هل العادة السرية حرام
حُكم العادة السريّة
تُعرَّف العادة السريّة، أو الاستمناء بأنّه تعمُّد إنزال المَني بشهوةٍ من غير مباشرة الزوجة؛ سواء كان ذلك باستخدام اليَد، أو أيّ شيءٍ آخر من الجمادات، وقد نظر أهل العلم في هذه المسألة وحكمها، وفيما يأتي بيان أقوالهم بالتفصيل.
ممارسة العادة السريّة لغير المُضطر
ذهب جمهور أهل العلم من المالكيّة والشافعية والحنابلة في المذهب عندهم والحنفيّة في قولٍ إلى حُرمة ممارسة العادة السرّية لمن لا يخشى على نفسه الوقوع في الزنا؛ أي ليس مضطرًّا لفعله، استدلّوا بِقَوْل الله -تعالى-: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ* إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَـئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)، وذهب الإمام أحمد في روايةٍ عنه إلى القول بكراهته في حالة عدم الاضطرار، وعدّها الحنفيّة في المذهب بأنّها مكروهةٌ كراهةً تحريميَّةً.
ممارسة العادة السريّة عند الخوف من الوقوع في الزنا
ذهب الحنفيّة والحنابلة في المذهب إلى إباحة العادة السرّية في حال خاف الإنسان على نفسه الوقوع في الزنا، أمّا المالكيّة والشافعيّة والإمام أحمد في روايةٍ عنه؛ فقد ذهبوا إلى حُرمة العادة السرّية حتى مع خوف المُكلَّف على نفسه من الزنا؛ لأنّ الإسلام أمر الذين لا يستطيعون النّكاح بالاستعانة بالصيام ، كما أنّ الاحتلام يُعين على فتور الشّهوة وكسر حدّتها.
ممارسة العادة السريّة إذا تعيَّنت طريقًا للتّخلص من الزنا
ذهب الحنفيّة والشافعيّة والحنابلة إلى القول بجواز ممارستها إذا لم يكن ثمّة طريقةٌ أخرى ليدفع الإنسان عن نفسه الزنا، أمّا المالكيّة فقالوا إنّها حرامٌ حتّى في هذه الحالة، إلّا أنّه إذا لم يستطع دفع الزنا عنه إلّا بممارستها، فيمارسها ارتكابًا لأخفّ المفسدتين؛ لأنّ مفسدته أقلّ من مفسدة الزنا.
استمناء الرجل بِيَد زوجته
ذهب المالكيّة في الراجح عندهم، والشافعيّة والحنابلة والحنفيّة في رأيٍ إلى جواز الاستمناء بيد الزوجة؛ لأنّها محلّ استمتاعه، قياساً على جواز الإنزال بين الفخذين، وذهب بعض الحنفية والقاضي حسين من الشافعيّة إلى القول بكراهة الاستمناء بيد الزوجة.
الآثار المُترتّبة على العادة السرّية
أثر العادة السرّية في الطهارة
اتّفق جمهور أهل العلم على أنّ الاستمناء يوجب الغُسل إذا خرج المنيّ عن لذّةٍ ودفقٍ، وعند الشّافعيّة وروايةٌ عن الإمام أحمد يجب الغُسل وإنْ كان خروج المني من غير لذّة ودَفْق، واشترط الحنفيّة لترتّب الأثر على المنيّ أن يخرج بلذّةٍ ودفقٍ، أمّا إن أحسّ المكلّف بانتقال المنيّ من صلبه فأسرع في إمساك ذَكَرَه، فلم يخرج منه شيءٌ في الحال، ولم يعلم خروجه بعد ذلك فلا يجب عليه الغُسل عليه، وهذا محلّ اتِّفاقٍ عند جمهور الفقهاء؛ لأنّ النّبيّ -عليه الصلاة والسلام- قرنَ وجوب الاغتسال بالرّؤية، وخالف الإمام أحمد في روايةٍ مشهورةٍ عنه أنّه يجب الغسل، لأنّ الجنابة في حقيقتها تعني انتقال المنيّ عن محلّه وحصول الشهوة، وقد حصلت بانتقال المني في الصّلب؛ فأشبه كما لو نزل، وتجدر الإشارة إلى أنّه يجب الغسل عند أبي حنيفة والشّافعيّة والحنابلة وبعض المالكية في حال سكنت الشّهوة ثمّ أنزل بعد ذلك، وذهب آخرون إلى أنّه لا يغتسل، ولكن ينتقض وضوءه.
