مهارة حل المشكلات بطرق إبداعية
تعريف مهارة حَلّ المشكلات
تُواجه الفرد عدّة مُشكلات في مختلف مراحل الحياة، وهي تتفاوت في حجمها، وأهمّيتها، وأولويّتها، بالإضافة إلى طُرُق إدراكها، وأساليب السَّعي إلى حَلّها، ففي الوقت الذي تتكرَّر فيه المشكلة ذاتها، فإنّه قد يتوجَّب حَلّها بطُرق مختلفة؛ تِبعاً للسياق، وفي كثيرٍ من الأحيان يقع الإنسان تحت ضغط العجلة لحَلّ مشكلة ما، ممّا قد يُفقِده فرصة فَهم تفاصيل المشكلة، وتأمُّل أفضل حَلٍّ لها.
تتزايد أهمّية إتقان مهارة حَلّ المشكلات مع تزايد واجبات، ومسؤوليّات الإنسان ؛ ففي القطاع الوظيفيّ لا يمكن الاستغناء عن مهارة حَلّ المشكلات، وكونها مهارة أمرٌ يترك الباب مفتوحاً أمام كلّ من يرغب في اكتسابها، وتفعيلها على المستوى الشخصيّ، والأُسريّ، والوظيفيّ؛ حيث إنّها من المهارات التي تُفضَّل الإشارة إليها في السيرة الذاتيّة ، وحتى أثناء المقابلة الشخصيّة، فأرباب العمل عادة ما يبحثون عمَّن يُعبِّر عن مهاراته، ونقاط قوّته، ويُثبت قدراته، وجاهزيّته؛ لتقديم الحلول، والمُبادرة، والتعاون أكثر ممّن يبتكرُ المشكلات، ويبني العوائق، ويُراكم الصعوبات أمام سَير العمل ، والإنجاز.
خطوات حَلّ المشكلات بطُرق إبداعيّة
تتغيَّر وجهة النظر نحو المشاكل التي تعترض طريق الفرد على المستوى الشخصيّ، وعلى مستويات الدراسة، والعمل، والأسرة، عندما يتمّ الاعتقاد بأنّ هناك فرصة تكمن في داخل كُلّ مشكلة، حيث إنّ المشاكل لم تكن إلّا لتُحَلّ، علماً بأنّ من الخطوات التي تساعد على حَلّ المشاكل، خاصّة في مجال العمل ، ما يلي:
تحديد المشكلة وتحليلها
أشار أحد المُستشارين في مجال حلول المشكلات بالطُّرق الإبداعيّة، وهو توماس ويديل، إلى أنّ الخطوة الأولى في حلّ أيّة مشكلة هي محاولة تحديدها، وإعادة النظر فيها، وقد تُعتبَر هذه الخطوة من أكثر الخطوات التي يُهملها الناس عند مواجهة مشكلاتهم، كما يتابعُ المُستشار توماس القول بأنّ معظم الناس يقفزون إلى البحث عن الحلّ دون التأمُّل للحظة في ماهيّة المشكلة، وسؤال أنفسهم (هل هذه هي المشكلة حقّاً؟)، ولذلك فإنّ إهمال تحليل المشكلة، وفَهم طبيعتها، وحجمها، ومدى تأثيرها، وعدد مرّات تكرارها، قد يُشتِّت الجهود عن مسارها، ويفتح المجال أمام ظهور مشاكل أخرى.
