ميلان كونديرا (روائي فرنسي)
مولد ونشأة ميلان كونديرا
وُلد الروائيّ الفرنسيّ ذو الأصول التشيكية "ميلان كونديرا" في الأول من نيسان أبريل عام 1929م، في مدينة برنو بجمهورية التشيك (تشيكوسلوفاكيا آنذاك)، وهو كاتب عصيّ على التصنيف، تنوعت أعماله بين الروايات والمسرحيات والقصص القصيرة والدواوين الشعرية، ويعدّه كثير من النقاد أحد أهمّ أدباء القرن العشرين ذوي النزعة اليسارية.
ينحدر كونديرا من عائلة تشبّعت بحبّ الموسيقى تنتمي إلى الطبقة الوسطى، فوالده "لودفيك كونديرا" كان عازفًا للبيانو ومدرّسًا للموسيقى، وقد ترأس أكاديمية يناتشيك للموسيقى في برنو بين عامي (1948 - 1961م)، وأورث لودفيك ابنه حبّ الموسيقى، فبرع ميلان في دراسة الموسيقى ونظمها، والذي انطبع لاحقًا في بناء المعمار الفني لرواياته.
حين كان ميلان كونديرا صبيًا مراهقًا اندلعت الحرب العالمية الثانية واحتلّ الألمان تشيكوسلوفاكيا، وقد تركت الحرب آثارها على وعيه وأيدولجيته، فانضمّ بنهاية الحرب العالمية الثانية إلى الحزب الشيوعي، لكنه فصل منه عام 1948م، نظرًا لاعتراضه على سياسات الحزب وإظهاره لنزعته الفردانية.
ولسوء الأوضاع في بلده إبّان المد الشيوعي وما أعقب غزو الاتحاد السوفيتي عام 1975م من اضطهاد وملاحقة لمعارضيه، هاجر ميلان إلى فرنسا في العام نفسه بعد تعرُّضه للتضييق من الحزب الشيوعي بسبب دعمه لأحداث "ربيع براغ"، ولاحقًا جرده النظام الشيوعي وزوجته من الجنسية عقب استقرارهما في فرنسا عام 1979م، وحصل على الجنسية الفرنسية في عام 1981م.
مسيرة ميلان كونديرا التعليمية
أنهى ميلان كونديرا دراسة المرحلة الثانوية عام 1948م، ليلتحق بعدها بكلية الآداب التابعة لجامعة تشارلز في براغ؛ حيث درس الآداب والفنون، وعقب فصلين دراسيين حول دراسته إلى كلية السينما في أكاديمية براغ للفنون؛ حيث درَس فنون الإخراج وكتابة السيناريو، وفي عام 1950م تعطلت دراسته في الجامعة لمدة وجيزة بسبب الاضطرابات السياسية، وفي عام 1952م تخرّج ميلان من كلية السينما وعُيّن فيها مُحاضرًا للأدب العالمي، كما أنه تتلمذ على يدي الموسيقي "فاكلاف كابرال" والموسيقي "بول هاس".
حياة ميلان كونديرا المهنية
درّس ميلان كونديرا الأدب العالمي في أكاديمية براغ للفنون، وبدأ حياته الأدبية بنظم الشعر، وأصدر ثلاثة أعمال شعرية بين عامي 1953 و1965م، إلا أنه عدل عن نظم الشعر لما لاقته أعماله المفعمة بالأيروتيكية من صدامٍ مع قيم المجتمع الشيوعي آنذاك، واتجه لتجريب فنون الكتابة الأخرى، فأصدر مجموعته القصصية ذائعة الصيت غراميات مضحكة "Laughable Loves" عام 1968م.
عمل مُحرّرًا في عددٍ من المجلات الأدبية من مثل "ليترارني نوفيني وليستي"، ولاحقًا حرّر أعماله من ربقة الالتزام السياسي وصار أكثر توغلًا في الأبعاد الفلسفية، وصدر له العديد من الكتب والروايات آخرها "حفلة التفاهة" الصادرة عام 2014م، وعقب هجرته إلى فرنسا عمل محاضرًا في جامعة "رين" بين عامي 1975 و1978م.
مكانة ميلان كونديرا الأدبية
ميلان كونديرا أحد أبرز الروائيين المعاصرين، وفي وقتنا الراهن تُصنَّف أعماله ضمن كلاسيكيات أدب القرن العشرين، ويتردد اسم ميلان كونديرا كل سنة في أروقة الأكاديمية السويدية ويرد على لائحة الكتّاب المرشحين لجائزة نوبل، وحتى الآن، وقد تجاوز التسعين، لم يفز بها، إلا أن أغلب النقاد يشيرون إلى أن المكانة الأدبية التي يحتلها كونديرا لن تتأثر بغياب نوبل.
