موضوع تعبير عن حق الطريق
المقدمة: الطريق للجميع فلنحافظ عليه
يُعدّ الطريق ملكية عامة يحقّ للجميع الانتفاع به، ليس لأحد أيًا كان أن يفرض سيطرته عليه أو أن يمنع الناس من الانتفاع به، لذلك يقع على عاتق الناس كافة الحفاظ عليه، وعدم وضع العوائق التي تحيل بين الشخص ومصلحته، فقد وُجدت الطرق للتيسير والتسهيل على الأشخاص للوصول لمصلحتهم بأقل الوقت والجهد.
فإن تبرأ الأفراد من مسؤوليتهم اتجاه الطريق ولم يحافظوا عليه ولم يراعوا حقّه تأخروا في قضاء حوائجهم، وسادت الفوضى، وكثرت المشاكل، وكان ذلك سببًا مباشرًا في تخلّف المجتمع وتراجعه.
العرض: للطريق آداب وأخلاق
لا شك أنّ الطريق له أهميةٌ بالغةٌ في حياة الناس، إذ حرص الدين الإسلامي على إعطائه آدابًا ينبغي أن يتحلّى بها الناس كافّة لما في ذلك مصلحة ومنفعة عامة تعود بالخير على الناس إن التزموا بها، فإن خالفوها صارت المصلحة مفسدة عليهم جميعًا.
وقد حثّ نبينا محمد -صلى الله عليه وسلم- الناس على إعطاء الطريق حقه فقال: (إياكم والجلُوسَ علَى الطُرُقاتِ، فإِنْ أبَيْتُمْ إلَّا المجالِسَ فأعْطُوا الطَّرِيَق حقَّها؛ غضُّ البصرِ، وكفُّ الأذَى، وردُّ السلامِ، والأمرُ بالمعروفِ، والنهي عنِ المنكرِ )، فجعل الثواب والأجر لمن التزم بهذه الآداب، والعقاب الإثم لمن تركها عمدًا قاصدًا الإفساد في الأرض.
ويأتي غضّ البصر من أول الآداب والأخلاق التي ينبغي على الفرد أن يتحلّى بها لما في ذلك خير له في دينه ودنياه، أمّا في دينه فقد تمثّل لأمر الله عز وجل وحفظ عينه من النظر إلى ما لا يحل له، وأمّا في دنياه فقد حفظ نفسه من الوقوع في المشاكل مع الناس وحفظ سمعته بينهم، فإن أطلق بصره ساء خلقه، وتشوهت بين الناس سمعته وكثرت مشاكله، ثم يأتي بعد ذلك كف الأذى عن الناس قولًا أو فعلًا.
أمّا كف الأذى القوليّ فلا يجلس في الطريق وهو يخوض في عرض الآخرين، أو يتكلم كلامًا مهينًا أو جارحًا، أمّا الفعلي فلا يتعرض للناس وهو في الطريق بالضرب أو تكسير ممتلكاتهم، ومضايقتهم في الطريق من خلال ملء الطريق فلا يتمكن المارّة من العبور إلا بشق الأنفس.
ومن آداب الطريق ردّ السلام وبشاشة الوجه، فيُسلّم الماشي على الجالس، والراكب على الماشي، والقليل على الكثير، والصغير على الكبير، فإن تحلّى أفراد المجتمع الواحد بهذا الأدب زادت المحبة والألفة فيما بينهم، وقلت المشاكل والضغينة، ونشأ مجتمع قوي متين بأفراده كالجسد الواحد، ومن الآداب أيضًا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ومعناه حث الناس على فعل الخير والتعاون فيما بينهم، ونصحهم ونهيهم إن فعلوا شرًا ومنكرًا؛ ذلك لأنّ كثيرًا من الناس فهموا أنّ ملكية الطريق العامة معناها حرية أفعالهم فيه دون تدخل من قبل الآخرين، وهذا خطأٌ، فكما أنّ الطريق عام للناس كافة فلهم الحق في نهي ونصح من أراد شرًا.
