الفقير و البقال
الرجل الفقير وزوجته غريبة الطباع
كان يا ما كان في قديم الزمان، رجل فقير يسكن في قرية بائسة، وكان عنده زوجة حمقاء، كانت كثيرة السّباب عليه، وكان هذا الرّجل يتحاشى إحضار الضيوف إلى بيته؛ خوفًا من امرأته الحمقاء؛ لأنها كانت تسب على الضيوف - أيضًا-، حتّى ملّ الرّجل من هذه الحياة العفنة، وقرّر الهرب والرّحيل عن هذا البيت.
الفقير يندهش من كرم البقال
وفي الصباح الباكر خرج الرّجل من بيته، وهو يحمل صرّة صغيرة تحوي بعض ملابسه، لا يقصد جهة معينة، وإنما أراد الابتعاد عن بيته، سار، وسار، وسار دون هدى، ودون مكان يقصده، حتّى وصل إلى قرية، وقد حل الظلام عليه.
كان متعبًا، جائعًا، متسخًا يملأ الغبار ثيابه ووجهه. توجّه فور دخوله هذه القرية إلى البقّال -الذي كان لا يزال سهرانًا- طلب من البقّال ورجاه أن يعطيه قطعةً من الجبن يسدّ بها بعض جوعه، ولكن البقّال قابله بابتسامة، وسأله إذا ما كان يريد خبزًا أيضًا، فنظر الفقير في أنحاء الدّكان فلم يجد أثرًا للخبز.
وهنا أشار البقّال إلى المخبز المجاور، وطلب من الفقير أن يذهب ويطلب من الخبّاز رغيفًا واحدًا، وأن يسجّل ذلك الرغيف على الدّفتر، وهنا استغرب الفقير، كيف يعطيه الخباز خبزًا دون أن يأخذ ثمنه؟ وكيف يمكن أن يداينه دون معرفة سابقة بينهما؟
ولكن البقّال عاد وطلب من الفقير الذّهاب إلى المخبز لإحضار الخبز، فلم يجد الفقير بدًا من أن يفعل ما أمره به البقّال -فجوعه كبير- فهو لم يأكل شيء منذ الصباح، وبالفعل توجه الفقير إلى المخبز، وطلب من الخبّاز الخبز على أن يدفع على الدفتر -وقد تعمّد الفقير أن يخبئ وجهه؛ لأنه توقّع ضربة من الخبّاز.
ولكنه فوجئ عندما وجد الخباز يعطيه رغيفًا وهو يقول له: لقد سجّلتُ هذا الرغيف على الدفتر. عاد الفقير - مندهشًا- إلى البقّال وهو يحمل بين يديه رغيف الخبز، عندئذٍ قام البقّال بإعطائه بعض الجبن، مسجّلاً ذلك على الدّفتر -أيضًا-.
الفقير يكشف سر الدفتر
عاش الفقير في هذه القرية العجيبة سنةً كاملة وهو يأكل و يشرب وينام على حساب الدّفتر، فقد استأجر بيتًا وفرشه بأفخر الفراش ودهنه وجعله قصراً -على حساب الدّفتر-.
وفي أحد الأيام فوجئ البقّال بالرّجل الفقير يقف على باب دكانه، وعندما طلب منه الدخول سائلاً إياه عن حاجته، أجاب الرّجل الفقير - على استحياء - قائلاً: إن الحياة في هذه القرية أعجبته، فبما أن الطعام والشراب والسكن على الدّفتر، فهل يمكنه الزواج على الدّفتر - أيضا -.
ضحك البقّال، وطلب من الرّجل أن يذهب إلى النبع، ويشاهد الفتيات اللواتي يأتين إلى عين الماء، ويختار الفتاة التي يريد، فيلحق بها إلى بيتها؛ ليعرف أين تسكن، ثم يأتيه وهو - بدروه- سوف يذهب معه إلى أبيها ليطلبها للزواج - على الدفتر -.
فعل الرّجل الفقير ما طلبه منه البقّال، فذهب إلى النبع، واختار الفتاة، وتعرف بيتها، ثم عاد إلى البقّال، الذي ذهب معه إلى والد الفتاة، حيث قال لوالد الفتاة: إنّ هذا الرّجل يرغب أن يتزوج ابنتك على حساب الدفتر.
وافق والد الفتاة على الزواج، ولكنّه قال للخاطب: قبل أن أتمم الزواج على الدّفتر، هل تعرف ما حكاية الدّفتر؟ وما يتطلب منك إذا تزوجت على الدّفتر، أجاب الرّجل بالنّفي، وقال: إنه قد أتى القرية منذ عام، حيث لم يدفع منذ ذلك الوقت قرشًا واحدًا فمأكله، ومشربه، ومسكنه على الدّفتر، وهو يريد من زواجه أن يكون على الدّفتر - كذلك -.
قال والد الفتاة: سوف أقصّ عليك حكاية الدّفتر، و بعد ذلك تقرر ما إذا أردت أن تستمر بهذا الزّواج أم لا، إنّ حكاية الدّفتر -باختصار- تقتضي دفن الزّوج حيًّا إذا ماتت زوجته قبله، ودفن الزوجة حية إذا مات زوجها قبلها.
فكّر الرّجل الفقير - مليًّا- قبل أن تتحرك شفاهه، فعمره تجاوز العشرين، والمرأة لم تتجاوز العشرين، إذن الموت منهما بعيد -هكذا كان يعتقد الرّجل-، لذلك قرر الفقير إتمام مراسم الزّفاف، ووافق على الزّواج - حسب قواعد الدّفتر-.
وشاء الله أن تموت الزّوجة بعد أسبوعين، فحُملت جنازتها إلى المقبرة ومعها زوجها -الرّجل الفقير- وتم إنزال جثة الزوجة والزوج إلى غرفة القبر - حيث كانوا لا يدفنون في قبور وإنما في غرفة كبيرة تحت الأرض -، وفي ذات الوقت كان هناك رجل ميّت وزوجته الشّابة ينزلان معًا إلى غرفة الدفن- لأنهما كانا قد تزوّجا على الدّفتر.
الفقير ينجو من ظلمة القبر
اتفق الرّجل الفقير مع الزّوجة الشّابة على الزّواج في ظلمة الغرفة، فجلسا وراء الجيف التي تكدست على شكل أكوام، وبينما هما جالسان إذ سمعا صوت طحن عظام، فنظرا فإذا بضبع كبير يأكل من الجيف المتكدّسة، فقال الرّجل لزوجته: إنّ هذا الضبع لم يكن موجودًا هذا الصباح - عندما نزلا- وإن هذا الضبع سوف يفر بعد أن يشبع كما دخل.
طلب الرّجل من زوجته الشابة أن تساعده بجمع الأكفان عن جثث الأموات؛ ليصنع منها حبلاً، ووضع الحبل حول الفتحة التي دخل منها الضبع، وبعد أن أكل الضبع وشبع خرج متثاقلاً من الفتحة.
فقام الرّجل والمرأة بشد الحبل حول بطن الضبع ؛ فأحس الضّبع بضغط الحبل على بطنه، فذُعر وهرول مسرعاً وهو يسحب الرّجل والمرأة معه، ورغم الألم الذي أصابهما جرّاء سحبهما على الصخور، إلا أنهما لا زالا متمسكين بالحبل، إلى أن بدت لهما بعض الأشعة من نور القمر، تخرق الظّلام، عندئذٍ تركا الحبل؛ ليهرب الضّبع. وبعد برهة خرجا من الفتحة ليجدا نفسيهما في أرض بعيدة عن القرية التي دفنتهما، وعاشا بها عيشة هنية.