نبذة عن هشام بن عبد الملك
مولد هشام بن عبدالملك
هو هشام بن عبد الملك بن مروان بن الحكم بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس القرشي، أمّه هي عائشة بنت هشام بن إسماعيل بن هشام بن الوليد بن المغيرة المخزومي، عُرف عنه أنّه كان حازمًا عاقلًا لا يُدخل أيّ مال إلى بيت المال حتى يشهد عليه أربعون شخصًا، كما أنّه كان قليل الغضب غير متعطش للدماء أو الحروب.
يُعدّ الخليفة هشام بن عبد الملك عاشر الخلفاء الأمويين وسابع الخلفاء المروانيين ورابع أبناء عبد الملك، ويُكنى بأبي الوليد، وُلد في المدينة المنورة عام 72 هجرية، في العام ذاته الذي تمكّن فيه والده من قتل مصعب ابن الزبير، فسمّاه أبوه منصورًا لتفاؤله بذلك الأمر الذي حصل، ولكن والدته اختارت أن تُسمّيه على اسم أبيها هشام، فوافق والده على ذلك الأمر.
كانت طفولته المبكرة في المدينة المنورة مع والدته، وبعد أن حصلَ الطلاق بين والده ووالدته انتقلَ للعيش في مدينة دمشق؛ حيث تلقى أحسن التربية على يد والده وترعرع في بيت الحكم والسلطان.
نشأة هشام بن عبد الملك
نشأ هشام عبد الملك داخل أروقة الحكم في الدولة الأموية، ولم تُؤثر فيه مظاهر الحكم وبهجته، بل كان رجل عاقلًا عفيفًا وحكيمًا، وبدأ بتعلم السياسة على يد أمهر القادة في الدولة، عاش فترةً لا بأس بها مع والده في الشام بعد انتقاله من المدينة المنورة وتُوفي والده لاحقًا في دمشق وكان وقتها هشام شابًّا عمره لا يتجاوز الرابعة عشر.
تمكّن خلال مرحلة شبابه من قيادة أحد جيوش الدولة الأموية عندما غزت بلاد الروم خلال ولاية أخيه الوليد بن عبد الملك عام 87 هجرية، وقد حقّق العديد من الانتصارات رغم صغر سنه، وكان يتطلع إلى تولّي الخلافة بعد أخيه، وكان من أشد المعارضين لإسناد الخلافة إلى عمر بن عبد العزيز.
علم هشام بن عبدالملك
كان الخليفة هشام بن عبد الملك غزير العقل حليمًا عفيفًا تلقّى من العلم والدراسة الكثير في فترة صباه، مثل: علوم الدين والتاريخ والأدب والسياسة وغيرها، وهو الأمر الذي منحه الحكمة في أن يُبعد الدولة الأموية طوال فترة حكمه عن الانسياق مع عوامل الانهيار التي أخذت في الظهور إبّان السنوات العشر السابقة لخلافته.
ساعده ذلك العلم وتلك الحكمة والمعرفة في إرساء العديد من القواعد والنظم في مجال السياسية والإدارة، الأمر الذي جعل الكثير من المؤرخين يذهبون إلى القول إنّ هشام بن عبد الملك كان بمستوى الخليفة معاوية بن أبي سفيان في حسن وتدبير وإدارة أمور الدولة.
تولّي هشام بن عبدالملك
بعد أن تُوفي الخليفة يزيد بن عبد الملك في يوم الخامس والعشرين من شعبان لعام 105 هجرية تمت مبايعة أخوه هشام بن عبد الملك ليتولى الخلافة خلفًا لأخيه، وكان ذلك في الأول من رمضان من العام ذاته، وحينها كان يُقيم في مدينة الرصافة شمال شرق الشام التي تبعد عن الرقة أربعة فراسخ، وكان حينها يبلغ من العمر 34 عامًا فقط.
استمرت ولاية الخليفة هشام بن عبد الملك من عام 105 هجري ولغاية عام 125 هجري، ولعل أبرز ملامح خلافته كانت على النحو الآتي:
- نقل الخلافة
شهدت فترة حكم الخليفة هشام بن عبد الملك نقل مقر الخلافة إلى مدينة الرصافة التي كان قد اختار العيش فيها من قبل؛ وذلك بسبب كثرة الأوبئة التي أصابت أهل الشام، ولما عُرف عن هذه المنطقة من طبيعة ساحرة، وقد بنى فيها قصرين وسكنهما ومن ثم أصبحت هي مقر الخلافة.
- المحن والاضطرابات
جاءت فترة خلافة هشام بن عبد الملك في وقت استفحلت فيه الفتن وكثرة الاضطرابات التي كان يقودها الخوارج وبنو العباس الذين ظلوا على هذا النهج فترةً طويلةً رغبةً منهم في إسقاط الحكم الأموي.
- العلاقات الخارجية
كانت علاقة الدولة الأموية بمن حولها من الدول سيئةً للغاية؛ إذ سادت هذه الفترة وما تلاها الكثير من الحروب والصراعات والتي كان لها أثر كبير على مستقبل الدولة الأموية.
- الحركات المناوئة
شهدت هذه الفترة الكثير من الحركات المناوئة للحكم الأموي كما هو الحال في خرسان التي عمت الثورات فيها والفتن، وفي مصر أيضًا احتج الأقباط على سوء معاملة الولاة الذين كان يضعهم الخليفة هشام.
- ولاية العراق
تُمثّل أهم ولاية بالنسبة للدولة الأموية بعد قيام ثورة زيد بن علي عام 121 هجرية والتي رعاها أهل الكوفة، كما كان الوضع ذاته في المغرب والأندلس؛ حيث لم يدّخر الخوارج أيّ جهد في تأليب الناس ضد الحكم الأموي في الشام.
