موضوع عن قيام الدولة الأموية
الخلافة الإسلاميّة
بعد وفاة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-، مَرَّ المسلمون بفترة الخلافة الراشدة؛ حيث تَوَلَّى الخلافة أبو بكر الصدِّيق -رضي الله عنه-، وبعد وفاته تَوَلَّى عُمَر بن الخطّاب، وبعده عثمان بن عفَّان، ثمّ عليّ بن أبي طالب -رضي الله عنهم أجمعين-، وقد امتدَّت الخلافة الراشدة ثلاثين سنة، وبذلك تَحَقَّقَتْ نبوءة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم-؛ حيث قال: (الخلافةُ في أمَّتي ثلاثونَ سَنةً، ثمَّ مُلكٌ بعدَ ذلِكَ)، وقد انتهت الخلافة مع انتهاء فترة حُكم الخُلفاء الراشدين، ثمّ مَرَّت الأمّة الإسلاميّة بمرحلة من المُلك، بدأت بالدولة الأمويّة، ومن بعدها الدولة العبّاسية ، ثمَّ ظهرت بعض الممالك المُتفرِّقة في آخر عصر الدولة العبّاسية في كلٍّ من: الأندلس، والمغرب العربيّ، وشمال أفريقيا، وصدق رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- حيث قال: (تَكونُ النُّبوَّةُ فيكُم ما شاءَ اللَّهُ أن تَكونَ، ثمَّ يرفعُها اللَّهُ إذا شاءَ أن يرفعَها ، ثمَّ تَكونُ خلافةٌ على منهاجِ النُّبوَّةِ، فيَكونُ ما شاءَ اللَّهُ أن يَكونَ، ثمَّ يرفعُها إذا شاءَ أن يرفعَها، ثمَّ يَكونُ مُلكًا عاضًّا، فيَكونُ ما شاءَ اللَّهُ أن يَكونَ، ثمَّ يرفعُها إذا شاءَ أن يرفعَها، ثمَّ تَكونُ خلافةٌ على منهاج نبوَّةٍ).
نشوء الدولة الأمويّة
نشأت الدولة الأمويّة في شهر ربيع الأوّل من العام الحادي والأربعين للهجرة؛ على إثْر تنازُل الحسن بن عليّ بن أبي طالب عن الخلافة لمعاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنهم جميعاً-؛ ليُطْفئ بذلك نار الفتنة، والحروب بين المسلمين، ويُوَحِّد صفوفهم، ويُعيدَ للأمّة وَحدتها، ومن الجدير بالذكر أنّ تلك الخطوة كان لها أَثَرٌ كبير في نفوس المسلمين، فقد استبشروا بها، وأطلقوا على ذلك العام عام الجماعة، وبايَعوا معاوية بن أبي سفيان على الخلافة، فأصبح يُلقَّب بأمير المؤمنين بعد أن كان يُلقَّب بالأمير فقط، ونال قرار الحسن بن علي -رضي الله عنه- كلّ الاحترام والتقدير من عُلماء الأمّة، وعامّة الناس، وتحقَّقَت نبوءة رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم، حيث قال عن الحسن: (إنَّ ابنِي هذا سيِّدٌ، ولعَلَ اللهَ أنْ يُصْلِحَ بهِ بينَ فِئَتَينِ عَظِيمَتَينِ من المسلمينَ)،
وبعد اختيار الخليفة الأمويّ معاوية بن أبي سفيان ، تَغَيَّر نظام اختيار الخليفة بعد أن كان مَبنيّاً على الشورى، والاختيار الحُرِّ للمسلمين، كما حصل عندما بُويِعَ أبوبكر الصديق كأوّل خليفة للمسلمين، ومن بعده عُمَر بن الخطّاب، ومن بعده عثمان بن عفّان، ومن بعده عليّ بن أبي طالب، وابنه الحسن -رضي الله عنهم جميعاً- الذي تَنازَل بالخلافة لمعاوية بن أبي سفيان؛ لتتحوَّل الخلافة في عَهده من الشورى، والاختيار الحرّ، إلى الوراثة؛ إيذاناً بنشوء الدولة الأمويّة ؛ حيث أَخَذَ معاوية بن أبي سفيان البَيعة لابنه يزيد خلال حياته، وكان ذلك بدَعْمٍ من أهل الشام، بالترغيب، والترهيب، وتجدر الإشارة إلى أنّ أهل الحجاز، وبعض أبناء كبار الصحابة -رضي الله عنهم- مثل: الحسين بن عليّ، وعبد الله بن الزبير، وعبد الله بن عمر -رضي الله عنهم-، قد عارضوا قرار معاوية في توريث الخلافة لابنه يزيد؛ لأنَّه مُخالِف لِما اعتاد عليه المسلمون في اختيار الخليفة.