البحث عن أسباب المشكلة
إنّ التعرُّف على أسباب المشكلة جزء لا يتجزَّأ من خطوات حَلّها؛ فمُعالجة الأسباب، وتحسينها، يُنبِّئ بضمان عدم تكرار المشكلة، ومن المُهمّ في هذه الخطوة جَمع المعلومات، والأفكار، خصوصاً من الأشخاص الذين لم يقع عليهم التأثير البالغ جرّاء المشكلة، حيث قد يكون هذا الشخص صديقاً، أو زميلاً، أو مديراً في العمل، فالبحث يشمل أكبر قَدر مُمكن، بالإضافة إلى أنّه لا غنى عن تدوين الإجابات، والنصائح الواردة من الأشخاص حول المشكلة، أمّا المشاكل العميقة، فيجدر التشاوُر حولها؛ حتى يتمّ تمييز أولويّتها، حتى وإن تعدَّدت، إذ إنّ لدور الفرد أثره البالغ في الفريق، ومن الأسئلة التي قد تساعد على فَهم أسباب المشكلة:
- ما هي مظاهر وجود المشكلة، وكيف تتم المشكلة؟
- أين حدثت المشكلة، ومتى كان ذلك؟
- مع مَن حدثت، أو تكرَّرت المشكلة؟
- لماذا تحدث المشكلة، وكيف يكون وَصفها؟
تحديد البدائل المُتوفِّرة لحلّ المشكلة
إنّ المُضِيَّ قُدُماً؛ لإيجاد البدائل، و فَهْمها، يتطلَّب مُمارسة العَصف الذهنيّ في محاولة؛ لإيجاد أكبر قَدر مُمكن من الأفكار، والاقتراحات، دون إهمال أيّة فكرة، أو انتقادها، وجَمع الأفكار في العَصف الذهنيّ يتبعُه تقييم إجماليّ لها، واختيار الأكثر مُلاءمة من بينها.
وضع خطة لتطبيق أفضل البدائل
لدى مقارنة البدائل، والحلول المُقترَحة، يجب اعتماد المنهجيّة الأنسب؛ للبدء بخطوات تنفيذها، بحيث يتمّ اختيارها؛ لتتماشى على المدى الطويل، ممّا يُؤدّي إلى ضمان عدم تكرار المشكلة، مع التأكُّد من واقعيّة خُطّة الحلّ المُرتقَب، وتوفُّر مواردها، ومُتطلَّباتها، من وقت، وجُهد، ومال، بالإضافة إلى دراسة حجم المخاطر المَنوطة بتنفيذ منهجيّة الحَلّ، والتفكير بمآلاتها؛ أي كيف سيبدو العمل بعد الانتهاء من حلّ المشكلة؟، ولضمان نجاح تنفيذ الخطّة ، فإنّه لا بُدّ من توزيع المسؤوليّات، وإحصاء الموارد، والوقت المطلوب، وجدولة المَهامّ زمنيّاً، مع توضيح مُؤشِّرات نجاح الخُطّة ، وتفصيلها.
مُراقبة تطبيق الخُطّة
تجري عمليّة المُراقبة وِفق مسارَين رئيسيَّين: أوّلهما تتبُّع تنفيذ مُؤشِّرات نجاح الخُطّة، وثانيهما التأكيد على تنفيذ الخُطّة وِفق الجدول الزمنيّ المُعَدِّ لها، أمّا إن لم يتمّ إنجاز المسارَين معاً، فالأحرى أن تُعاد مُراجعة واقعيّة الخُطّة، بالإضافة إلى مراجعة كفاية مواردها، ومدى الأولويّة المُخصَّصة لها.
التحقُّق من فعاليّة ونجاح خُطّة الحلّ
يتمّ التحقُّق من نجاح خُطّة الحلّ بعد إتمام تنفيذها، بحيث يعود سَير بقيّة العمليّات، والأنشطة بأسلوب سَلِس، ومُيسَّر، دون عوائق، أو عقبات، وهنا من الأفضل الاستفادة من تجربة الحلّ، واستثمارها؛ لضمان عدم تكرار مثل تلك المشاكل، واستخلاص الفوائد منها، وتلخيصها، وتدوينها؛ حتى تكون مَرجعيّة مُختصَرة في حال تكرار المشكلة.