إنجازات هشام بن عبدالملك
شهد عصر الخليفة هشام بن عبد الملك الكثير من الإنجازات ولعل من أبرزها ما يأتي:
- إصلاح الولايات
قام هشام بن عبدالملك بعزل والي العراق عمر بن هيرة، وعيّن بدلًا عنه خالد بن عبد الله العشري؛ وذلك بسبب ما وصل إليه من أخبار عن قسوة هذا الولي وشدته على الناس في العراق.
- الأوضاع الداخلية للشام
شهدت بلاد الشام في عهد الخليفة هشام بن عبد الملك هدوءًا شأنها شأن ما كانت عليه إجمالًا في عصور الخلفاء الأمويين الآخرين.
- الاهتمام بالعلم والثقافة
اهتم هشام بن عبد الملك بالعلم والثقافة والحضارة في الشام بأسرها، فكان يرعى العلماء ويُكرمهم، مثل: الزهري وأبي زناد وغيرهم من العلماء.
- حركة الترجمة
شهد هذا العصر حركة ترجمة كبيرة بالنسبة للكتب الأجنبية التي تمت ترجمتها إلى اللغة العربية، وشرع المؤلفون في جمع الكتب وتصنيفها، كما شهد عصره ازدهارًا كبيرًا بالإنتاج الفنيّ في مجال العمارة والصناعة.
- حركة الفتوحات الإسلامية
شهد عصره دخول المسلمين إلى "سردينيا وسيجليا" في الجزائر وبلاد السودان ودخلوا "فرغانة" عاصمة الترك، كما فتح أخوه مسلمة عدة بلاد من بلاد الروم.
- حركات التمرد الخارجية
شهدت خلافته خروج زيد بن زين العابدين بن ابن الحسين مُطالبًا بالخلافة لنفسه، فحاربه والي الكوفة وقتله وانهزم أتباعه من الزيدية إلى بلاد اليمن وأقاموا فيها لغاية يومنا هذا.
أهم أعمال هشام بن عبدالملك
اتّصف الخليفة هشام بن عبد الملك بالورع والتديُّن، وكان تقيًّا مُتعبّدًا حريصًا على الإسلام والسنة النبوية، وحارب البدع أشدّ حربًا، وكان يرى أنّ الحكم ما هو إلا عمل سياسي وهي سياسية مالية؛ لذلك كان حريصًا أشدّ الحرص على الاهتمام ببيت المال، وقد قام بالعديد من الأعمال المهمة، ومنها ما يأتي:
- اهتم الخليفة هشام بن عبد الملك بالأعمال الإدارية، وخاصةً تدبير المال وحسن إدارته وعدم التصرف به إلا في محله.
- اهتم الخليفة ببني قومه، إذ دعم العرب وبني أمية كثيرًا، وذلك كان على حساب الموالي.
- اهتم الخليفة بحركة الفتوحات الإسلامية وغلبة الأعداء، وهو الأمر الذي كلّفه الكثير من أرواح العرب والمسلمين.
- اهتمّ بتنظيم الدواوين اهتمامًا كبيرًا، فكانت غايةً في الإتقان من خلال بريدها ورسائلها وحساباتها.
- اهتم الخليفة بأهل الذمة، فعامَلَهم خير معاملة وقد أجرى فيهم حكم الإسلام، وكانوا يُبدون الكثير من الارتياح والرضا لتلك المعاملة.
أولاد هشام بن عبدالملك
تذكُر كتب التاريخ والسير أنّ الخليفة هشام بن عبد الملك رُزق بستة عشر ولدًا، وترى بعض الروايات أنّه رُزق بعشرة فقط، ولكن يبدو أنّ الثابت هو ستة عشر ولدًا هم الآتي:
- معاوية بن هشام بن عبد الملك.
- خلف بن هشام بن عبد الملك.
- مسلمة بن هشام بن عبد الملك.
- محمد بن هشام بن عبد الملك.
- سليمان بن هشام بن عبد الملك.
- سعيد بن هشام بن عبد الملك.
- عبد الله بن هشام بن عبد الملك.
- يزيد بن هشام بن عبد الملك.
- مروان بن هشام بن عبد الملك.
- إبراهيم بن هشام بن عبد الملك.
- يحيى بن هشام بن عبد الملك.
- منذر بن هشام بن عبد الملك.
- عبد الملك بن هشام بن عبد الملك.
- الوليد بن هشام بن عبد الملك.
- قريش بن هشام بن عبد الملك.
- عبد الرحمن بن هشام بن عبد الملك.
وفاة هشام بن عبدالملك
تُوفّي هشام بن عبد الملك في ربيع الآخر سنة 125 هجرية، وكان موته إثرَ إصابته بمرض الذبحة، واختلف المؤرخون في مقدار عمره عند الوفاة، ولكن الراجح من القول إنّه كان يبلغ عند الوفاة ثلاث وخمسين سنةً؛ إذ إنّ تاريخ مولده متفق عليه وهو 72 هجرية، وقضى هشام بن عبد الملك في حكم الدولة الأموية مدة تسعة عشر عامًا.
عاشت بلاد الشام في عصر الخليفة هشام بن عبد الملك فترةً مُطمئنةً وهادئةً دون اضطرابات أو أحداث مُؤسفة، وكانت هذه خاصية مُميّزة للحكم الأموي عامةً؛ حيث سارت بلاد الشام مع حكمه وتلاءمت بشكل كبير، خاصةً الفترة التي سبقت عام 120 هجري.