نظرية تشومسكي في اكتساب اللغة
مفهوم نظرية النحو التوليدي لتشومسكي
نظرية نوم -أو نعوم- تشومسكي حول النحو التوليدي لاقت شهرة واسعة، وفيما يأتي نبذة عنها:
جذور النظرية
النظرية العقلية أو النظرية اللغوية لدى تشومسكي لموضوع اكتساب اللغة عند الطفل، نالت هذه النظريّة رواجًا كبيرًا، ولم تكن هذه القصيدة وليدة العصر الحديث، بل ظهرت جذورها لدى العرب القدامى، وكان يمثّلها ابن خلدون الذي قال إنّ اللغة هي ملكة لسانية ظهرت في البداية على شكل طبع وفطرة، ثمّ تحصل هذه الملكة بممارسة الكلام.
إلّا أنّ العرب لم يضعوا مصطلحًا لتأسيس هذه القاعدة، وقد صرّح تشومسكي أنّه استفاد من العرب في نظريته، وذلك من خلال اهتمامه بدراسة النحو العربي، ومفهوم نظريّة تشومسكي حول اكتساب اللغة بأنّ الطفل يولد ولديه استعداد فطري يساعده على اكتساب اللغة.
انتقد قولهم إنّ اللغة هي سلوك تجريبي يتقنه الطفل عن طريق المؤثرات الخارجيّة أو التّقليد.
بناء النظرية
يرى تشومسكي كلًّا من المعنى والمحيط للغة شيء غير مهم وثانوي في دراسة اللغة، فإنّه عند دراسته لتطوّر اللغة لدى الطفل لا يأخذ بالحسبان المحيط الاجتماعي الذي نشأت فيه هذه اللغة، كما يرى أنّ الطفل مستقل في بناء لغته، فهو يعتمد بذلك على نفسه مع بعض تأثيرات الظّروف المحيطة به.
هذا التأثير هو تأثير ثانوي في تكوين اللغة؛ فالإنسان يولد في هذه الحياة ولديه ملكة لغويّة فطريّة تجعله قادرًا على اكتشاف اللغة وتعلّمها بنفسه دون الحاجة إلى غيره، فالطفل -برأي تشومسكي- يمتلك جهازًا فطريًّا أو ما يدعوه بجهاز اكتشاف اللغة؛ إذ يمكّنه هذا الجهاز من جمع المعطيات اللغوية التي يتلقاها الطفل ممّن هم حوله ومعالجتها.
ثمّ يولّد ويؤسّس مجموعة من القواعد اللغويّة الخاصّة به، وهذه القواعد قد تختلف عن القواعد اللغوية التي يستخدمها الراشدون، ويرى تشومسكي أنّ هذا الافتراض يفسّر العديد من الظواهر اللغوية لدى الفرد عند اكتسابه للغة وتطوّرها.
أمّا عن عمل جهاز اللغة الفطري عند الطفل، فيرى تشومسكي أنّ الطفل يحصل على بيانات خفيفة مما يسمعه، وهذه البيانات يكوّن من خلالها الطفل قواعد ومفاهيم جديدة يسير عليها، وأمّا عن اختلاف لغة الطفل عمّن أخذ عنه أو عن الكبار فإنّ للسن والنضج وإدراك الطفل تأثير كبير في بناء المفاهيم التي تتطوّر وتكبر مع تقدّم الطفل بالسن.
مراحل تطور نظرية تشومسكي
إنّ النظريّات العلميّة تتجاوز نفسها، والبحث العلمي الذي يكون مقبولًا اليوم قد لا يكون مقبولًا غدًا، وهذا الكلام الذي سبق يحكم أيّ بحث علمي، وكذلك الأمر بالنسبة لنظرية تشومسكي، فلم تسِر نظرية تشومسكي على وتيرة واحدة، بل تطوّرت بتطوّر فكر ودراسات تشومسكي عبر مراحل متعدّدة، وهذه المراحل هي:
مرحلة البنى التركيبية
في هذه المرحلة اقترح تشومسكي ثلاث طرائق للتّحليل النحوي، وهذه الطرائق هي: "قواعد بنية العبارة" وتشمل قواعد الحالات المحدودة التي تبيّن عدم قدرتها على التفسير، ولا سيّما في التراكيب غير البسيطة، وهي القوانين الشّكلية التي تضبط الجملة وتحكمها، وذلك على النحو الآتي:
- الجملة
مركب اسمي مركب فعلي، مثال: أكل الطفل التفاحة.
- المركب الاسمي
أداة اسم، مثال: الـ تفاحة
- المركب الفعلي
فعل مركب اسمي، مثال: أكل الطفل
- اسم
طفل، وتفاحة
- الأداة
أل
- فعل
أكل
مرحلة القواعد التحويلية
ظهرت هذه القواعد لضبط ترتيب الجمل ترتيبًا صحيحًا، وذلك للتبسيط النحوي والتغلب على القصور الواقع في قواعد بنية العبارة، والقول بالتّحويلات يفترض بدايةً وجود جملة رئيسة أساسية هي الجملة الخبرية المبنية للمعلوم؛ أي التي لم تجر عليها أي تحويلات.
مرحلة القواعد الصرفية الصوتية
في هذه المرحلة تُوظف القواعد في الأمور التي تنتج عن قواعد بنية العبارة والقواعد التّحويلية، ويكون عمل هذه القواعد كاملًا مختصرًا في إعطاء الجملة المكتوبة صورتها المنطوقة.
مرحلة النظرية النموذجية
في هذه المرحلة يتناول تشومسكي ثلاثة مكوّنات، وهي كالآتي:
- المكوّن النظمي
هذه المرحلة توازي المرحلتين الأولى والثانية من المرحلة السّابقة، وفيها قواعد إعادة الكتابة، والمكوّن المعجمي الذي يُعنى بإدراج المفردات المعجمية في مكانها، والعلاقة الواقعة بين الكلمة ومعناها.
