هل الموسيقى حرام
هل الموسيقى حرام
يختلف الحكم الشرعيّ للموسيقى بحسب مصادرها من الآلات الموسيقيَّة؛ فهناك من الآلات الموسيقية ما هو مُحرَّمٌ في ذاته بحسب المشهور في المذاهب الأربعة من الحنفيَّة، والمالكيَّة، والشافعيَّة، والحنابلة، حيث يَحرُم بحسب هذه المذاهب استعمال الآلات الموسيقيَّة المُطربة؛ مثل الآلات المُشتملة على الأوتار، والنّايات، والمزامير، والعُود، والطنبور، والرباب، لذا فإنَّ كل ما يصدر عن هذه الآلات من أنواع الموسيقى يأخذ حُكم الآلة نفسه، ألا وهو التَّحريم، واستدلّ العلماء على تحريم الموسيقى بعدة أدلة، ومن الآلات الموسيقيَّة ما هو مُباح؛ مثل الطُّبول التي لا تستخدم باللَّهو؛ مثل طبول الغزو أو القافلة، وهذا بحسب قول بعض فقهاء الحنفيَّة والمالكيَّة والشافعيَّة، ومن الآلات المُوسيقيّة ما هو مندوب؛ مثل ضرب الدَّف خاصَّة في النِّكاح بهدف إعلانه، كما يُباح في غيره من مناسبات الفرح.
ومن العلماء من قال إنَّ الحكم الأصليّ للمعازف والموسيقى الحُرمة، وأنَّها كلُّها مُحرَّمة، ويُستثنى من ذلك التَّحريم ما ورد دليلٌ بإباحته مثل الدَّف ، وقد قال هذا جماعةٌ من العلماء مثل: الإمام القُرطبي، وأبو الطَّيب الطَّبري، وابن الصَّلاح، وابن رجب الحنبلي، وابن حجر الهيثمي، ودليلهم في ذلك حديث النَّبي محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- الوراد في صحيح البخاري: (لَيَكونَنَّ مِن أُمَّتي أقْوامٌ يَسْتَحِلُّونَ الحِرَ والحَرِيرَ، والخَمْرَ والمَعازِفَ)، واستدلوا على تحريم الموسيقى عامَّةً بقول الرَّسول محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث "يَستحلُّون"، أي أنَّ حُكمها الأصليّ هو الحرُمة؛ لأنَّها لو كانت حلالاً فكيف لهم استحلالها وهي أصلاً مُحلَّلة، بالإضافة إلى اقتران المُوسيقى والمَعازف بالحديث الشريف بأمورٌ مُحرَّمة، وهي الخمر والحرير والحِرُّ -الزِّنا-، وهي كلُّها مُحرَّمات بالنَّص والإجماع، فدلَّ اقتران الموسيقى معها على اتِّحاد حُكمها جميعاً ألا وهو التَّحريم.
واستدلّ العلماء القائلين بالتَّحريم العام للموسيقى بقول الله -سبحانه وتعالى-: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ)، وقالوا إنَّ المقصود بلهو الحديث هو المَلاهي. وذهب الفقهاء إلى تحريم الاستماع إلى المعازف المُحرَّمة، وتحريم الجُلوس في المجالس التي تكون فيها، بل وقال بعض الفُقهاء مثل ابن القيم إنَّ مُستمع المَعازف المحرَّمة فَاسق .
وخالف الظَّاهرية الجمهور ولم يَقولوا بتحريم الآلات الموسيقيَّة وما يَصدر عنها من موسيقى؛ وسبب قولهم بعدم التَّحريم أنَّه لم يَصحَ عندهم حديث في تَحريمها. كما أنَّ الشيخ محمد الغزالي قال بإباحة الموسيقى، ودليله في ذلك أنَّ الأصل في الأشياء الإباحة، وأنَّه لم يرد حديثٌ صحيحٌ في تحريم الموسيقى لذا تبقى على الإباحة، وأنَّ الرَّسول محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- مدح يوماً صوت أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- مُشبِّهاً إياه بالمزمار من شدَّة حُسنه وجماله، ولو كان المزمار حراما وسيّئاً لما شبَّهه به، وأضاف الغزالي أنَّ الحديث الوارد في تحريم الموسيقى حديثٌ ضعيفٌ ، وأنَّ الوعيد الذي تضمَّنه لم يكن للموسيقى بل لما يُرافقها من أمورٌ مُحرَّمة.
