أفضل قصيدة عن الأم
طيف نسميه الحنين
في الركن يبدو وجه أمي
لا أراه لأنه
سكن الجوانح من سنين
فالعين إن غفلت قليلاً لا تري
لكن من سكن الجوانح لا يغيب
وإن تواري مثل كل الغائبين
يبدو أمامي وجه أمي كلما
اشتدت رياح الحزن وارتعد الجبين
الناس ترحل في العيون وتختفي
وتصير حزنا في الضلوع
ورجفة في القلب تخفق كل حين
لكنها أمي
يمر العمر أسكنها وتسكنني
وتبدو كالظلال تطوف خافتة
على القلب الحزين
منذ انشطرنا والمدي حولي يضيق
وكل شيء بعدها عمر ضنين
صارت مع الأيام طيفاً
لا يغيب ولا يبين
طيفاً نسميه الحنين
في الركن يبدو وجه أمي
حين ينتصف النهار
وتستريح الشمس
وتغيب الظلال
شيء يؤرقني كثيراً
كيف الحياة تصير بعد مواكب الفوضي
زوالاً في زوال
في أي وقت أو زمان سوف تنسحب الرؤي
تكسو الوجوه تلال صمت أو رمال
في أي وقت أو زمان سوف نختتم الرواية
عاجزين عن السؤال
واستسلم الجسد الهزيل، تكسرت
فيه النصال على النصال
هدأ السحاب ونام أطيافاً
مبعثرة على قمم الجبال
سكن البريق وغاب
سحر الضوء وانطفأ الجمال
حتي الحنان يصير تذكاراً
ويغدو الشوق سراً لا يقال
في الركن يبدو وجه أمي
ربما غابت ولكني أراها
كلما جاء المساء تداعب الأطفال
إلى أمي
أحنّ إلى خبز أمي
وقهوة أمي
ولمسة أمي
وتكبر في الطفولة
يوماً على صدر يوم
وأعشق عمري لأني
إذا متّ،
أخجل من دمع أمي
خذيني، إذا عدت يوماً
وشاحاً لهدبك
وغطّي عظامي بعشب
تعمّد من طهر كعبك
وشدّي وثاقي
بخصلة شعر
بخيط يلوّح في ذيل ثوبك
عساي أصير إلها
إلها أصير
إذا ما لمست قرارة قلبك
ضعيني، إذا ما رجعت
وقوداً بتنور نارك
وحبل غسيل على سطح دارك
لأني فقدت الوقوف
بدون صلاة نهارك
هرمت، فردّي نجوم الطفولة
حتى أشارك
صغار العصافير
درب الرجوع
لعشّ انتظارك
خمس رسائل إلى أمي
صباحُ الخيرِ يا حلوه
صباحُ الخيرِ يا قدّيستي الحلوه
مضى عامانِ يا أمّي
على الولدِ الذي أبحر
برحلتهِ الخرافيّه
وخبّأَ في حقائبهِ
صباحَ بلادهِ الأخضر
وأنجمَها، وأنهُرها، وكلَّ شقيقها الأحمر
وخبّأ في ملابسهِ
طرابيناً منَ النعناعِ والزعتر
وليلكةً دمشقية
أنا وحدي
دخانُ سجائري يضجر
ومنّي مقعدي يضجر
وأحزاني عصافيرٌ
تفتّشُ بعدُ عن بيدر
عرفتُ نساءَ أوروبا
عرفتُ عواطفَ الإسمنتِ والخشبِ
عرفتُ حضارةَ التعبِ
وطفتُ الهندَ، طفتُ السندَ، طفتُ العالمَ الأصفر
ولم أعثر
على امرأةٍ تمشّطُ شعريَ الأشقر
وتحملُ في حقيبتها
إليَّ عرائسَ السكّر
وتكسوني إذا أعرى
وتنشُلني إذا أعثَر
أيا أمي..
أيا أمي..
أنا الولدُ الذي أبحر
ولا زالت بخاطرهِ
تعيشُ عروسةُ السكّر
فكيفَ.. فكيفَ يا أمي
غدوتُ أباً
ولم أكبر؟
صباحُ الخيرِ من مدريدَ
ما أخبارها الفلّة؟
بها أوصيكِ يا أمّاهُ
تلكَ الطفلةُ الطفله
فقد كانت أحبَّ حبيبةٍ لأبي
يدلّلها كطفلتهِ
ويدعوها إلى فنجانِ قهوتهِ
ويسقيها
ويطعمها
ويغمرها برحمتهِ
وماتَ أبي
ولا زالت تعيشُ بحلمِ عودتهِ
وتبحثُ عنهُ في أرجاءِ غرفتهِ
وتسألُ عن عباءتهِ
وتسألُ عن جريدتهِ
وتسألُ حينَ يأتي الصيفُ
عن فيروزِ عينيه
لتنثرَ فوقَ كفّيهِ
دنانيراً منَ الذهبِ
سلاماتٌ
سلاماتٌ
إلى بيتٍ سقانا الحبَّ والرحمة
إلى أزهاركِ البيضاءِ.. فرحةِ "ساحةِ النجمة"
إلى تختي
إلى كتبي
إلى أطفالِ حارتنا
وحيطانٍ ملأناها
بفوضى من كتابتنا
إلى قططٍ كسولاتٍ
تنامُ على مشارقنا
وليلكةٍ معرشةٍ
على شبّاكِ جارتنا
مضى عامان يا أمي
ووجهُ دمشقَ،
عصفورٌ يخربشُ في جوانحنا
يعضُّ على ستائرنا
وينقرنا
برفقٍ من أصابعنا
مضى عامانِ يا أمي
وليلُ دمشقَ
فلُّ دمشقَ
دورُ دمشقَ
تسكنُ في خواطرنا
مآذنها تضيءُ على مراكبنا
كأنَّ مآذنَ الأمويِّ
قد زُرعت بداخلنا
كأنَّ مشاتلَ التفاحِ
تعبقُ في ضمائرنا
كأنَّ الضوءَ، والأحجارَ
جاءت كلّها معنا
أتى أيلولُ يا أماهُ
وجاء الحزنُ يحملُ لي هداياهُ
ويتركُ عندَ نافذتي
مدامعهُ وشكواهُ
أتى أيلول أينَ دمشقُ؟
أينَ أبي وعيناهُ
وأينَ حريرُ نظرتهِ؟
وأينَ عبيرُ قهوتهِ؟
سقى الرحمنُ مثواهُ
وأينَ رحابُ منزلنا الكبيرِ
وأين نُعماه؟
وأينَ مدارجُ الشمشيرِ
تضحكُ في زواياهُ
وأينَ طفولتي فيهِ؟
أجرجرُ ذيلَ قطّتهِ
وآكلُ من عريشتهِ
وأقطفُ من بنفشاهُ
دمشقُ، دمشقُ
يا شعراً
على حدقاتِ أعيننا كتبناهُ
ويا طفلاً جميلاً
من ضفائره صلبناهُ
جثونا عند ركبتهِ
وذبنا في محبّتهِ
إلى أن في محبتنا قتلناهُ
العيش ماض، فأكرم والديك به
العيشُ ماضٍ، فأكرِمْ والدَيكَ بهِ،
- والأُمُّ أوْلى بإكرامٍ وإحسانِ
وحَسبُها الحملُ والإرضاعُ تُدْمِنُهُ،
- أمرانِ بالفَضْلِ نالا كلَّ إنسانِ