نبذة عن فتح عمورية
أحداث فتح عمورية
عمورية هي أرض كان يحكمها النصارى بالتزامن مع الدولة العباسية التي كان يحكمها في ذلك الوقت الخليفة العباسي المعتصم بالله، وكانت فيها مسلمة مسافرة عابرة لها، وعندما رآها رجل من النصارى أثارت في نفسه الحقد على المسلمين، فقام لينال منها ويعتدي عليها، وعندما أبت وقاومت لطمها على وجهها فصرخت وقالت "وامعتصماه" تستنجد بخليفة المسلمين المعتصم بالله.
وعندما وصل الخبر إلى المعتصم بأن هنالك امرأة اعتدى عليها علج من علوج النصارى؛ وجّه أمره للمؤذن بأن يرتفع على المنارة ليرفع أذان الجهاد، فلبى المسلمون النداء، وانضم للجهاد القوي منهم والضعيف، والغني والفقير، والعالم والزاهد، حتى طلاب العلم أغلقوا صحائفهم وتوجهوا إلى حمل الصفائح، وعندا خرج بهم المعتصم لاقى أرضًا ذمية وأرضًا كفرية، فصالح وفتح، حيث كان كل هَمّ المسلمين هو فتح القلوب قبل فتح الديار والبلاد.
الحصار والمطالبة بالصلح
عندما وصل الخليفة المعتصم بالله إلى عموريّة حاصرها، وردّد المسلمون التكبيرات، عندها صعد كبيرهم على الأسوار لكي يتفاوض مع المسلمين لحلِّ الخلاف وإنهاء الحصار، فوجد الوديان قد ملئت بالخيول والفرسان، فأصابه الذل والعار والخوف والرعب، فقام الكفار بملء خنادقهم بالماء وتخزين الحبوب وحضروا أنفسهم لحصار طويل.
فطالبوا بعقد مصالحة ومفاوضات لإنهاء الحرب وإنهاء الحصار في سبيل تضييع المسلمين عن تفكيرهم في الجهاد وفي فتح بلادهم والسيطرة عليها، وذلك أيضًا لإفتار عزائمهم وإضعاف إرادتهم، لكنْ أخبرهم المسلمون أن مهلتهم هي ثلاث ليلٍ وإلا فالمعركة حتميّة، وذلك إن لم يدخلوا في دين الإسلام أو يدفعوا الجزية.
تنفيذ المسلمين خدعة الحرب
بعد أن انتهت المهلة وانقضت العدة، أتت فكرة لأحد المسلمين أخبر بها قائد السرية بها، وعندها أمر الأمير كل مسلم بأن يذبح أضحية يأكل لحمها ويترك فراءها، وفي المساء أمرهم بأن يملؤوا الفراء بالرمال وأن يقوموا بربطها، وأن يذهبوا مجموعة تلو المجموعة وكأنهم يناوشون العدو فيرمون خراف الرمال في الخندق فإذا اشتد الرمي عليهم يرجعوا بغير أن يكونوا آثمين لرجوعهم وتقهقرهم؛ ذلك لأن الحرب خدعة.
فحصل ما خططوا له وقاموا بردم الخندق المملوء بالماء إلا شبرًا، عندها ظن الكافرون بأنهم قد هزموا المسلمين وانتصروا عليهم، فاحتفلوا وشربوا الخمور.
الهجوم على خندق الكفار
كبر المسلمون أربعة تكبيرات، الأولى تعني الاصطفاف، والثاني تعني الاستعداد، والثالثة تعني الشدة ونطق الشهادتين، والرابعة هي البيع وقبض الثمن وهي بيع النفس والحصول على الجنة، واستفتحوا وقد جاءهم الفتح، فهجموا هجمة واحدة على خندق الكفار وساروا فوق خراف الرمل التي قد كانوا رموها في الخندق، فظن النصارى أن المسلمين يسيرون على الماء.
