موضوع تعبير عن البحر وجماله
البحر حافظ للأسرار
بكلِّ اتّساعِ البحر الأزرق أحملُ في قلبي شوقًا لصباحاته حينَ تلمُّ الأمواجُ أوراقَ القلب المتناثرة، تكوّنها على مهلٍ أغنيةً تشدو غزلًا لا يملُّ من الطبيعة، وبكلّ رقّةٍ وأُنسٍ تُحاكي خبايا الرُّوح الخضراء لتُشعل ما سكنَ من حُزنٍ وفرحٍ، من ضحكٍ وبكاء، فيُقبِلُ نسيمُهُ العليلُ رويدًا رويدًا، موجةٌ تحكي للقلبِ أسرارها، وموجةٌ تحملُ أسرار القلبِ لتخبّئها إلى أمدٍ بعيد.
البحرُ كلمةٌ لا مُرادفَ لها في قاموسِ الجمال، البحرُ عالمٌ لا تنتهي أسرارُهُ، فإن باحَ للروحِ بشيءٍ اختلطَت موجاتُهُ ببعضها البعضِ في لمحةٍ لتحكي مجددًا سرًّا آخر، وفي كل مرةٍ يحملني الشوقُ على أثيرِ البوحِ لأكتبَ في هذا البحر معانٍ لا تسعها الكلمات، فأبقى شاردًا في انعكاسِ زُرقتهِ الحالِمة وأمواجه المتلاطمة، وعمقهِ الذي يمنحُ عوالمًا غريبةً القدر الكافي من الاحتواء، وصوته العذب حين يريد أن يتقرّبَ مني بموجةٍ صغيرةٍ، كهرَّةٍ تُريدُ أن تلعبَ طوالَ الوقت، وصوته الغاضب حين يصيح مُرتاعًا من فِعل الريح، وما تريدُ أن تفعلهُ به حين لا يستجيبُ هدوء أمواجه لتهوّرها.
يذهبُ عني قلقُ الحياةِ كلما نظرتُ إلى البحر، ونسيتُ ما فعلتهُ الأيام، وربما أردتُ أن أتناسى ذلك، لأنني اليوم أمام مرأى هذا الموج الجليل أحمل الكثير من التسامح تجاه كل شيء، وأنسى ما يجب علي أن أفعله في قادمِ الأيام أيضًا، ولا أحمل في قلبي إلا الحبّ والأمنيات التي رُزِقتُ الأمل بها منذ هذه اللحظة، ولا تغيب عن ناظري أجنحة النوارسِ التي تحلق يمنةً ويُسرةً، بصوتها الصّارخ الذي يمنحني شعورًا باللامحدود من كل شيء.
أسحبُ الهواء من أثير البحر وكأنّ القلب يعرفُ طعمًا جديدًا للهواء، أو رائحةً تُشبهُ رائحة الوطن، تمتدُ من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب، لا شكَّ أنّ رابطة الإنسان بالأرض لا تحصرها حدود، ولا يُمكن أن يسيطر عليها أحد، هذا ما يريدُ البحر أن يُدركهُ الإنسان، ومهما شرّقت الأنهار وغرّبت وابتعدتْ في الصحاري والقفار، ومهما زارتْ من بلادٍ فإنّ مرجعها إليه، إذ إنه المأوى الذي تحنُّ إليه القلوب، والمعنى الذي يستطيع أن يحتويها بأجمعها مهما كثرت أو تاهَتْ.
البحر رمز الرحيل والتجدد
أقفُ على شاطئ البحر العظيم، يسحرني الجمال وتتملّكني الرهبة، وتُملي عليّ الذاكرةُ قصصًا قديمةً رحَلَتْ من الواقعِ ولكنها لم ترحل من رفوف الاستذكار، فيمتدُّ التأملُ على ذلك المدى الشاسع، وأفكّر: ينتهي البحر حيثُ لا يُمكنُ أن أرى، ويبدأ البحر حيثُ أظنُّ أنه يبدأ، وما بين هذا الشكّ وذاك عالَمٌ من الرحيلِ والتجدد يبوحُ لي البحرُ به، وحين يُقدّم بين يديَّ موجةً ويسحبها، أجعلها رمزًا لفكرة جاءَتْ زائرةً ثم مضَت، أو لفرصةٍ لم يكُن الحظُّ كفيلًا ببقائها، ولكن البحر يعلمني ـ كما علّم الجميع من قبلي ـ أن الرحيل لا بدّ أن يعقبهُ ولادة جديدة، والفرص الضائعة لم تكن لنا بالفعل، بل إنّ لنا ما سيأتي بعدها، وربما كانت ولادة جديدة واحدة أكثر جدوى من كل ما سَلف!