أثر العادة السرّية في الصيام
بيّن أهل العلم أثر العادة السرّية في الصيام؛ فذهب فقهاء الحنفيّة إلى أنّ الاستمناء بالمُباشرة يُبطل الصيام، وكذلك قال المالكيّة؛ إذ ذهبوا إلى أنّ إخراج المَني بالاستمناء، أو باستدامة النَّظر، أو التفكير، يُبطل الصيام، ويُوجِب القضاء والكفّارة، وبيَّنَ الشافعيّة أنّ تعمُّد إنزال المَني كما هو حاصلٌ في العادة السرّية، أو الاستمناء بِيَد الزوجة؛ سواءً بحائلٍ أو دون حائلٍ يُبطِل الصيام، وذهب فقهاء الحنابلة إلى أنّ الاستمناء يُبطل الصيام للرجل والمرأة على حَدٍّ سواءٍ، ويُوجِب القضاء، أمّا التقبيل والمباشرة دون الإنزال، فجائزٌ، إلّا أنّ التَّرك أفضل؛ احتياطًا، وخاصّة لِمَن لا يستطيع ضبط نفسه وشهوته؛ لِما ثبت عن أمّ المؤمنين عائشة -رضي الله عنها- أنّها قالت: (كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُقَبِّلُ ويُبَاشِرُ وهو صَائِمٌ، وكانَ أمْلَكَكُمْ لِإِرْبِه).
أثر العادة السرّية في الحجّ والعمرة
ذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة إلى أنّ الحجّ لا يفسد بالاستمناء باليد، لكن يجب فيه دمٌ؛ قياسًا على المباشرة فيما دون الفرج في التّحريم والتّعزير، أمّا عند المالكية فيفسد الحجّ به، بل أوجبوا فيه القضاء والهدي حتّى على من كان ناسيًا، لأنّه أنزل بفعلٍ محظورٍ، وحكم الاستمناء في العمرة مثل حكمه في الحجّ عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، والاستمناء بالنّظر المستمرّ والفِكر الدائم يفسد الحجّ عند المالكيّة، وأمّا إن لم يكن النظر والفكر مستمرًّا؛ فلا يفسد الحجّ إلّا أنّ عليه الهديٌ عندهم، سواءً كان عمدًا أم جهلًا أم نسيانًا، وعند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة لا يفسد الحجّ بالنظر والفكر، ولكنّ الحنابلة أوجبوا الفدية في الاستمناء بالنظر.
العفّة في الإسلام
جاء الإسلام عقيدةً وشريعةً؛ ليشكّل منهج حياةٍ فاضلةٍ للناس، وليتمّم مكارم الأخلاق ويرسخّها في النّفوس، ومن أعظم هذه الأخلاق خُلق العِفّة، الذي يُقصد به كَبْح جماح النفس عن الشهوات؛ فالعفّة مقامٌ عالٍ يضبط به المرء نفسه بالابتعاد عن كلّ ما يُلوّثها ويُبعدها عن الله -تعالى-، ومجالاتها متعدّدةٌ، لكنّها تجتمع في التّرفّع عمّا لا يليق بالمسلم قولُه وفعلُه، وقد حثّ الإسلام على العِفّة، وأمر الله -تعالى- بها المؤمنين والمؤمنات في القرآن الكريم؛ إذ قال -تعالى-: (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّـهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ)، وفي موضعٍ آخر يقول -سبحانه-: (وَلْيَسْتَعْفِفِ الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ نِكَاحًا حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّـهُ مِن فَضْلِهِ)،
فقد أمرَ الله -تعالى- المؤمنين في الآيات الكريمة بالعِفّة، ووعدَهم بالغِنى؛ جزاءً لهم، والاستعفاف الوارد في الآية يقصد به الحثّ على الاستعانةِ بطَلَب العِفّة عن الزنا والوقوع في الفاحشة لمن لا يجدُ مالاً ليتزوّج حتى يُوسِّع الله عليه من فَضْله، ولا تقتصر العِفّة عن الحرام فقط؛ بل تكون في التّرفّع عن سؤال الناس أيضاً، كما جاء في قَوْل الله -تعالى-: (لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّـهِ لَا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْبًا فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُم بِسِيمَاهُمْ لَا يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافًا)، ومن صُور العفّة: عِفةّ الفَرج؛ وذلك بأن يَصون المسلم والمسلمة نفسيهما عن الوقوع فيما حَرَّمه الله -تعالى- من الزنا والرذيلة، وتأكيدًا على هذا المعنى يقول النبي -عليه الصلاة والسلام-: (ثلاثةٌ حقٌّ على اللهِ عونهم: المجاهدُ في سبيلِ اللهِ، والْمُكَاتَبُ الذي يريدُ الأداءَ، والناكحُ الذي يُرِيدُ العفافَ).