موضوع عن العفو والتسامح
تعريف العفو والتسامح في الإسلام
العفو هو أن يتجاوز الشخص عن المسيء إليه ويترك معاقبته أو معاتبته وهو كذلك أن يستحق الشخص حقًا من غيره فيعفو عن ذلك الحق ويتجاوز عنه ولا يبتغي من وراء ذلك مصلحة، وقد أمر الله تبارك وتعالى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالعفو وأن يعفو عن الجاهلين والظالمين ويُعرض عنهم، وقد تلازمت صفة العفو والمسامحة الأنبياء والصالحين كافّة، وقد تمثل رسول الله -صلى الله عليه وسلم- صفة العفو في أخلاقه لكنّ ذلك ليس في الأمر كله، إذ إنّ الشدة مطلوبة في بعض الأوقات حين لا يكون هناك مفر منها.
العفو والتسامح في القرآن الكريم
لقد وردت مجموعة من الآيات الكريمة في القرآن الكريم التي تحكي عن العفو وتحض عليه، وما يأتي ذكر بعض منها:
- قال الله تعالى في سورة البقرة: { وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ ۖ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّىٰ يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}.
- قال الله تعالى في سورة المائدة: {فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً ۖ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَن مَّوَاضِعِهِ ۙ وَنَسُوا حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُوا بِهِ ۚ وَلَا تَزَالُ تَطَّلِعُ عَلَىٰ خَائِنَةٍ مِّنْهُمْ إِلَّا قَلِيلًا مِّنْهُمْ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاصْفَحْ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.
- قال الله تعالى في سورة الشورى: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا ۖ فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ * وَلَمَنِ انتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولَٰئِكَ مَا عَلَيْهِم مِّن سَبِيلٍ * إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَظْلِمُونَ النَّاسَ وَيَبْغُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ ۚ أُولَٰئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * وَلَمَن صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَٰلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ}.
- قال الله تعالى في سورة آل عمران: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ ۖ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ ۖ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ}.
العفو والتسامح في السنة النبوية
لم يكن ذكر العفو والمسامحة مقتصرًا على آيات من القرآن الكريم، بل كان للسنة النبوية الشريفة نصيب من ذلك، حيث وردت مجموعة من الأحاديث النبوية الشريفة التي تُمجد العفو والمسامحة ومن بينها:
- روي عن عائشة رضي الله عنها أنّها سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت: "هلْ أتَى عَلَيْكَ يَوْمٌ كانَ أشَدَّ مِن يَومِ أُحُدٍ؟ قالَ: لقَدْ لَقِيتُ مِن قَوْمِكِ ما لَقِيتُ، وكانَ أشَدَّ ما لَقِيتُ منهمْ يَومَ العَقَبَةِ، إذْ عَرَضْتُ نَفْسِي علَى ابْنِ عبدِ يالِيلَ بنِ عبدِ كُلالٍ، فَلَمْ يُجِبْنِي إلى ما أرَدْتُ، فانْطَلَقْتُ وأنا مَهْمُومٌ علَى وجْهِي، فَلَمْ أسْتَفِقْ إلَّا وأنا بقَرْنِ الثَّعالِبِ، فَرَفَعْتُ رَأْسِي، فإذا أنا بسَحابَةٍ قدْ أظَلَّتْنِي، فَنَظَرْتُ فإذا فيها جِبْرِيلُ، فَنادانِي فقالَ: إنَّ اللَّهَ قدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ، وما رَدُّوا عَلَيْكَ، وقدْ بَعَثَ إلَيْكَ مَلَكَ الجِبالِ لِتَأْمُرَهُ بما شِئْتَ فيهم، فَنادانِي مَلَكُ الجِبالِ فَسَلَّمَ عَلَيَّ، ثُمَّ قالَ: يا مُحَمَّدُ، فقالَ ذلكَ فِيما شِئْتَ، إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ، فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: بَلْ أرْجُو أنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِن أصْلابِهِمْ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ لا يُشْرِكُ به شيئًا".
- روي عن الصحابي الجليل عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أنّه: "جاء رجلٌ إلى النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلمَ، فقال: يا رسولَ اللهِ! كم نعْفو عنِ الخادمِ؟ ثم أعاد عليه الكلامَ فصمَت، فلما كان الثالثةَ قال: اعفُ عنه كلَّ يومٍ سبعينَ مرةً".
- روي عن أبي هريرة رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا تَحاسَدُوا، ولا تَناجَشُوا، ولا تَباغَضُوا، ولا تَدابَرُوا، ولا يَبِعْ بَعْضُكُمْ علَى بَيْعِ بَعْضٍ، وكُونُوا عِبادَ اللهِ إخْوانًا المُسْلِمُ أخُو المُسْلِمِ، لا يَظْلِمُهُ ولا يَخْذُلُهُ، ولا يَحْقِرُهُ التَّقْوَى هاهُنا ويُشِيرُ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرَّاتٍ بحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلِمَ، كُلُّ المُسْلِمِ علَى المُسْلِمِ حَرامٌ، دَمُهُ، ومالُهُ، وعِرْضُه".
