مهارات الالقاء الجيد
فن الإلقاء قديماً
تمّ تأليف أول كتابٍ في فن الإلقاء من قِبَل (أرسطو) وسمّاه كتاب (الخطابة)، وقديماً كان الخطيب إذا أراد أن يخطب بالناس وقف على قدميه، فإن كانوا في العراء، فإنّه يقف على منطقةٍ مرتفعةٍ من الأرض، أو يصعد إلى راحلته، ويخطب عليها، والمقصود من ذلك أنّ على الخطيب إذا أراد إلقاء شيءٍ على النّاس جميعاً أن يروه، وكان يعتمد في ذلك على الارتجال، وترتيب الأفكار، وتحدي المستمعين؛ حيث يعتمد على قوّته في الإلقاءِ، واختيار الألفاظ القوية، واستحضار الصور، والتشبيهات البلاغيةِ والبيانيةِ، وأشهر خطباء الجاهلية هو قسّ بن ساعدة الإيادي.
مفهوم الخطابة
تُعتبر الخطابة من الفنون الهامة التي تتعامل مع الجانب العقلي والعاطفي للإنسان، فهي فن الإقناع والاستمالة؛ لأنّها تُركز على العاطفة بصورةٍ واضحةٍ، وهي اتصالٌ بالآخرين من جهةٍ واحدٍة، فالخطيب يوصل مجموعةً من المعلومات والمفاهيم للجمهور المستمع له بأسلوبٍ مقنعٍ ومؤثرٍ، ولذلك فإنّ الإقناع والتأثير يُعتبران أهمّ غايةٍ في الخطابة والمحور الرئيسي له. قال تعالى: (وَعِظْهُمْ وَقُل لَّهُمْ فِي أَنفُسِهِمْ قَوْلًا بَلِيغًا)
تعريف الإلقاء
الإلقاء هو مجموعةٌ من الكلمات المنثورة، التي يخاطب بها المتكلم جمعاً من المستمعين؛ بهدف إقناعهم والتأثير فيهم، وقال العلماء: هو فن مشافهة الجمهور لمحاولة استمالتهم و التأثير عليهم، وأمّا المقصود من قولهم فن: فهو علمٌ قائمٌ على مجموعةٍ من القواعد، والأصول، والأساليب، والمفاهيم، فلا بدّ للشخص من تعلّمها، وممارستها، والتعوّد عليها، والمشافهة تعني: أنّ فنّ الإلقاء يُوجّه إلى المستمعين مباشرةً بدون واسطة، فالأصل فيه ارتجال الشخص مع الإعداد المسبق، وأما التأثير، والاستمالة الموجود في هذا التعريف، فيُقصد به الإقناع الذي هو الهدف من الخطابة، فعلى الخطيب أن يكون قادراً على استمالة الأشخاص، ومعرفة كيفية توجيه عواطفهم، والتأثير بمشاعرهم، وهذا أساسٌ مهمٌّ من أسس فنّ الإلقاء.
مهارات الإلقاء الجيد
لفن الإلقاء مهاراتٌ عديدةٌ على الفرد معرفتها واتقانها؛ لما لهذا الفن من أهميةٍ كبيرة، منها ما يلي:
مهارات الإلقاء عند الغامدي
ذكر ماجد بن جعفر الغامدي بعضاً من المهارات التي تجعل الفرد يتميز بالإلقاء الجيد منها:
- الإخلاص: على من أراد أن يُقدِم على عملٍ ما أن يُخلص في هذا العمل، ويقصد به وجه الله سبحانه وتعالى، والإلقاء من أهم الأعمال التي يجب تحدي الإخلاص فيها، فهو فن التأثير بالآخرين واستمالتهم، ولذلك يجب أن تكون هذه الاستمالة في الخير، ودليل ذلك قول الرسول صلّى الله عليه وسلم: (مَن تعلَّم عِلمًا ممَّا يُبتَغى به وجهُ اللهِ لا يتعلَّمُه إلَّا لِيُصيبَ به عرَضًا مِن الدُّنيا لَمْ يجِدْ عرْفَ الجنَّةِ يومَ القيامةِ)، وممّا يُعين الشخص على الإخلاص في العمل كثرة الدعاء، والتضرع إلى الله بأن يجعل عمله صالحاً متقبّلاً خالصاً له سبحانه، وأن يُوفّقه الله ليكون لعمله بالغ الأثر في نفوس الآخرين.