- المكوّن الفونولوجي
وهو ما يعنى بتتابع عدد من الفونيمات يميّز كلًّا منها مجموعة من الملامح الفونولوجية.
- المكوّن الدّلالي
وهو الإضافة الجديدة للنظريّة، ويقصد به أنّ التّكوين النحوي والترتيب النحوي للكلمات هو الذي يشير إلى المعنى الدّلالي للكلمات.
مرحلة النظرية النموذجية الموسعة
في هذه النظرية أضاف تشومسكي مجموعة من الإضافات على النظرية السّابقة، وقد اعتمد في بناء هذه النظرية على فرضيّتين، وهما على النحو الآتي:
- الفرضية المعجمية
هذه الفرضية تُبنى على اعتبار معاني المفردات الأصليّة، إضافة لاعتبار كل ما يشتق منها من مفردات.
- الفرضية التفسيرية
تُبنى هذه النظرية كذلك على اعتبار رؤية المتكلّم من تركيز وقصد واهتمام أو ما يناقض ذلك.
مرحلة نظرية التحكم والربط
هذه النظرية قدم لها تشومسكي على أنّها مجموعة من النظريات، وهي كالآتي:
- نظرية ثيتا
يقصد تشومسكي بهذه النظرية بيان العلاقات الوظيفية بين مكوّنات التركيب وإيضاحها.
- نظرية x
يتناول تشومسكي في هذه النظرية مجموعة الألفاظ المكوّنة للتراكيب وتصنيفها بحسب ما تنتمي إليه، "نظرية الحالة" وهذه النظرية توازي فكرة العامل في النحو العربي؛ إذ بتناول فيها الباحث حال الكلمة في الجملة بحسب موقعها.
- نظرية الربط
تبحث في العلاقة بين العناصر المكوّنة للجملة، فتبحث في العلاقة بين الضّمير والعائد.
- التحكم
يتحدّث في هذا العنوان عن العلاقة الحتمية بين العنصر الحاكم والعنصر المحكوم.
- المجموعة الخالية
هذه النقطة تفسّر استتار الضّمير في اللغة العربيّة أو الترتيب المعكوس.
مرحلة البرنامج الأدنى
هذه المرحلة يمكن القول عنها إنّها الخلاصة والإجمال لكل المراحل السابقة، ففي هذه المرحلة استطاع تشومسكي أن يخرج نظرة مبسّطة عمّا اكتشفه في جميع مراحل النظريّة السابقة.
آراء وانتقادات حول نظرية تشومسكي
وُجّه لنظرية تشومسكي كثيرًا من الانتقادات، منها في العالم العربي ومنها في العالم الغربي، وتفصيل ذلك كما يأتي:
النقد العربي
وجه لنظرية تشومسكي كثير من الانتقادات في العالم العربي، ومن أبرزها ما يأتي:
- رأي أحمد ياقوت
إنّ من أبرز الذين انتقدوا نظرية نعوم تشومسكي الباحث العربي أحمد ياقوت الذي قال إنّ آراء تشومسكي في اللغة هي عبارة عن ادعاءات منمّقة ينقصها الدليل والإثبات، فإنّ الممارسات اللغويّة التي كانت تجرى في المدارس العربيّة هي ذاتها التي أشار إليها تشومسكي وادعى أنّه من أوجدها وأسماها بالآلية لتوليد الجمل.
- رأي محمد الخولي
يرى الخولي أنّ النظرية اعتمدت على الحدس في كثير من مواطنها، والحدس أمرٌ غير علمي ولا يخضع للملاحظة المباشرة، إضافة إلى تغيّر هذا الحدس بتغيّ الأشخاص فهو إذًا غير ثابت.
النقد الغربي
تعرضت نظرية تشومسكي لانتقادات واسعة في العالم الغربي، من أبرزها ما يأتي:
رأي جيفري سامسون
كان النقد الغربي لنظرية تشومسكي أوسع من النقد العربي بكثير، ولعلّ أبرز من استطاع أن ينتقد النظرية باتساع كبير الباحث جيفري سامسون صاحب كتاب "مدارس اللسانيات التسابق والتطور"، فقد رأى سامسون أنّ الأبحاث اللغوية لتشومسكي هي الأبحاث الأقل جهدًا لديه، ورأى أنّ النظرية التحويلية هي نقطة سلبية في تاريخ اللسانيات.
كان مما أخذه على تشومسكي أنّ حديثه عن الكليات اللغوية، ما هو إلا نزاع على الألفاظ؛ فالكلية اللغوية الرئيسة هي اللغة، والطريقة لمعرفة هذه الكليات هو الاستقراء، ونظرية تشومسكي لم تقم على الاستقراء.
أخذ عليه كذلك استخدام مصطلح "عقلانية النشاط اللغوي" وعدم استخدام مصطلح "السلوك اللغوي"، ولو كان النشاط اللغوي نشاطًا عقليًّا كان لا بدّ له أن يجمع أمورًا يشترك فيها الجنس البشري كافة، ولا سيّما اللغة، وهذا ما غاب عن تشومسكي وهو يضع نظريته الجديدة.
رأي مجموعة من الباحثين الغرب
نظر تشومسكي تجاه اللغة بأنّها ظاهرة فردية، وهو بذلك قد قال نصف الحقيقة وأغفل نصفها الثاني، فاللغة كذلك ظاهرة اجتماعية ولها مهمات اجتماعية تسعى لتحقيقها لكي تكون على قدر آمال أبناء المجتمع.