نشأة المكتبات وتاريخها
نشأة المكتبات في العصر القديم
تُعد مكتبة الإسكندرية في مصر من أقدم المكتبات التي عرفها التاريخ، حيث بُنيت سنة 330 قبل الميلاد، وقد أُنشئت مثولًا عند رغبة بطليموس - أول ملوك خلفاء الإسكندر في مصر- الذي كان يسعى لجمع أدب اليونان كله، وقُسمت المكتبة لقسمين: القسم الأكبر في القصر الملكي، والقسم الأصغر في معبد(سيرابيس).
بعد ذلك انتشرت المكتبات، وظهرت مكتبة (آشوربانيبال) التي كُشف عنها أثناء عمليات التنقيب بالقصر الملكي في مدينة (نينوى) في منتصف القرن الماضي، وهذه المكتبة تعود للحضارة الآشورية والبابلية، وتميزت بوجود هيئة من الموظفين لتنظيمها وتوفير فهارس تيسر استخدامها، وهناك شبه كبير بينها وبين مكتبة الإسكندرية، من حيث كونهما عالميتين، وتعودان لأسر حاكمة.
أصبحت المكتبات في القرن الرابع قبل الميلاد شيئًا ضروريًا في القصور، وبين الأدباء والعلماء في اليونان، والجدير بالذكر أنّ حركة المكتبات أخذت أوجها مع ظهور نشاط المفكرينِ أفلاطون وأرسطو، بالإضافة لوجود مدرسة المشائين التي ساعدت في تنشيط الحركة العلمية في العصور القديمة كلها.
المكتبات في العصور الوسطى
لعل ما يُميز وضع المكتبات في العصور الوسطى هو احتواء المكتبات على نوع جديد من الكتب المكتوبة على لفائف الرق، إذ كان الاعتماد على لفائف الرق أكثر انتشار من لفائف البردي ؛ لما تميزت به من سهولة الحمل وإمكانية الكتابة على الوجهين، وأيضًا لعل ما يُميز هذا العصر هو انتشار المكاتب القائمة على التعصب الديني، حيث ظهرت المكتبات الوثنية والمكتبات المسيحية.
اشتعلت بينهما نار المنافسة، وكانت تُقام مثل هذه المكتبات في أماكن العبادة، وفي بداية القرن الخامس قام القس (بور لينوس) بإنشاء قاعة مسيحية للقراءة في كنيسة الأسقفية، ومن المكتبات المنتشرة آنذاك والمجودة لوقتنا الحاضر هي مكتبة (قيصيرية) الموجودة في فلسطين، وبقيت المكتبات تحمل أهميةً كبيرةً طوال عصر إمبراطورية الإفرنج، وأشهر المكتبات آنذاك هي (مكتبة القصر).
في بداية هذه الفترة تعرضت المكتبات للخراب والدمار، وأبرز الاقتباسات اللي قيلت عام 1170: "إنّ الدير بدون خزانة كتب مثل القلعة بلا سلاح"، ولكن هذا الحال لم يدم طويلًا، فقد عادت للمكتبات قيمتها من خلال إنشاء مكتبتين شرق بلاد الإفرنجة، وقد وضع فيهما آلاف المخطوطات.
سعى المعنيون آنذاك للحفاظ على هذه المخطوطات من السرقة المنتشرة، من خلال استحداث وظيفة أمين مكتبة للإشراف على عملية النسخ وتنظيم الكتب وترتيبها، ولعل أكثر ما يُميز هذه الفترة هو استحداث الطبقة الأرستقراطية لمكتبات النبلاء كنوع من التحرر وعدم التبعية للكنيسة، وهذا كان أحد الأسباب التي أدت لإهمال مكتبات الكنائس.
اهتمام العرب بالمكتبات
ازدهرت الحركة العلمية عند العرب نهاية القرن الثامن الميلادي، وكان للعرب دور كبير في زيادة رصيد مكتبات إسبانيا، وكذلك تطور صناعة الورق ساهم بشكل كبير في إحياء العرب لمكتبات الغرب.
قام العرب بإنشاء تصميمات لمكتباتهم على طراز مكتبات الإمبراطورية الرومانية الشرقية، ومن الأمثلة على ذلك: مكتبة هارون الرشيد التي أنشأها في بغداد وزودها بمخطوطات من بيزنطة، وساهم فيها ابنه المأمون صاحب الفضل الأول في ترجمة الكتب اليونانية والشرقية إلى اللغة العربية.
من أشهر الخلفاء العرب الذين اهتموا بالمكتبات الخليفة الحكم الثالث الذي أنشأ مكتبة ضخمة في قصره الموجود في قرطبة، وقام بجمع العلماء والمفكرين والكُتاّب والنساخين والمصورين حوله، وقام كذلك بإرسال البعوث للشرق الإسلامي بغية الحصول على مجموعات كاملة من المخطوطات.
كذلك اشتهرت مدينة ( طليطلة ) بكثرة عدد مكتباتها، وخاصةً بعد أن أصبحت مركزًا لترجمة الكتب العربية إلى اللغات الأوروبية، ولا ننسى مدينة غرناطة التي عُرفت ببيئتها الغنية بالكتب والكُتّاب.
عوامل انتشار المكتبات بين العامة
من عوامل انتشار المكتبات بين العامة ما يأتي:
- ازداد نفوذ المدينة الألمانية في القرنين الرابع عشر والخامس عشر، حيث شكلت نوع جديد من كتب الطبقة المتوسطة، وسمحت بتوفير الكتب في البلديات، وأصبح الناس في تلك الفترة يتبادلون الكتب على شكل هدايا.
- أصبح انتشار المكتبات في كل بلدة متوسطة الحجم انتشارًا كبيرًا بحيث تجد العديد من مكتبات رجال الدين، والأطباء، ونظار المدارس.
- ساهمت الثقافة الإيطالية بانتشار المكتبات العامة من خلال قيام أصحاب المكتبات الخاصة بتحويل مكتباتهم لوقف عام تحت إشراف أُسرهم، وقام النساخون بإغراق السوق بالمخطوطات.
- بدأت في ألمانيا ظاهرة بيع الكتب عبر عرضها في الأسواق.
- تطورت التكنولوجيا وأصبح لدينا المكتبات الإلكترونية التي تمتاز بسهولة الوصول إليها، ودقتها، وتوفرها للجميع.