نماذج من كرم الصحابة
كرم أبو بكر الصديق رضي الله عنه
جاء في الأحاديث أن عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- سمع النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- يحثُ على الصدقة والتصدُق، فقال عُمر -رضي الله عنه-: "أنه وقع في نفسه مالاً عنده ليتصدق به"، فجاء به إلى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- وتبرع به، ليسبق أبا بكر -رضي الله عنه- في الكرم.
وورد ذلك في الحديث: (قالَ فَجِئْتُ بنِصفِ مالي فقالَ رسولُ اللَّهِ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ-: ما أبقيتَ لأَهْلِكَ؟ قلتُ: مثلَهُ، وأتَى أبو بَكرٍ بِكُلِّ ما عندَهُ فقالَ: يا أبا بَكرٍ ما أبقَيتَ لأَهْلِكَ؟ فقالَ: أبقيتُ لَهُمُ اللَّهَ ورسولَهُ، قلتُ: لا أسبقُهُ إلى شيءٍ أبدًا)، وهذا دليلٌ على كرم أبي بكر -رضي الله عنه-، وتسابقه إلى التبرع بكل ماله لله -تعالى-.
كرم عُثمان بن عفان رضي الله عنه
ورد عن الصحابي عُثمان بن عفان -رضي الله عنه- الكثير من مواقف الكرم في حياته؛ ككرمه عندما طلب النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- من أغنياء الصحابة الكرام التصدُق بما تجود به أنفسهم؛ لتجهيز جيش العُسرة في غزوة تبوك، والتي تستغرق شهراً كاملاُ ذهاباً وإياباً.
وتسارع الناس إلى التبرُع، وكان من ضمنهم عُثمان بن عفان -رضي الله عنه-، وبلغ من كرمه أنه كان أعظم المُتصدقين لتجهيز هذا الجيش، فقد تبرع بثُلث ماله لتموين وتجهيز الجيش؛ أي جهز ما يُقارب عشرة آلاف مُقاتل من ماله الخاص، وتلبيه ما يحتاجونه من طعامٍ وسلاحٍ، وغير ذلك.
وقد ورد عن هذا الكرم: (جاءَ عثمانُ إلى النَّبيِّ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- بألفِ دينارٍ، قالَ الحسَنُ بنُ واقعٍ: وفي موضعٍ آخرَ من كتابي، في كمِّهِ حينَ جَهَّزَ جيشَ العُسرةِ فينثرَها في حجرِهِ. قالَ عبدُ الرَّحمنِ: فرأيتُ النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ علَيهِ وسلَّمَ- يقلِّبُها في حجرِهِ، ويقولُ: ما ضرَّ عثمانَ ما عَمِلَ بعدَ اليومِ مرَّتينِ).
كرم أبو طلحة رضي الله عنه
كان الصحابي أبو طلحة -رضي الله عنه- من أكثر الأنصار في المدينة مالاً، وكان له بُستانٌ يُسمّى بيرحى بجانب المسجد، وكان النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- يدخُل إليه ويشرب من ماءه، فلما نزل قوله -تعالى-: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّىٰ تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ)، ذهب إلى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- وقرأ عليه الآية، وأخبره أن بستانه أحب ماله إليه.
ووضعه بين يدي النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- يتصرف بها كما يشاء؛ وذلك لما ورد في الحديث الصحيح: (قَامَ أَبُو طَلْحَةَ إلى رَسولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ- فَقالَ: إنَّ اللَّهَ يقولُ في كِتَابِهِ: "لَنْ تَنَالُوا البِرَّ حتَّى تُنْفِقُوا ممَّا تُحِبُّونَ"، وإنَّ أَحَبَّ أَمْوَالِي إلَيَّ بَيْرَحَى، وإنَّهَا صَدَقَةٌ لِلَّهِ، أَرْجُو برَّهَا وَذُخْرَهَا عِنْدَ اللهِ).
ثم يكمل فيقول: (فَضَعْهَا يا رَسولَ اللهِ، حَيْثُ شِئْتَ، قالَ رَسولُ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ-: بَخْ، ذلكَ مَالٌ رَابِحٌ، ذلكَ مَالٌ رَابِحٌ، قدْ سَمِعْتُ ما قُلْتَ فِيهَا، وإنِّي أَرَى أَنْ تَجْعَلَهَا في الأقْرَبِينَ فَقَسَمَهَا أَبُو طَلْحَةَ في أَقَارِبِهِ وَبَنِي عَمِّهِ).
كرم عبد الله بن عُمر رضي الله عنه
كان عبد الله بن عُمر -رضي الله عنه- شديد الاقتداء بالنبيّ عليه الصلاةُ والسلام-، والتشبه بأبيه عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه-؛ فقد كان كثير الكرم والإنفاق، ولا يخشى في ذلك الفقر، فقد بلغ من كرمه؛ أنه كان يُنفق من غير حساب.
ويُنفق الأموال الكثيرة من غير أن تتجاوز يديه، وكان يُنفق من الأموال القريبة والغالية على قلبه، اتباعاً لقول الله -تعالى-: (لَن تَنَالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ وَمَا تُنفِقُوا مِن شَيْءٍ فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ).
وكان يخُص في كرمه الفُقراء والمساكين وأصحاب الحاجة، وروي عن ميمون بن مهران قوله: "أن عبد الله بن عُمر -رضي الله عنه- أتت إليه اثنان وعشرون ألف دينار في مجلس، فلم يقم حتى فرقها".
وروي عن نافع: أن ابن عُمر -رضي الله عنه- أعتق ألف عبد أو يزيد عن ذلك، وبعث مُعاوية إلى ابن عُمر مئة ألف، فما جاء العام الذي يليه إلا وقد أنفقها جميعها في سبيل الله -تعالى-، وذُكر عنه أن دُفع له بخادمه نافع بعشرة آلاف درهم، ولكنه رفض بيعه، وأعتقه لوجه الله -تعالى-.