نبذة عن رواية الآباء والبنون
المجتمع الذي تتحدث عنه الرواية
تجري أحداث الرواية في بعض الأقاليم الروسية أثناء الحكم القيصري الملكي، في الحين الذي كان المجتمع الروسي يتكون فيه من طبقة العبيد، والطبقة الوسطى، والتجار وقادة الجيش من العسكريين، وقليل من رجال الدين والبرجوازيين، أما الحياة فكانت هادئة لا جديد فيها تموت أجيال وتأتي أخرى بنفس النمط أبناء الأثرياء يتزوجون ويرثون والديهم وينجبون، والعبيد يستمرون كما هم بلا تغيير، ولعلّ زمن هذه الرواية يروي ما جرى في عام 1859م من إلغاء القيصر الروسي (للقنانة) أي العبودية التي كانت سائدة في المجتمع الروسي.
شخصيات الرواية وأحداثها
استلهم كاتب الرواية بطل قصته من شخصية طبيب حقيقية كانت قد أثارت دهشته، وكان بطل الرواية (بازاروف) رافضاً لأعراف المجتمع، فرفض أن يتابع مسيرة أسلافه، ورفض حرص والديه على الأعراف والتقاليد، والشخصيات في الرواية محدودة، وأحداثها سلسة، ولغة الرواية تجمع بين الشاعرية والواقعية.
والرواية تسوق صداقة بين بطل الرواية (بازاروف) و(أركادي)، حيث زارا القرية موطن رأس (أركادي) ودار حوار بين بازاروف ووالد صديقه وعمّه، وبعد الحوار تبيّن أنّ بازاروف مثير للشك والريبة فهو إنسان لا يحترم أي مبدأ، ولا يقدّس أيّ شخصية قبل أن يعرضها على العقل أولاً، وكذلك صديقه الريفي (أركادي)، فقد صار يحمل أفكاراً لا نمطية، ولا يخشى العواقب، فمثلاً هو لا يعبأ بأن والده قد أقام علاقة غير شرعية مع فتاة وأنجب منها طفلاً.
ومن خلال إقامته في القرية وحواراته مع أفراد العائلة يظهر احتقار (بازاروف) للشعر، والفن، والأدب ويعتبر ذلك قمامة رومانسية يجدر بالإنسان اجتنابها، فالحقيقة من وجهة نظره لا تُعرف إلاّ عن طريق الملاحظة والتجربة، وقد اعتبر أنّ كلّ ما هو غير عقلاني، وغير خاضع للقوانين والقياسات مثل الفن، والشعر، والمشاعر وكذلك الفلسفة كلها بلا قيمة.
تسلسل أحداث الرواية
تدخل الرواية في تحولات صادمة في الشخصيات حيث أنّ (بازاروف) يقابل في المدينة فتاة يعشقها بعد أن حاول مقاومة العشق فهو لا يتفق مع أفكاره العدمية، وبعد أن يبوح لها بحبه ترفضه، ويكون بذلك قد خالف ما كان يتشدّق به من رفض للحب والمشاعر، أمّا صديقه (أركادي) يعشق فتاة تغيّر نظرته للحياة.
حاول الكاتب الموازنة برأيه في الرواية مرة يميل للآباء ومرّة مع البنين، في نهاية الرواية مات (بازاروف) ميتة عادية بين يدي أمه وأبيه، فقد عاد ليسكن معهما محاولاً أن يصبح طبيباً ريفياً، لكن خطأه وعدم اتخاذه التدابير اللازمة أثناء تشريحه لجثة أصاباه بتسمم في الدم ومات دون أن يخلّد اسمه في التاريخ كما كان يتوقع القارئ، فتعود الحياة إلى طبيعتها، أمّا صديقه الريفي فصار مستثمراً، وتزوج من الفتاة التي أحبها وكان (بازاروف) قد ساعده في الارتباط بها، وأبوه وأمه يزوران قبره من حين لآخر يلاحظان سكونه في قبره ويتطلعان لحياة لا نهائية في انتظارهم جميعا.
تحليل للرواية
حاول الكاتب أن يصوّر للقراء فكرة العدمية، حيث أنّ الإنسان العدميّ لا ينحني للسلطة، كما صوّرت الرواية صراعاً جدلياً بين الآباء الذين يتمسكون بالعادات والتقاليد ويمجدون القيم والأخلاق، وبين الأبناء الذين يرفضون كل ما هو ثابت، والرواية نقلت صراعا بين (الآباء)الليبراليين الذين يؤمنون بالمثالية وضرورة المحافظة على القيم، وبين الأبناء العدميين الذين يؤمنون بالمادية وسيطرة العقل ولا يعبؤون بالقيم.