بعد وفاة معاوية بن أبي سفيان، خَرَج الحسين بن عليّ على يزيد بن معاوية، وأَدَّى ذلك إلى استشهاده في كربلاء، وفي هذه الأثناء، دعا عبد الله بن الزبير بالخلافة لنفسه بعد موت يزيد بن معاوية؛ مِمَّا أدّى إلى دخوله في صراع مع الأمويّين انتهى بمقتله في العام الثالث والسبعين للهجرة، بينما بايَعَ عبد الله بن عمر يزيدَ بن معاوية بعد أن رأى أنَّ مصلحة الأمّة تَصُبّ في وَحدتها، وهكذا استقرَّت الدولة الأمويّة على نظام التوريث، وكانت البَيعة تُؤْخَذ من الناس شَكْليّاً؛ حيث كان الخليفة القائم يَعهدُ بالخلافة لابنه، أو لأخيه من بعده، فتُؤخَذ له البَيعة خلال حياة الخليفة، ثمّ تُجدَّد البَيعة له بعد وفاة الخليفة، وفي الحقيقة، فإنَّ الحُكم قد تمّ حصرُه في الأسرة الأمويّة خلال فترة الدولة الأمويّة؛ إذْ لم يكن الخليفة الأمويّ يكتفي بتوريث الحُكم لواحد من أبنائه، بل كان يُوَرِّث العهد لأكثر من واحد، عِلماً بأنَّ مروان بن الحَكَم كان أوّل من بدأ بهذا التقليد؛ فَقَد عَهِدَ إلى ابنه عبدالله، ثمّ إلى عبدالعزيز من بعده، وتَبِعَه كلُّ من جاء بعده من الخلفاء الأمويّين؛ الأمر الذي تَسَبَّب في اندلاع نار الفتنة بين أفراد الأسرة الأمويّة، وأدّى إلى ضَعف الدولة الأمويّة، وتفكُّكها، كما عجَّل في سقوطها.
فضائل بني أمية
تَعَرَّضَ تاريخ الأمويّين للكثير من التشويه من قِبَل خصومهم السياسيّين؛ حيث سلَّطوا الضوء على بعض الأحداث التي حدثت خلال عَهدهم، ومنها: مقتل الحسين بن عليّ -رضي الله عنه-، وضَرب مكّة بالمنجنيق، وقَتل عبدالله بن الزبير -رضي الله عنه-، كما ذكروا الأحداث التاريخية التي تُقلِّل من شأنهم؛ كتأخرُّهم بالإسلام، وعدائهم له في بداية الدعوة، على الرغم من أَنَّه قد كان لبني أميّة في الحقيقة الكثيرُ من الفضائل، والإنجازات، منها:
- تقدير العِلم والاهتمام به: فقد كان بنو أميّة يُولون العِلم، والعلماء، الكثير من الاهتمام، ويُقَدّمون أهل العِلم، ويرفعونهم، بالإضافة إلى عدم تدخُّلهم في القضاء.
- الفتوحات الإسلاميّة: اهتمَّ الأمويّون بالفتوحات بشكل كبير؛ مِمَّا أدّى إلى اتّساع رُقعة الدولة الإسلاميّة إلى أكبر مساحة جغرافيّة في تاريخ الإسلام؛ حيث وصلت الفتوحات في عهدهم إلى الصين شرقاً، وإلى الأندلس، وجنوب فرنسا غرباً.
- عِظَم مكانة خُلفائها: فقد كان مروان بن الحَكَم من التابعين، وقد روى عن عُمَر بن الخطّاب، وعثمان بن عفّان -رضي الله عنهما-، وكان عبد الملك عالِماً من عُلماء المدينة المُنوَّرة قَبل أن يتولَّى الخلافة، بالإضافة إلى أنَّ الخليفة الأمويّ عُمَر بن عبد العزيز كان يُعْتَبَر خامس الخلفاء الراشدين.