نظريات العلاقة بين الإنسان والبيئة
النظرية الحتمية البيئية
تُدرَس العلاقة التبادلية بين الإنسان والبيئة من خلال العديد من نظريات البيئة التي تسمى نظريات النظم البيولوجية الاجتماعية، والتي تدرس مراحل تطور العلاقة بين الإنسان والبيئة، حيث تتفاعل جميع أجزاء النظام البيئي مع بعضها البعض ، ويتفاعل الإنسان معها ويتأثر بها، وأطلق العلماء اسم العلاقة الإنسانية-البيئية على العلاقة بين البيئة والإنسان، ومن أشهر هذه النظريات النظرية الحتمية البيئية.
نظرية الحتمية البيئية (بالإنجليزية: Environmental Determinism Theory)، هي مفهوم يساعد على تفسير تأثير الظروف البيئية والجغرافية على المجتمعات البشرية السائدة في منطقة معينة، ويعود أول ذكر لهذا المفهوم إلى القرن الخامس حيث جادل الفيسلوف أبقراط أنَّ المناخ يؤثر على التصرف النفسي للعرق البشري السائد في تلك المنطقة.
وفي عام 1377م، قام العالم العربي ابن خلدون بالتأكيد أيضًا على هذا المفهوم، واقترح أنَّ الاختلافات بين الناس، بما في ذلك عاداتهم، هي نتيجة تأثرهم ببيئتهم المادية، التي تحكمهم بمناخ وغذاء محدد.
وتنص هذه النظرية على أسلوب الحتمية البيئية، أي أنَّ البيئة الطبيعية المقترنة بسمات جغرافية ومناخية محددة تؤثر مباشرًة على طبيعة حياة سكان المنطقة، وقد تسبب أو تحد من تطور الثقافة الاجتماعية للمجتمعات الأصلية، ففي جوهرها، تقوم النظرية على أن البيئة تملى جميع جوانب مجالات الحياة والمجتمع الموجود فيها، وأن سلوك الإنسان محكوم بالضرورات الطبيعية.
ولكن على الرغم من الشعبية التي حققتها هذه النظرية، إلا أنَّه تم رفضها في عشرينيات القرن الماضي كنظرية علمية، وذلك بسبب تقديمها ادعاءات غير صحيحة، وقد كان كارل سوير أحد النقاد الرئيسيين لهذه النظرية، وجادل بأنَّ هذه النظرية ستقود علماء الأنثروبولوجيا إلى إجراء تعميمات مبكرة من شأنها أن تسبب تحيزًا لا أساس له من الصحة حول الناس أو الثقافة في منطقة معينة، وهذا يخالف موضوعية البحث العلمي الصحيح.
وعلى الرغم من رفض هذه النظرية في وقتنا الحالي، واستبدالها بتفسيرات أفضل للتطور الثقافي للمجتمعات، إلا أنَّها لا تزال تعتبر مهمة، لأنها تمثل المحاولة الأولى لعلماء الأنثروبولوجيا لشرح الأنماط الاجتماعية المتطورة بين البشر في جميع أنحاء العالم.
النظرية الاختيارية أو الإمكانية
النظرية البيئية الاحتمالية (بالإنجليزية: Environmental Possibilism Theory) هي نظرية تدعي أنَّ البشر لديهم القدرة على الاختيار بين مجموعة من الاستجابات المحتملة للتكيف في البيئة، تم طرح هذا المفهوم لأول مرة من قِبَل الفرنسي فيدال دي لابلاتش، وتم دعمه بعد ذلك من قبل المؤرخ لوسيان فيفر.
ونظرية الاحتمالية هي عكس نظرية الحتمية البيئية، فوفقًا لنظرية الاحتمالية، فإنَّ الإنسان له اليد العليا وليس البيئة أو العوامل الطبيعية، أي قامت هذه النظرية بنزع أحكام الضرورات وأبقت فقط على الاحتمالات، واعتبرت أنَّ الإنسان هو المتحكم بهذه الاحتمالات، وتم دعم هذه النظرية بأنَّ درجة تأثير البيئة الطبيعية على البشر تنخفض مع زيادة التطور التكنولوجي، على سبيل المثال، يمكننا مواجهة المناخ الساخن باستخدام مكيفات الهواء، وبالتالي فإن البشر لديهم القدرة على تعديل أو تغيير بيئاتهم.
من ناحية أخرى، واجهت هذه النظرية الكثير من الرفض، ومن أشهر معارضيها عالم الأنثروبولوجيا الإنجليزي جريفيث تايلور، وذلك لأنَّها أهملت الضروريات بشكل حتمي، ومن الحجج الداحضة لهذه النظرية، أنَّ الإنسان قد يصبح مسلوب الإرادة أمام بعض الظروف البيئية مثل الكوارث الطبيعية، حيث يصبح اختيار الإنسان محدودًا، ويصبح سلوكه محكومًا بالضرورة.
النظرية التوافقية
النظرية التوافقية أو التبادلية (بالإنجليزية: Environmental Reciprocity Theory) هي أحد نظريات النظم البيولوجية الاجتماعية، والتي تنص على العلاقة التبادلية بين الإنسان والبيئة، وعلى أنَّ سلوك الإنسان هو نتاج عاملان، الأول هو تكيفاته اللازمة في بيئته تبعا لظروفها، والثاني هو إرادة الإنسان نفسه.
أي تنص هذه النظرية على التكيف المشترك للأنظمة الاجتماعية مع البيئة الطبيعية، وأنَّ عملية التكيف متبادلة، بحيث قد تكون نتاج الضرورات الطبيعية، وقد تكون تعديلات في هيكل ووظيفة النظم البيئية استجابةً للممارسات البشرية، وقد شكلت هذه النظرية موقفًا محايدًا بين النظرية الحتمية والنظرية الإمكانية، فلم تقم بإلغاء الإمكانيات، ولم تقم بإلغاء الضرورات.
الخلاصة
قامت العديد من النظريات بدراسة العلاقة بين الإنسان والبيئة، منها النظرية البيئية الحتمية، والتي تنص على أنَّ سلوك الإنسان محكوم تمامًا بالضرورات البيئية، أما النظرية البيئية الاحتمالية، فهي تنص على عكس ذلك، أي أن سلوك الإنسان لا علاقة له بالضرورات البيئية بتاتًا وأنَّ للإنسان اليد العليا في وجه الطبيعة، أما النظرية البيئية التوافقية فتنص على أنَّ سلوك الإنسان وتكيفاته متأثرة بالعوامل والضرورات البيئية وكذلك بعوامل شخصية أخرى، وهي من النظريات المعتدلة في وصف العلاقات الإنسانية البيئية.