تُرجمت معظم أعماله إلى نحو أربعين لغة، ووضعت عنه كتب وأبحاث في لغات شتى، علاوة على أنه يكتب بلغتين: التشيكية والفرنسية، وكانت راوية "البطء" أولى أعمال الكاتب باللغة الفرنسية الصادرة عام 1994م، وقد أشاد النقاد بأصالة لغتها قائلين إنّ المرء يخال لدى قراءته للرواية أنّ كاتبها قد عاش عمره في فرنسا، وأن الفرنسية هي لغته الأم.
جوائز ميلان كونديرا وأوسمته
حصل ميلان كونديرا على العديد من الجوائز الأدبية الرفيعة تقديرًا لإنجازاته المهمة في الأدب القصصي والروائي والشعري والمسرحي والنقد الأدبي، ويعتقد كثيرون من رواد الوسط الأدبي العالمي أن كونديرا من أعظم روائيّي ما بعد الحداثة في القرن العشرين وحتى يومنا هذا.
- جائزة الدولة النمساوية للأدب الأوربي: وتعرف أيضًا باسم الجائزة الأدبية الأوروبية، وتمنحها حكومة دولة النمسا من خلال الوزارة الاتحادية للآداب والفنون، وقد حصل عليها ميلان كونديرا عام 1987م.
- جائزة هيردر: وهي جائزة دولية مرموقة تُمنح كلّ عام للعلماء والفنانين من وسط وجنوب وشرق أوروبا، وقد حصل عليها ميلان كونديرا في الحفل المنعقد في جامعة فينيا عام 2000م.
- جائزة الدولة التشيكية للآداب: وقد حصل عليها ميلان كونديرا عام 2007م.
- جائزة سينو ديل دوكا العالمية: وهي جائزة فرنسية تُمنح للأدباء والعلماء وقد حصل عليها ميلان كونديرا عام 2009م.
- جائزة أوفيد: وجائزة أدبية يمنحها اتحاد الكتاب الرومانيين والمعهد الثقافي الروماني، وتُمنح سنويًا لمؤلف ما من أيّة دولة تقديرًا لجملة أعماله الأدبية وقد حصل عليها كونديرا عام 2011م.
- جائزة فرانز كافكا التشيكية: وقد حصل عليها الكاتب عقب استرداده للجنسية التشيكية عام 2019م، ليحصل على الجائزة عام 2020م بوصفه مواطنًا تشيكيًا.
مؤلفات ميلان كونديرا
تطايرت شهرة رواية "كائن لا تحتمل خفته" في الآفاق، جاذبة أنظار العالم إلى حدث استثنائي وهو "ربيع براغ" الذي كان كونديرا جزءًا منه، كما جذبت الأنظار لكاتبها ودفعت قرائه لاكتشاف مجمل إنتاجه الأدبي.
روايات ميلان كونديرا
يحرص ميلان أن ينطوي كل فصل من فصول رواياته على عالم داخلي كامل مشيد بفرادة، كما يفضّل أن تكون كل الفصول مستقلة نسبيًا عن بعضها، وغالبًا ما كان يتجادل مع مُحرّري الفصول لتكون كل الأجزاء مفصلة تفصيلًا جيدًا ومرقمة ترقيمًا صحيحًا.
- رواية المزحة: الصادرة في عام 1967م، تعرض الرواية صراع الفرد مع المؤسسة الحزبية، عندما تكون هذه المؤسسة ضيقة الأفق، تلغي هامش الحرية للفرد، من خلال هيمنتها الأيديولوجية ورؤيتها الأحادية.
- رواية فالس الوداع: الصادرة عام 1972م، والتي تلفت النظر إلى تجاوز حدود المثالية الزائفة الوقوف وجهًا لوجه في مواجهة عوالمنا الداخلية.
- رواية الحياة في مكان آخر: الصادرة عام 1973م، وتحكي قصة شاعر شاب تقمعه سلطة الدولة وسلطة الأم.
- رواية كتاب الضحك والنسيان: الصادرة في عام 1979م، والتي مزج فيها كونديرا بين الحس الساخر والعمق الفلسفي.
- رواية كائن لا تحتمل خفته: الصادرة في عام 1984م، والتي يعطف فيها ميلان على أحداث ربيع براج وهشاشة المصائر البشرية.
- رواية البطء: الصادرة في عام 1995م وهي الرواية الأولى التي يكتبها كونديرا بالفرنسية وقد أشاد بها النقّاد الفرنسيون.
- رواية الهوية: الصادرة في عام 1997م وهي الرواية الثانية للكاتب بالفرنسية.
- رواية الجهل: الصادرة عام 2000م بالفرنسية، وتتحدث عن إيرينا المقيمة في فرنسا منذ 20 عامًا وقرارها بالعودة إلى الوطن.
- رواية حفلة التفاهة: وهي آخر أعمال ميلان كونديرا الصادرة عام 2013م.
كتب ميلان كونديرا
لميلان كونديرا عدد من الكتب في تصنيفات أدبية أخرى بالإضافة إلى الرواية، وتنوعت كتبه بين المسرحيات والدواوين الشعرية ومجموعات القصص القصيرة والنقد الأدبي.
