نماذج من مشقة السلف في طلب العلم
الشافعي
كان الشافعيّ يتيمًا فقيرًا، كبر ونشأ في محبة العلم ورحل طلبًا له، ولم يكن معه من المال حتى ما يكفي لشراء شيءٍ يكتب عليه ما يتعلمه، فكان يذهب إلى الديوان فيستوهب الورق المكتوب عليه، ليكتب على ظهره.
وكان يقول: كنت يتيما في حجر أمي ولم يكن لديها ما تعطي المعلم، فكان المعلم يقول يكفيني أن تقوم مكاني إن غبت وأن تخفف عني.
البخاري
خرج البخاري إلى الحج وهو في السادسة عشرة من عمره مع أمه وأخوه، فلما أتموا المناسك عادت أمه وأخوه وبقي لطلب الحديث والأخذ عن الشيوخ، وظل في الحرمين الشريفين ستة أعوام ينهل من شيوخهما، ثم انطلق إلى حواضر العالم الإسلامي يتكبد مشاق السفر والانتقال.
ويحل بالمدينة مرات عديدة، فنزل ببغداد والبصرة والكوفة ودمشق ونيسابور وعسقلان وغيرها، يقول: دخلت الشام ومصر والجزيرة مرتين، والبصرة أربع مرات، وأقمت بالحجاز ستة أعوام، ولا أحصي كم دخلت إلى الكوفة وبغداد.
وكل ذلك وهو يتنقل ماشيًا أو راكبًا على الدواب، ليسمع ويقارن ويأخذ من العلم والحديث أدقه وأصحه، حتى ألف أصح كتابٍ من كتب الحديث وصار مرجعاً للعديد من العلماء والمسلمين ممن يرغبون بسماع حديث النبي -صلى الله عليه وسلم- صحيحًا غير مغلوطًا ولا مكذوبًا، وقد رافقه الإمام مسلم وتعلم منه وسار على منهجه في الترحال من أجل طلب العلم.
الصحابي جابر بن عبد الله
رحل الصحابي جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- إلى عبد الله بن أنيس من المدينة إلى الشام شهرًا حتى يسمع حديثاً واحداً من أحاديث رسول الله لم يكن قد سمعه، فلما رآه عبد الله بن أنيس، قال من أنت؟ قال أنا جابر بن عبد الله، الخادم. قال: صاحب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-! قال: نعم، فعانقه، ثم أخبره جابر بقصته، وسأله عن الحديث فقال له: أي حديث؟ قال: قوله -صلى الله عليه وسلم-: (يُحْشَرُ النَّاسُ يَومَ القِيامَةِ حُفاةً عُراةً غُرْلًا)، فقال: نعم فقص عليه الحديث.
بقي بن مخلد
رحل بقي بن مخلد صاحب أكبر مسند من مسانيد الأحاديث من الأندلس إلى بغداد، وقد كانت فتنة خلق القرآن وقتها وقد منع الإمام أحمد من تحديث الأحاديث، فطلب منه مخلد أن يعلمه الأحاديث فأبى الإمام أحمد، لكنه لما أصر اشترط عليه الإمام أحمد ألا يجلس في مجلس علم حتى لا يقال إن الإمام أحمد يعلم في بيته، فقبل بذلك.
ثم طلب منه الإمام أحمد أن يأتيه كل يوم على هيئة سائل -وطالب العلم سائل-، فأصبح يأتيه وقد ارتدى لباس الفقراء وتلفع بالعمامة كما يفعل الفقراء كما طلب منه الإمام أحمد أن يفعل، فصار الإمام يعطيه بعض الخبز ومعه حديث أو اثنين وبقي على هذه الحال سنين؛ فلما مات الخليفة وجاء الذي بعده وهو المتوكل وكان صاحب سنة لا يقول بما قاله أهل البدع، صار الإمام أحمد يدرس في المسجد، قال: فكان يدنيني ويخصني ويقول هذا يصدق أنه طالب علم.