أمثلة على العفو والتسامح
إنّ الإنسان مخلوق اجتماعي بطبعه وفطرته التي فطره الله تبارك وتعالى عليها، ولا بدّ من إدراج بضع من الأمثلة حتى يتمكن مفهوم كل من العفو والمسامحة من التبلور في ذهن الإنسان، ومن ذلك:
موقف رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مع أهل مكة
لما استطاع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن يفتح مكة بإذن من الله العظيم، دخل وصلى بين السارتين ووقف بين يديه مشركي القوم وأمامه رجال من الذين آذوه وعذبوه ووقفوا في وجه دعوته، ولما سألهم عن ظنّهم بفعله معهم، قالوا له: أنت الأخ الكريم وابن الأخ الكريم، فما كان من رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلا أن عفا عنهم.
موقف أبي بكر الصديق مع مسطح بن أثاثة
لما تحدث بعض المنفقين عن عائشة -رضي الله عنها بالسوء وهي زوجة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان ممن تحدث عنها بذلك مسطح بن أثاثة، وهو قريب لأبي بكر الصديق وكان فقيرًا وأبو بكر -رضي الله عنه- من يُنفق عليه، فلما أنزل الله -تعالى- براءة عائشة من كلامهم السيئ حلف أبو بكر ألا ينفق عليه أبدًا، فأنزل الله قرآنًا يحث على العفو والصفح وجزاء العافين، فعاد أبو بكر لإنفاقه عليه وعفا عنه.
موقف الصحابة -رضي الله عنهم- مع الأسرى
لقد كان من عادة العرب أنه إذا تقاتل قومان فإنّ المهزومين يكونون عرضة للأسر حتى يفدوا أنفسهم بالمال، وكان الأسير يُعامل معاملة سيئة من التجويع والضرب والذل والمهانة، فجاء الإسلامة ومحا تلك العادة وأمر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- الصحابة -رضي الله عنهم- أن يُحسنوا إلى الأسرى، فصار كل واحد منهم يُفضل الأسير على نفسه ويُطعمه قبله، مع أنهم قبل أن يُؤسروا كانوا يُقاتلونهم بحد السيف، ولكن هو العفو الذي أمر الله به.
آثار العفو التسامح على الفرد والمجتمع
إنّ أثر العفو على الناس عظيم جدًّا سواء كان على الفرد بعينه أم على أفراد المجتمع كافّة، وما يأتي تفصيل في بعض تلك الآثار:
آثار العفو والتسامح على الفرد
إنّ آثار العفو على الفرد كثيرة ومن أهمها:
- تقدير الضعف البشري وعدم تحميل الإنسان ما لا يُطيقه من العتاب واللوم، فيعلم المسلم أنّه يعيش في مجتمع متسامح بعيد عن الجلد الدائم والقسوة غير المحتملة.
- رجاء العافي عن الآخرين المغفرة من ربه، خاصة وأنه يشعر في نفسه براحة وهناء فيكون بعيدًا عن المشاحنة والبغضاء.
- نيل رضا الله -تبارك وتعالى- فالله عز وجل قد أمر عباده بالعفو، وحري بالمسلم أن يتتبع أوامر ربه فيلتزم بها ويكون بعيدًا عن الكبر والمخيلة التي تمنعه من الصفح والعفو.
- نيل درجة التقوى التي جعلها الله سبحانه وتعالى لعباده العافين، إذ إنّ المسامحة والعفو هي صفة من صفات العباد المتقين الذين وعدهم الله بجنات تجري من تحتها الأنهار.
آثار العفو والتسامح على المجتمع
إنّ آثار العفو والتسامح على المجتمع جليلة عظيمة، ومن أهمها:
- العفو سبيل لمرضاة لنشر المحبة والألفة بين أبناء المجتمع، فلما يعفو الواحد عن صاحبه تكبر المحبة في القلوب وتلين النفوس على عكس المعاقبة الدائمة المتكررة على صغائر الأمور.
- العفو سبيل لمحبة الشخص بين العباد وعند ربه، فالهيّن اللين له مقام رفيع عند الله تعالى، وكذلك عند الناس لمّا يكف عن تتبع أخطائهم.
- العفو يكسب المجتمع صبغة حسنة، فتكون الطمأنينة مخيمة على الأفراد كلهم، فيترفع الأخ عن مواجهة أخيه بخطائه في كل مرة، ويتخذ من العفو سبيلًا وطريقًا له.
كيفية تعليم العفو والتسامح للأطفال
إنّ العفو والتسامح هي صفات مكتسبة وليست فطرية، فالمرء يشيب على ما شيّ عليه، ومن أهم الطرق التي يمكن من خلالها تعليم الأطفال مفهوم المسامحة والعفو:
- تعليم الطفل أنّ الاعتذار هو السبيل للعفو والمسامحة، وتقديم هذا المفهوم عن طريق القصص والحكايا والأناشيد التي يتعلم من خلالها الأطفال بشكل أسرع.
- تعليم الطفل أنّ الاختلاف لا يعني العداوة من خلال أمثلة عملية، بحيث يُقدم أحد الولدين على تقدير الأشخاص المختلفين عنهم سواء من ناحية الدين أو الملبس أو المظهر.
- تعليم الطفل احترام آراء الآخرين، بحيث لا يسخر من الرأي الذي لا يُعجبه ولكل إنسان وجهة نظره الخاصة، ويكون ذلك من خلال تقديم الأفلام الكرتونية المتحركة التي تحض على ذلك، أو عن طريق أمثلة عملية من قبل الأشخاص المقربين.
يتبين للإنسان أنّ العفو هو السبيل الأوحد من أجل العيش بسلام على هذه الكرة الأرضية، بعيدًا عن الحروب والنزاعات التي أتعبت الفنوس وكرهها البشر.