ومن الآداب أيضًا تجنُّب رمي النفايات في الطريق، والحقيقة إنّ أحوال طرقاتنا مؤسفة وأليمة، فقلما ترى شارعًا نظيفًا خاليًا من النفايات، وهذا الأمر متعلق بتربية الشخص وحاله في بيته، ذلك لأن اهتمام الفرد بنظافته الشخصية ونظافة بيته ادعى لأن يهتم بنظافة مجتمعه من خلال اهتمامه بنظافة الطريق، ولا بد أن نعطي هذا الأدب الأهمية بمكان؛ لأن الطرق مرآة المجتمع، فإن كانت نظيفة عكس صورة نظيفة وراقية عن المجتمع، وإن كانت متسخة عكس صورة قذرة عن المجتمع، فيحرص الواحد منّا على نظافة الطرق ليعكس صورة جميلة عن مجتمعه في قلوب السُيّاح.
ومن الآداب التي ينبغي أن يتحلى بها الفرد تقديم يد المساعدة للآخرين، فإن رأى كفيفًا أرشده، وإن رأى سائلًا عن الطريق دلّه، وإن رأى شيخًا كبيرًا أعانه، ويعدّ إماطة الأذى عن الطريق من الأخلاق الفضيلة، فإن رأى شيئًا على الطريق يُؤذي الآخرين مثل الزجاج قام بإماطته وإزالته ويحتسب أجره على الله، ومن الآداب أيضًا قيادة السيارة بهدوء دون تهور، فلا يُسبّب الروع والخوف في قلوب الآخرين.
كذلك تجنُّب غرس الأشجار في طريق المارة ممّا يُسبّب إعاقة لحركتهم أو حركة مركباتهم، ويعدّ الإحسان إلى الحيوانات مثل القطط والكلاب من آداب الطريق وأخلاقه، أمّا تعذيبها والإساءة لها فهذا فعل قبيح ينمّ عن سوء أخلاق فاعله، كذلك خفض الصوت وعدم رفعه من آداب الطريق.
أمّا فيما يتعلق بالدولة؛ فيقع على عاتقها العديد من الواجبات اتجاه الطريق ومن ذلك: توظيف عمّال نظافة للمحافظة على نظافة الطريق، والقيام برصف الطرق وتعبيدها، محاولة تخصيص أرصفة لذوي الاحتياجات الخاصة، الاعتناء بجمال الطريق كزرع الأشجار والورود ممّا لا يشكل عائقًا على المارّة، كذلك توفير إجراءات السلامة مثل إشارات المرور واللوحات الإرشادية في الأماكن العامة مثل المدارس والمستشفيات.
كذلك لها دور أساسي ومهم في توعية أفراد المجتمع بآداب الطريق من خلال الإعلام أو الصحف والمجلات أو من خلال الخطباء والدعاة، ويقع على عاتقها تأنيب ومعاقبة أفرادها في حال مخالفة الآداب عمدًا بقصد الإفساد والفوضى بعد إقامة الحجة عليهم بالطرق التي تراها مناسبة.
الخاتمة: الطريق مجال عام يظهر أخلاق المجتمع
إنّ التزام الفرد وعنايته بآداب الطريق يعكس مدى أخلاقه ورقيّ مجتمعه، فمَن كان حسن الخلق في منزله وبين أهله كان ملتزمًا بآداب الطريق معظمًا لها، ويعكس للمجتمع صورة رائعة راقية لأقرانه وللسياح، أما مَن كان سيّئ الخلق في منزله ومع أهله كان سيئ الخلق في الطريق لا يكترث بما يفعله، ومثل هذا يعكس صورة عن انحطاط المجتمع وتخلفه، فإذا أردنا أن نعرف مدى تقدُّم المجتمع وتخلّفه نرى مدى التزام أفراده بآداب الطريق وأخلاقه؛ لأنّ الطريق مجال عام فيه يظهر أخلاق المجتمع وأفراده.