذة، أو التعليم؛ فلا يَحرُم، وكذلك إن جاءت القراءة على اللسان دون قَصدٍ، وتجوز البسملة، وتحميد الله -تعالى-، وقراءة سورة الفاتحة، والإخلاص، وآية الكرسي؛ شريطة أن يكون الهدف ذِكْر الله -جلّ وعلا-، وذلك عند الحنفيّة والشافعيّة، أمّا الحنابلة فقالوا بجواز قراءة الجُنُب لبعض آيةٍ ليست طويلةً، وكذلك تهجئة القرآن، وقال المالكيّة في المعتمد عندهم بجواز قراءة القليل من القرآن للحائض والنفساء حال استرسال الدم وقبل انقطاعه؛ سواء كانتا على جنابةٍ، أم لا.
- الاعتكاف في المسجد؛ لقول الله -سبحانه وتعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا).
عباداتٌ مُباحةٌ للجُنب
معلوم أنّ الطهارة لا تُشترَط في كلّ العبادات ، إلّا أنّها تُباح لِمَن كان على جنابةِ عدّة أعمال، ومنها: الذِّكْر، والدعاء، والتسبيح، والتهليل، وغير ذلك من الذِّكْر؛ لِما ثبت في صحيح مسلم عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ علَى كُلِّ أحْيَانِهِ).