- كتاب غراميات مرحة: وهو مجموعة قصصية تعد نقطة الانطلاق الحقيقية لميلان كونديرا.
- ثلاثية حول الرواية: فن الرواية، الوصايا المغدورة، والذي يتحدث فيه كونديرا عن فن الرواية من منظور فلسفي وتاريخي.
- المحاورة: وهي مجموعة قصصية نشرت عام 1963م.
- إدوارد والرب: نوفيلا لا تتعدى الخمسين صفحة.
- كتاب لقاء: وهو كتاب يتحدث فيه ميلان عن المثقفين والأدباء ويضع تقييماته على أعمالهم.
سمات أسلوب ميلان كونديرا
تتميز كتابات ميلان كونديرا بعمقها الفلسفي المتستر تحت عباءة الملهاة، كما يُولي اهتمامًا خاصًا لموسيقى النص، فيضع لكل فصل من أعماله وحدة موسيقية تختلف عن الفصل الآخر في الطول والقصر، لتتعدد الأنغام وتتراكب في لحن فريد.
- ينسج ميلان شخوص روايته من مخيلته، تتراكب دواخل شخصياته من طبقات عدة، وأغلب رواياته ضمن رواية الراوي بضمير المتكلم.
- يولي ميلان اهتمامًا كبيرًا بالكلمات التي تصنع قوالبًا للشخصيات، ولا يهتم بتوضيح الخصائص المظهرية لشخصياته، إذ يقول في كتابه ثلاثية حول الرواية إنّ مُخيّلة القارئ ستستدل بهذه الكلمات للوصول إلى التصور الأصلي في ذهن الكاتب عن الشخصيات وكيفياتها.
- تعصى كتبه على التصنيف، ولقد أثبت قدرته على الكتابة في أطياف عدة.
- تحتوي كتبه عادة عدة فصول، موصولة بإيقاع موسيقي واحد، ينقل لك إحساسًا فريدًا بطبيعة الزمان والمكان المصاحبة للأحداث.
- يجمع كونديرا بين شخصيات تبدو ظاهريًا غير مرتبطة، لكن عوالمها الداخلية متشابهة.
من أقوال ميلان كونديرا
كان ميلان كونديرا يحلم بعالم يجبر فيه الكتّاب بقوة القانون على نبذ أسمائهم واستبدالها بأخرى مستعارة، والتكتم على هوياتهم، حتى يسخر الكاتب طاقته كلها للكتابة دون مطامح، ويرى أن ذلك سيقلص من العدائية في الساحة الأدبية، كما ستختفي مذاهب تأويل العمل استنادًا إلى كاتبه، وفيما يلي نستعرض بعض المقتطفات من رواياته.
- "وحدها الأسئلة الساذجة هي الأسئلة الهامة فعلًا، تلك الأسئلة التي تبقى دون جواب، إنّ سؤالًا دون جواب حاجز لا طرقات بعده، وبطريقة أخرى: الأسئلة التي تبقى دون جواب هي التي تُشير إلى حدود الإمكانات الإنسانية، وهي التي ترسم وجودنا".
- "الأنظمة المجرمة لم يُنشئها أناس مجرمون، وإنما أناس متحمسون ومقتنعون بأنهم وجدوا الطريق الوحيد الذي يؤدي إلى الجنة، فأخذوا يدافعون ببسالة عن هذا الطريق، ومن أجل هذا قاموا بإعدام الكثيرين، ثم فيما بعد أصبح جليًّا وواضحًا أكثر من النهار أنّ الجنة ليست موجودة وأنّ المتحمسين كانوا مجرد سفاحين".
- "وحدها الصدفة يُمكن أن تكون ذات مغزى، فما يحدث بالضرورة ما هو متوقع ويتكرر يوميًّا يبقى شيئًا أبكم، وحدها الصدفة ناطقة، نسعى لأن نقرأ فيها كما يقرأ الغجريون في الرسوم التي يخطها ثفل القهوة في مقر الفنجان".
- "شعر عندها فجأة برغبة غامضة لا تُقاوم في سماع موسيقى هائلة، في سماع ضجيج مُطلق وصخب جميل وفرح يكتنف كل شيء ويُغرق ويخنق كل شيء، فيختفي إلى الأبد الألم والغرور وتفاهة الكلمات".
ملخص
استوفى المقال أبرز المحطات في حياة ميلان كونديرا، فمنذ نعومة أظفاره تخلله حب الموسيقى الذي انعكس في البناء المعماري في جملة أعماله، وعرفنا لماذا خرج من التشيك إلى فرنسا التي منحته الجنسية في عام 1981م، في حين سلبه مسقط رأسه جنسيته وصادر أعماله. كما عرض النصّ سمات أسلوب الروائي، ونبذة عن مجمل أعماله، مثل: الهوية، البطء، الجهل، غراميات مرحة.