تعريف الموسيقى
لفظ المُوسيقى هو لفظٌ يونانيٌّ، ويتمُّ إطلاق هذا اللّفظ على كلِّ الفنون المُتعلِّقة بالعزف على الآلات الموسيقيّة المُطربة. ويَبحث علم المُوسيقى في أصول النَّغم وكيفيَّة تأليف الألحان، ويُنسب الشَّخص الذي يقوم بالعزف على الآلات الموسيقيّة إلى كلمة الموسيقى ويُطلق عليه: مُوسيقار. وتُعرَّف الموسيقى بالاصطلاح على أنَّها العلم الذي يُعرف منه أحوال النَّغم والإيقاعات، ويُستفاد منه معرفة الكيفيَّة التي تُؤلَّف بها الألحان، والكيفيَّة التي يتمُّ من خلالها إيجاد الآلات الموسيقيَّة. كما تُعرّف المعازف على أنَّها: الآلات والملاهي والملاعب التي يُضرب بها، ويُعرَّف العزف على أنَّه: اللَّعب بالآلات الموسيقيَّة مثل العود، والطنبور وغيرهما من الآلات الموسيقية.
علّة تحريم الموسيقى لمن قال بذلك
قال العديد من العلماء إنَّ الله -عز وجل- حرَّم كلَّ ما يُفضي إلى الإفساد، والموسيقى من الأمور التي تُفسد القلب والعمل، ولو كان في الاستماع إلى الموسيقى خيرٌ للعباد سواءً في أمور حياتهم أو إصلاح قلوبهم لكان النَّبي محمد -صلَّى الله عليه وسلَّم- دلَّنا عليها وحثَّنا على الاستماع لها؛ إذ لم يُوجد خيرٌ للمسلم سواءً في دينه أو دنياه إلا وقد حثَّ الإسلام عليه. وقد حُرِّمت الموسيقى لما لها من آثارٍ على قلب الإنسان وعقله؛ حيث نصَّ العديد من العلماء على أنَّ الموسيقى تُنبت النِّفاق في القلب كما قال الإمام أحمد -رحمه الله-. ولا أدلَّ على الحكمة من تحريم الموسيقى على النَّظر في حال العديد من المشتغلين فيها؛ وما تَحويه مجالسهم من لهوٍ وفسوقٍ وانشغال طويلٍ بغير طاعة الله -تعالى-، بل الانشغال بالموسيقى عن الطَّاعات، والعبادات ، وتدبُّر القرآن الكريم وتلاوته.
وقال بعض الفقهاء بأنَّ العلَّة من تحريم المعازف والآلات الموسيقيَّة لم تكن لذات هذه الآلات الموسيقيّة بل لسببٍ آخرٍ مقارنٍ لها؛ حيث قال ابن عابدين: إنَّ آلة الموسيقى مُحرَّمةٌ لا لذاتها وإنَّما بسبب قصد اللّهو المُقترن معها؛ سواءً كان ذلك ممَّن يسمع هذه الآلات الموسيقيّة أو ممَّن يَعزف عليها ويشتغل بها، وقال: إنَّ حكمها يأخذ الحِلَّ تارَّة والحُرمة تارَّة ويكون ذلك بناءً على القصد منها، إذ إنَّ الأمور بمقاصدها. وقال الحصكفي: إنَّ علَّة التَّحريم تكمن في استخدام الآلات الموسيقيَّة وما يصدر عنها من أصوات بهدف التَّفاخر، أمَّا إن كان استخدام هذه الآلات الموسيقيّة للتَّنبيه فلا تحرّم، ويكون ذلك جائزاً، مثل استخدام طُبول المُسحِّرين لإيقاظ النَّائمين وتنبيههم للسُّحور.