موضوع إنشائي حول التسامح
مفهوم التسامح في الإسلام
التسامح في اللغة: يدلّ على السلاسة والسهولة، وهو يأتي بمعنى الجود والكرم وفقًا لمعاجم اللغة، وهو من السماحُ والسماحة: الجود، وسَمَحَ وأسمَحَ في حال كان جوادًا وأعطى عن كرمٍ وسخاء، والمُسامحة هي المُساهلة، والتسمُّح يعني: فعل الشيء مع التساهل.
التسامح في الاصطلاح: احتمال عقائد وأفكار الآخرين وأعمالهم بالرغم من بُطلانها في رأينا، متجنبين الظنون التي تُثير آلامهم، مع الحرص على مراعاة أحاسيسهم وعواطفهم، وألّا نصرفهم عن عقائدهم بالجبر والإكراه أو حتى منعهم لكل ما يقومون به.
أنواع التسامح
إنّ للتسامح أنواعًا متعددةً؛ فمنها ما يكون في الدين، ومنها ما يكون في الحياة الاجتماعية، ومنها ما يكون تسامحًا وفقًا للأعراق، وتوضيح ذلك فيما يأتي:
التسامح الديني
يتجلّى التسامح الديني في الشعوب التي لا تدين بديانة الإسلام وإنّما يخضعون لتشريعاته وقوانينه، فهم يتمتعون بمبدأ التسامح بالرغم من اختلاف دياناته، كما يمتلكون أيضًا الحريات الكاملة جنبًا إلى جنب مع المسلمين كافةً، ويحترمون الدولة التي احتضنتهم وضمنت حقوقهم.
أخذ الدين الإسلامي على عاتقه حماية حريات أصحاب الديانات الأخرى والذود عنها، شريطة التزامهم بقوانين الدولة وعدم تعديهم على المسلمين فيها أو صد الناس عن دينهم وإلحاق الضرر بهم، أو تجاوز الحدود الشرعية، وعدم تناول المنكرات، وقد قال تعالى: "لا إكراه في الدين"
التسامح الاجتماعي
إنّ التوافق بين الأفراد كافة أمر مهمّ وضروري في جعل التعايش بينهم أمرًا صحيحًا وسليمًا للغاية، بعيدًا عن الباطل والشر والفساد والضرر، ولا يكون ذلك إلا بقيام العلاقات على أساس من الفطرة السليمة المُحبة للخير والكارهة للشر، والإقبال إلى الحق والتكاتف والتعاضد فيما بينهم، فالتسامح لا يقوم إلا على العقيدة التي تصون قيمهم وتُهذب ضمائرهم كافة.
التسامح العرقي
يُعرف التسامح العرقي بأنّه تقبل الآخرين دون الالتفات إلى الاختلافات بينهم من لون وجنس، ويعني نبذ التمييز العنصري بأشكاله كافة، قد يظن الكثيرون أنّ التسامح هو دليل ضعفٍ وقلة حيلة، ولكن ما لا يعلمونه أنّه يعني الحكمة والتعقُل في التعامل مع الآخرين خاصةً أولئك الذين ينتمون لأعراق أخرى.
ينبغي على المرء حمل روح المحبة الأصيلة، وبالتالي التخلي عن الروح والمشاعر العدوانية تجاه الآخرين، وألّا يتعصب لجنسه ودينه وأفكاره، بل يتقبل الآخرين كما هم، خاصةً أنّ الأنبياء والمصلحين والمؤمنين دعوا إلى التسامح، وذاقوا المُر في سبيله وفي سبيل نبذ التعصب والعنف تجاه الأديان والأجناس الأخرى.
فذلك يُولد العنف والمشاعر السلبية، كما نهت الشريعة الإسلامية عن التعصب للعرق والقبيلة، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: " أيُّها الناسُ إنَّ ربَّكمْ واحِدٌ ألا لا فضلَ لِعربِيٍّ على عجَمِيٍّ ولا لِعجَمِيٍّ على عربيٍّ ولا لأحمرَ على أسْودَ ولا لأسودَ على أحمرَ إلَّا بالتَّقوَى إنَّ أكرَمكمْ عند اللهِ أتْقاكُم".
فوائد التسامح للفرد والمجتمع
إنّ للتسامح العديد من الفوائد والآثار التي تعود على الفرد والمجتمع بالخير الكثير، وهي على النحو الآتي:
- صفاء النفوس
من أهم قصص التسامح والاعتراف بالخطأ في الإسلام قصة يوسف -عليه السلام- وإخوته، القصة التي عملت على تأصيل التسامح، وأعطت دروسًا قيِّمة، خاصةً وأنّ النفوس التي كانت تمتلك حقدًا وغيرةً ونوايا سيئة اعترفت بخطئها، وأقرت بالفضل العظيم ليوسف -عليه السلام-.
- التواصل المفيد مع الآخرين
يُفسح التسامح المجال أمام أفراد المجتمع كافة الفرصة للتواصل الصحيح مع الآخرين في المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والمعرفية، ممّا يُسهم في تحقيق الكثير من المصالح المهمة، والتي تُفيد المجتمع ككل والإنسانية كافة؛ فلا تنتشر بينهم الكراهية والبغضاء.
- إعمار الأرض
يُحقّق التسامح إرادةَ الله عز وجل في الكون وهي إعماره، والدعوة إلى دينه جل وعلا، كما أنّه يُظهر ما عند المرء من مبادئ وتصورات ومعتقدات يُدافع عنها، إلى جانب تقبل الآخرين كما هم، وعدم الاستهزاء بهم أو الاستخفاف بقدراتهم مهما حصل والعودة للتسامح في أغلب الأوقات.
- إقامة المجتمع المدني
من فوائد التسامح إقامة مجتمع مدني متسامح ومتعاون، بالرغم من الاختلاف فيما بينهم، علمًا أنّ هذا الاختلاف من الضروريات التي أشار لها القرآن الكريم؛ فهو من الأمور الحتمية التي لا بُد من وجودها ليعيش الفرد بإرادة وحريته، وبالطريقة التي يرغب بها.