عندها صعد المسلمون الأسوار وأصبحوا يقتلون السكارى، فقامت حاشية الملك تداهن المسلمين، وأصبحوا يخبرونهم: عندما رأيناكم فاتحين أخبرنا قومنا بأنكم على الحق المبين.
فتح المسلمين لعمورية
اهتزت أصوات التكبير من خلف الأسوار، وقام المسلمون بفتح الأبواب لغيرهم ممن ظلوا خلف الأسوار مستعدين لفتح الأبواب للدخول إليها، عندها قام أحد الفرسان بجمع الكفار في ركن من أركان الميدان، وقام بحصرهم إيذانًا لهم بالعقاب وسوء العذاب.
عندها قالت كتائبهم: "لا تقتلونا واقتلوا سادتنا وكبراءنا، ورد ساداتهم عليهم: إنا منهم برآء، فإنهم ما تبعونا إلا بسبب شهواتهم وبغضهم للطاعات"، فتقطعت بينهم الروابط والصلات حينئذٍ، وعندها قام الإمام فيهم بإنهاء كل مظاهر الكفر والشرك، وأصبحت عمورية تحت حكم الإسلام ويسري فيها شرع الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
قصيدة فتح عمورية لأبي تمام
وفي هذا الفتح العظيم أنشد أبو تمام قصيدته التي مطلعها "السيف أصدق إنباءً من الكتبِ" :
السَيفُ أَصدَقُ أَنباءً مِنَ الكُتُبِ
- في حَدِّهِ الحَدُّ بَينَ الجِدِّ وَاللَعِبِ
بيضُ الصَفائِحِ لا سودُ الصَحائِفِ في
- مُتونِهِنَّ جَلاءُ الشَكِّ وَالرِيَبِ
وَالعِلمُ في شُهُبِ الأَرماحِ لامِعَةً
- بَينَ الخَميسَينِ لا في السَبعَةِ الشُهُبِ
أَينَ الرِوايَةُ بَل أَينَ النُجومُ وَما
- صاغوهُ مِن زُخرُفٍ فيها وَمِن كَذِبِ
تَخَرُّصًا وَأَحاديثاً مُلَفَّقَةً
- لَيسَت بِنَبعٍ إِذا عُدَّت وَلا غَرَبِ
عَجائِباً زَعَموا الأَيّامَ مُجفِلَةً
- عَنهُنَّ في صَفَرِ الأَصفارِ أَو رَجَبِ
وَخَوَّفوا الناسَ مِن دَهياءَ مُظلِمَةٍ
- إِذا بَدا الكَوكَبُ الغَربِيُّ ذو الذَنَبِ
وَصَيَّروا الأَبرُجَ العُليا مُرَتَّبَةً
- ما كانَ مُنقَلِبًا أَو غَيرَ مُنقَلِبِ
يَقضونَ بِالأَمرِ عَنها وَهيَ غافِلَةٌ
- ما دارَ في فُلُكٍ مِنها وَفي قُطُبِ
لَو بَيَّنَت قَطُّ أَمرًا قَبلَ مَوقِعِهِ
- لَم تُخفِ ما حَلَّ بِالأَوثانِ وَالصُلُبِ
فَتحُ الفُتوحِ تَعالى أَن يُحيطَ بِهِ
- نَظمٌ مِنَ الشِعرِ أَو نَثرٌ مِنَ الخُطَبِ
فَتحٌ تَفَتَّحُ أَبوابُ السَماءِ لَهُ
- وَتَبرُزُ الأَرضُ في أَثوابِها القُشُبِ
يا يَومَ وَقعَةِ عَمّورِيَّةَ اِنصَرَفَت
- مِنكَ المُنى حُفَّلًا مَعسولَةَ الحَلَبِ
أَبقَيتَ جَدَّ بَني الإِسلامِ في صَعَدٍ
- وَالمُشرِكينَ وَدارَ الشِركِ في صَبَبِ