الاستراتيجيّات المُتَّبعة في حَلّ المشاكل
إنّ فَهم الاستراتيجيّات التي تُؤسَّس عليها منهجيّة حلّ المشكلات من شأنه أن يساهم في تحقيق التوازُن، والتعامُل السليم في مواقف الضغوطات ، وهو أمرٌ يزيد من فاعليّة، وانسجام الأفراد المُتخصِّصين في إعداد، وتنفيذ خُطَط الحلول، ومن أهمّ تلك الاستراتيجيّات ما يلي:
- التفكير التباعُديّ (بالإنجليزيّة: Divergent Thinking): تتطلَّب هذه الاستراتيجيّة مجموعة من المهارات، وهي مُصمَّمة؛ لتنمية المقدرة على توليد، وابتكار الأفكار الجديدة، والمُتنوِّعة، حيث يُفضَّل استخدام العصف الذهنيّ؛ لجَمع أكبر عدد مُمكن من الأفكار المُقترَحة دون الحُكم عليها، أو تقييمها، ويتمّ ذلك خلال فترة زمنيّة قصيرة، مع ضرورة تقبُّل الأفكار المطروحة كلّها، وتدوينها؛ لمناقشتها، وتصفيتها لاحقاً، وهذا بلا شَكّ يتطلَّب قَدْراً من المرونة، والتفاعُل الإيجابيّ؛ لتقبُّل الأفكار؛ فمحاولة ابتكار حلول إبداعيّة تستدعي تنوُّع الخيارات، وضمان اختيار أفضلها، أو دَمجها؛ لتكوين منظومة حلول مُتكامِلة دون الخروج عن محور فكرة البحث.
- التفكير التقارُبيّ (بالإنجليزيّة: Convergent Thinking): يرتكز نجاح هذه الاستراتيجيّة على آليّة جَمْع البيانات، وشكل تدوينها كخطوة أولى؛ لأنّها ستُستخدَم كحجر أساس لبناء هذه الاستراتيجيّة، إذ تهدف إلى تلخيص المُقترَحات، واختيار المُقترَح الأفضل، أو دَمْج أكثر من خيار، وتوزيعها بناءً على خُطّة مرحليّة مُنظَّمة، حيث يمكن قياس مدى المقدرة على تنفيذ التفكير التقارُبيّ من خلال مدى دقّة المعايير، والأهداف التي يتمّ انتقاء أفضل المُقترَحات التي تتعلَّق بها، علماً بأنّ هذه الاستراتيجيّة تتطلَّب أيضاً التحلِّي بالموضوعيّة، والصبر، والإيجابيّة، والمُثابَرة، والوضوح، فليست الأفكار كلّها قابلةً للتطبيق الفوريّ، ولا الأفكار المُقترَحة تكون كلّها مرفوضة.
أساليب تقوية مهارة حَلّ المشكلات بطُرُق إبداعيّة
يعتمدُ الإنسان على مهاراته في تنمية إنجازه، وفاعليّته في الأسرة، والعمل، والمجتمع، وعلى المستوى الشخصيّ، حيث تحتاج المهارات دوماً إلى ما يُقوِّيها، ويصقل تفاصيلها؛ حتى يصل صاحبها إلى احترافها، وإتقان تطبيقها، ومن الأساليب المُتَّبعة؛ لتنمية مهارة حلّ المشكلات ما يلي:
- التدرُّب على ممارسة العصف الذهنيّ، وبناء الخرائط الذهنيّة.
- اتِّباع نَهج التساؤل (ماذا لو) في محاولةٍ؛ لاختبار فعاليّة الحلول المُقترَحة ضمن الأطروحات المُتعدِّدة.
- الاحتفاظ بمُدوَّنة؛ لتسجيل الأفكار الإبداعيّة حتى وإن بَدَت بعيدة عن الحلول الأكثر منطقيّة؛ إذ إنّ الاحتفاظ بها يُمكِّن الفرد من الرجوع إليها.
- مساندة الألغاز المنطقيّة، ومُمارسة بعض الألعاب التي تُنمِّي التفكير المنطقيّ، وتُحفِّز النشاط الذهنيّ.