نشأة علم أصول الفقه
نشأة علم أصول الفقه
مرّ نُشوء علم أُصول الفقه بمجموعةٍ من المراحل، وهي كما يأتي:
في عهد النبي
كان الصحابة الكرام يرجعون إلى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- فيما يَعرض لهم من أحداثٍ ومُستجدات، وأمّا بعد وفاة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- فكانوا يجتهدون في نُصوص القُرآن والسُنة، ويسألون بعضهم بعضاً فيما لا يعلمونه من أحكام، ويقيسون المسائل بما يُشبهها.
ولم يكن علم أُصول الفقه في عهد النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، وعهد الصحابة الكرام، وأوائل عصر التابعين علماً مُستقلاً ولا مُتميزاً عن غيره من عُلوم الشريعة؛ وذلك لأن قواعده العامة موجودةٌ في أذهانهم، فالأدلة الشرعيّة وطريقة الاستدلال بها كانت معروفةٌ في أذهان الصحابة الكرام.
والأسباب التي ساعدت على ذلك هي معرفتهم باللغة العربية؛ وهي لُغة القُرآن والسُنة، ومعرفتهم بقواعدها، ودلالاتها، من حقيقةٍ ومجاز، ومنطوقٍ ومفهوم، وكذلك معرفتهم بأسباب النُزول، والحوادث التي حكم بها النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، الأمر الذي ساعدهم على عدم وضعه في علمٍ خاصٍ به.
مرحلة الاجتهاد في عصر الصحابة
لما كان الصحابة الكرام يرجعون إلى النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام- عند سؤالهم، فيُصوّب لهم أخطائهم في الاجتهاد، فبرز في حياته عددٌ من الصحابة الكرام القادرين على فهم المسائل، ومقاصد الشريعة، والقُدرة على استنباط الأحكام الفقهيّة، فكان يُرجع إليهم بعد وفاة النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-، فكان منهم المُكثرين في الفتوى وهم سبعة، منهم عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه-، ومنهم المتوسطون، كأبي بكر -رضي الله عنه-، ومنهم المُقِلّين، كبعض الصحابة الذين لم يرد عنهم إلا مسألةً أو مسألتين في الإفتاء.
مرحلة الفتوحات الإسلامية في عصر التابعين
سار الأمر كذلك إلى أواخر عهد التابعين، وهو العصر الذي بدأ فيه ظُهور المدارس الفقهيّة؛ وذلك بسبب ظهور الاختلاف، واختلاط العرب بغيرهم من العجم، وابتعاد الناس عن اللغة العربيّة، ودُخول بعض الأحاديث الضعيفة على السُنة النبويّة، وهذا جعل الإمام الشافعيّ يبدأ بوضع بعض قواعد علم أُصول الفقه، وبيان ما يصنعه الفقيه عند تعارض الأدلة في مُقدمة كتابه الأُمّ.
مرحلة الاكتمال والتدوين
بدأ التأليف في علم أُصول الفقه في عهد الأئمة المُجتهدين، فكان أول من ألّف في علم أُصول الفقه هو أبو حنيفة النعمان، ويرى آخرون أنه الإمام الشافعيّ، وكان ذلك على شكل قواعد تأصيلية تُبيّن ما يجوز الأخذ به وما لا يجوز الأخذ به، وذلك عند ظُهور الاختلاف والجدل في الأحكام الفقهيّة، ثُمّ بدأ العُلماء في التأليف في تلك القواعد حتى ظهر ما يُسمّى بعلم أُصول الفقه.
وكان لكل إمام قواعده التي يعتمدها في الاجتهاد والفتوى، وراعوا فيها معرفة الأحكام الشرعيّة استنباطاً من أدلتها التفصيليّة، وبعد ضعف اللسان العربيّ؛ بسبب اختلاط العرب بغيرهم، قام الإمام الشافعيّ بوضع قواعد الاستدلال، وعمل الفقيه عند تعارض الأدلة، والقواعد التي يستطيع من خلالها الفقيه الفهم لنُصوص الكتاب والسُنة، حيثُ كان أول من أسّس لعلم أُصول الفقه وقواعده وضبطها.