نشأة القانون الجنائي وتطوره
القانون الجنائي
يعرف القانون الجنائي على أنه مجموعة من القوانين التي تحدد الجرائم الجنائية، وينظم أيضاً القبض على الأشخاص المشتبه بهم واتهامهم ومحاكمتهم، ويحدد العقوبات وأنماط العلاج المطبقة على الجناة المدانين.
متى ومن أنشأ القانون الجنائي
أول من وضع القانون الجنائي هم السومريون منذ حوالي 4000 عام، حيث قام السومريون بنقش قوانينهم على ألواح حجرية وكانت هذه القوانين قاسية جداً على المجرمين، حيث كانت عقوبة القتل والسرقة الإعدام، والمتهمون بالشعوذة تتم معاقبتهم عن طريق الماء حيث يتم غمر المتهمين بالماء مع تثبيت مكواة حول أعناقهم إذا لم يغرق المهتم فتثبت براءته ويتم إطلاق سراحه.
تطور القانون الجنائي
إن المبادئ التي تحكم القانون الجنائي الآن هي إنتاج سنين وقرون عديدة، وقسم العلماء تطور القانون الجنائي منذ نشأته حتى الآن إلى أربع حقبات:
مرحلة الانتقام الفردي
هي أول مراحل العقاب عندما كان الناس يعيشون في قبائل متفرقة، وكل قبيلة مستقلة لوحدها ومتضامنة بشكل تام، وهناك نوعان من الانتقام الفردي:
- الأول إذا وقع اعتداء على أحد أفراد القبيلة من أحد خارج القبيلة، فيهب جميع أفراد القبيلة للانتقام من الجاني وقبيلته والتي بدورها بالتضامن مع الجاني عن الاعتداء، وهكذا تنشب الحرب بين القبيلتين، وهذا لا يوصف على أنه نواة لقانون العقوبات ولكنه كان القوة التي تسود بين القبائل.
- أما داخل القبيلة فلكل قبيلة نظام يمكن اعتباره المبادئ الأولى لقانون العقوبات، حيث كان رئيس القبيلة هو يمتلك سلطة القضاء بين الأفراد فكان يقوم بتطبيق ما تم التعارف عليه من وسائل التأديب والتفكير متدرجاً من الضرب البسيط إلى القتل أو الطرد من العشيرة، ظهر نظام القصاص ، وهو أخذ الجاني بمثل ما فعل على المجني عليه، ثم ظهرت الدية قبل تكون الدولة، وأصبح النظامان إجباريين عند نشوء الدولة، وظهر أيضاً نظام نفي الجاني أو التخلي عن الجاني ليعاقبه أهله.
مرحلة الانتقام للدولة
بدأت هذه المرحلة بنشوء الدولة حيث انتقل حق العقاب لها، كان الأمر مقصوراً في البداية على الجرائم التي تمس كيان الدولة ثم تدرج حتى شمل جميع الجرائم، فبذلك قامت الدولة بأخذ حق انتقام الفردي، وفي هذه المرحلة كانت أشد الجرائم خطورة التي تمس الدين حيث كان عقابها بالغاً في الشدة والقسوة لتكفير المجرم عن ذنبه.
حل محل جرائم الدين الانتقام للجماعة ممثلة بالدولة حيث كانت عقوبتها شديدة وصارمة دون فكرة إصلاح للمجرم، حيث كان المجرمون يسجنون دون تحديد وقت للمحكوميته، وكانت السجون لا تراعي القواعد الصحية، ولم يكن الناس متساوين أمام القانون في هذه الفترة حيث يختلف العقاب باختلاف مكانة المذنب الاجتماعية.
مرحلة الإنسانية
استمر قانون العقوبات على تلك الصورة البشعة حتى القرن الثامن عشر حيث ظهر كتاب ومصلحون ورفعوا حملة على النظام العقابي القائم وحاولوا تشييده من جديد على الرحمة والإنسانية، وبدأت هذه الحملة بمنتسكيو حيث انتقد في كتابه روح القوانين عن شدة وعنف العقوبات معللاً بأن الغرض من القوانين هو كبح الإجرام والتقليل منها لا الانتقام، وتبعه جان جاك روسو في كتابه العقد الاجتماعي الذي نادى بوجوب رد العقوبات إلى الحد الأدنى الذي يحقق حماية الجماعة من المجرم ومنعه من إيذاء غيره وتنازل الفرد عن حريته في الانتقام من الجاني وترك الدولة بأخذ حقه.
نشر الكاتب الإيطالي سيزاري بيكاريا كتابه الجرائم والعقوبات عام 1764 الذي أحدث ضجة في جميع أوروبا، الذي تضمن أن العقاب أساسه هو مصلحة للجماعة وصيانة النظام الاجتماعي، وهو أساس الإصلاحات في قانون العقوبات. وبعد ذلك قام العديد من الكتاب بنشر كتب عن قانون العقوبات لتحقيق العدالة الاجتماعية .
المرحلة الحديثة أو العلمية
بدأت هذه المرحلة في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، بعد زيادة الإجرام منذ منتصف القرن التاسع عشر. حيث ظهرت نظرية جديدة سميت بالمدرسة الواقعية، تقوم هذه المدرسة على أساس الاهتمام بالجاني باعتباره مصدر الجريمة، ثم تأتي الأفعال المادية في المقام الثاني من الأهمية ولا يجب النظر إليها إلا باعتبارها مظهراً لخطورة الجاني.
نظراً لأن العملية الإجرامية سببها نفسي أو خارجي الذي يتعلق بظروفه البيئية والاجتماعية، لذلك أنكرت هذه المدرسة مبدأ حرية الاختيار وأخذت مبدأ الجبر كما أنكرت مبدأ المسؤولية الأخلاقية كأساس للمسؤولية الجنائية ، نادت المدرسة بوجب حماية المجتمع من الجريمة باتخاذ تدابير تتناسب مع خطورة كل مجرم، حيث هناك مجرم بطبيعته وهو يولد مجرماً وهناك مجرم بسبب ظروف خارجية دفعته لارتكاب جريمة. وأقرت المدرسة على أن الخطورة الإجرامية للشخص يمكن الكشف عنها قبل ارتكاب جريمة، وفي هذه الحالة يمكن اتخاذ تدابير مناسبة لتلافي وقوع الجريمة.