في كل يومٍ يستيقظُ فيه البحرُ على صوتِ النوّارس يمنحُ الله تعالى عددًا من الكائنات الحياةَ داخلَ هذا العالَم الواسع، فتتكاثرُ وتتجدد، ومع كلّ مساءٍ يخلدُ فيه البحر إلى النومِ على ضوء القمر هناكَ حصيلةٌ من الموتى، قد ابتلعها البحر دونَ أن يوثّق ذلك أحد، أو يأخد أحدٌ بثأرِ أحد، ولا تزالُ الحياةُ مستمرةً فيه وكأنَّ شيئًا لم يكُن، وما إن ينتهي ذاك الليل حتى يستيقظَ البحر على عدد جديدٍ وهائلٍ من الكائنات المولودة التي تنطلقُ لتعرفَ أولَ شيءٍ عن الحياة، فما أجدر البحر بأن يكونَ رمزًا للرحيل والتجدد، وما أجدرهُ بزرع الأمل في نفوس المتأمّلين الذين يظنّون أن الحياةَ قد تقفُ على رحيلِ عزيز.
أحبُّ ما يفعله البحر بلطف، وما يفعله بالقوة، لأن نسماته العليلة تعلمنا وجود الجمال في كل شيء، وتمنحُ الاخضرار للأيامِ بما تنبضُ به من أمل، وتصنع الحياةَ في عيوننا على هيئةِ فرح، وغضبه يعلمنا وجود الرهبةِ في كل شيءٍ، في الجمال الباذخ، والاتساعِ الكبير، والعمقِ المؤدّي إلى المجهول، وبكل ما يفعلهُ البحر بضحاياه يمنحُ الآخرين دروسًا في التعامل مع المخاطر، وطريقة الاستفادة مع النجاةِ منها، ولا يزالُ إلى اليوم يحمل لنا أسرارًا لم نكتشفها، وأمورًا لا يمكنُ تصديقها لولا رؤية العين.
البحر اتساع لا نهائي
المساحات الواسعة البرّاقةُ تتلألأ كما لو أنها زمرّدٌ مفروشٌ على السطحِ الأزرق، تمنحها الشمس شيئًا من بهائها فتتخايلُ الأمواجُ برقّةٍ وغَنَج، فتتهادى بين الشاطئ وبين المدى الذي لا أرى نهايته، وكأن البحر في دلالهِ تحت أشعةِ الشمس فتاةٌ تتغنّى بجمالها، تفرشُ شعرَها الكستنائيّ وتقوم بنثرهِ على المدى، فتسري عليه البواخرُ والسفنُ وتسبحُ في خضمّه الكائنات، ثم ينقلبُ ذلك البحر في الليلِ إلى رجلٍ غامضٍ، تارةً يهدأ تحتَ ضوء القمر الساحر البهيّ ليمنح العاشقينَ قصيدةً لا تنضبُ أبياتها، وتارةً يغضبُ من هجوم الريحِ المفاجئ فيتصدّى لها بحربٍ ضروسٍ، وتارةً تُهديه الريحُ بعض نسماتها في ساعة صفاءٍ، فيتعانقا ليصبحا صديقين حميمين حتى طلوع الفجر.
البحرُ آيةٌ كبرى من آيات الله في هذه الأرض، فيها ما فيها من العِبر والحكايات، واتساع البحر لا يعني إلا عظمة الخالق، فكل عالَم خلقه الله تعالى فيه ما فيه من الإعجاز والآيات التي تجعلُ الإنسان مذهولًا باسم الله تعالى "القادر"، وما تصنعه المياه على وجه الأرض من منافع للإنسان تستحق أن يعطيها الإنسان حقها من الشكر للمُنعِم، إن هذا ما يوحيه الوقوف على الشاطئ لتأمل موجات البحر القادمة من بعيد، وهذا ما يمليهِ القلبُ على اللسان عند رؤية تلك المسافات الواسعةِ، والتفكير بما تحويه من عمقٍ مَهيب.
إذا ما تسابقت داخل البحر الأسماك على اختلافِ أشكالها وألوانها وأحجامها تلفَّتَ القلبُ إلى معنىً آخرَ من معاني الإعجازِ في هذا البحر الكبير، وهو تنوُّع تلك المخلوقات تنوّعًا لا يُمكنُ حَصرُهُ، وانسجامها مع بعضها في العيش بطريقةٍ تُذهِلُ الدّارسين، ولا يقطعُ ذلك التأملَ إلا صوتُ البحر الهادر الذي يخبرني بأنّ وقت الغروب قد حان، وأن الذكريات التي أسهم الزمنُ في مَحوها من مخيّلتي لا تزالُ تقفزُ من نوافذِ العُمرِ مُلوِّحةً لهذا الغروب الحزين، وأنّ الإشراق لا بد أن يأتي فيمسحَ ما فعلَهُ الغروب من تعبٍ على جباهِ المشتاقين.
الإنسان قبطانُ سفينتهِ في هذا البحر الواسع، وفي بحر الحياة، ولا يُعينُه على مهمّته هذه إلا الإرادة التي ينبغي أن يوجهها إلى الصواب، هذا ما يوحيه البحر مع كل باخرةٍ تمشي في ثناياه، ومع كل سفينةٍ تريد أن تُغامرَ بحياتها على متنهِ، فلا يغفر البحر زلّات المخطِئين في حقّه، ولا يتجاوزُ عن الجاهلين بمهاراتِ الغوصِ بين طيّات أمواجه إلا بعد أن يجعلهم طعامًا للكائنات التي يرعاها في أعماقه، وكيف لذلك ألا يزيد هيبة البحرِ، وخوف الإنسانِ منه؟
البحر أزرق الحرية
لطالما رمز الإبحارُ للحرية، فما يمنحني إياه هذا البحرُ من المعاني يجعلُ العالم كله في قبضتي، أسيرُ في خضمّهِ بقاربي وتتلاشى الفوارقُ بيني وبين الأمل الذي رسمتُه منذ زمنٍ بعيد على لوحِ السماءِ الأزرق، فينعكسُ عليها وجهي الباسم، وتعطيني الحياة أجملَ ما لديها من الحبّ ، إنني أمنحُ البحر عطاء روحي بما يوحيه لي من أسرار، ويمنحني عطاؤه بما أوحيهِ له من بَذلٍ وسخاءٍ، فيحملني الأثيرُ على بساطِ الخُلدِ إلى أسمى الأماني، وتجعلني غيمة بيضاء في قبضتها، لأتنقّل بين الغيم بما أحمله في قلبي من معاني الحبّ والحريّة.
يقيّدني الواقع، وضحكة واحدة من البحر تفكّني من أسري، ويحرمني الواقع من أمنياتي، فيمنحني البحر جسرًا نحو النجوم ، وتمنعني البروق والرعود من تحقيق حُلمي، فيُمضي لي البحر على أوراقي بالقبول، ويحملني إلى سفرٍ جديدٍ، حيث الأمل والعطاء المتجدد والرغبة في الحياة، فكيف لا أجعل البحر رمزًا لحريّتي؟ وكيف لا يكونُ اللون الأزرقُ مساحة الأمنِ والأمانِ في كل نفسٍ تبحثُ عن طبيب؟ وكيف لا يكون انعكاسُ السماءِ مكان الأحلام لكل متأمّل؟
أيها البحر الممتد ما بيني وبين غمامِ أمنياتٍ لا يمكنُ سَبرُ أغوارها إلا من ثقوبٍ تطلُّ على الغيب، لا بدّ لك أن تُخبرها بقدومي، وبأنني أمشي على جسركَ الذي صنعته لي فوق الماء لكي أصل يومًا ما، ولا بد أن تعلم تلك الأمنيات أني لا أملكَ غيرها لتنير لي الطريق، ولا أملك غير البحر لأبوح له بكل ما أريدُ، بل بكل ما أملكُ، لأنهُ السرُّ الوحيد الذي يجعلني في مكانٍ قريبٍ من أمانيَّ التي لا بد أن تتحقق يومًا ما، لا سيما أنَّ أجلَّ تلك الأماني في بلادي هي الحريّة .
لقراءة المزيد، انظر هنا: عبارات جميلة عن البحر .