- معرفة الخطيب لجمهوره: فالخطيب يجب أن يكون على معرفةٍ بالقيم والمبادئ التي يحملها الجمهور المستمع، ومدى الثقافة التي يتميزون بها، ودرجة العلم التي هم بالغوها، وأهمية الموضوع بالنسبة لهم، وإن كان سيترك صدىً لهم أم لا، كذلك عليه الإحاطة بالمشكلات، فالقاعدة تقول: (شكّل حديثك حسب جمهورك)، وعدد الجمهور له دورٌ مهمٌ في تحديد الطريقة التي يتّبعها الملقي في إلقائه، فإن كان عدد الجمهور قليل، فهذا يعني أنّ الانتباه سيكون أكثر، والأمثلة والأسئلة التي يستعملها الملقي ستكون مباشرة، والاتصال بها يكون عن طريق العين، أما إن كان العدد كبيراً، فحدوث السّرحان والهمس مع الجار سيكون وارداً، والتشتت موجوداً، وفي هذه الحالة على الملقي أن يربط النقاط ببعضها، ويعمل على تكرار النقاط المهمة؛ للمحافظة على تركيز الجمهور وحضور انتباهه الذهني.
- الهدف: يغفل الكثيرون عن تحديد الهدف الذي دفعهم للقيام بعملهم، أو الذي دفعهم للتحدث إلى الآخرين، فإذا كان لدى الشخص هدف واضح أصبحت عملية الإلقاء أمام الآخرين عمليةً سهلةً ويسيرة، ويكمن الذكاء هنا في جعل هدف الملقي الرئيسي أن يعرف الجمهور أمراً جديداً لم يعرفهُ من قبل، ويجعلهُ يُفكّر فيه، ويشعر به أثناء الإلقاء، يقول دايل كارنيجي: (إنّ التحضير يعني التفكير والاستنتاج والتذكر، واختيار ما يعجبك، وصقله، وجمعه في وحدة فنّيّة من صنعك الخاص).
مهارات الإلقاء عند طارق سويدان
ذكر سويدان مجموعة من مهارات الإلقاء في كتابهِ فن الإلقاء الرائع، منها:
- كن طبيعياً: من صفات الخطيب الذي يتميز بالإلقاء الجيد أن يكون على سجيته، فلا يتكلف في صفاته، وحركاته، فهو لا يقلدُ غيره، في الصوت أو النبرة، أو اللبس، ولا يتحرك حركةً تُشتت انتباه المستمعين، وعليه ألا يُكثر من استخدام الأشعار في عباراته، بل يستخدمها إن لزم الأمر، يقول دايل كارنيجي: (تطلع إلى الشرارة الوحيدة في شخصيتك، التي تُميزك عن سائر الناس).
- الثقة بالنفس : على الخطيب إن كان يسعى للتميز أن يثق بنفسه أولاً، وبما يقول ثانياً، وهذه الثقة يجب أن تظهر على أفعالهِ وأقواله، إلّا أنّها لا تصل إلى درجة الغرور، ومن الأمور التي تُعين الشخص على الثقة بالنفس، أن يتغلّب على القلق والتوتر لديه، وأن يتوكل على الله سبحانه وتعالى في عمله، وعليه ألا يُرهق نفسه قبل الإلقاء، فالاستعداد البدني له أهميةٌ كبيرة، وأن يثق بما لديه من قدرات، وخصوصاً في الموضوع الذي سيتحدث عنه، وأنّه مُلمٌّ به من كافة جوانبه، يقول بوب جيري ولد: (تحدث وكأنك تُخاطب شخصاً واحداً، وافعل ذلك حتى لو كنت تتحدث للمئات في نفس الوقت).
مهارات الإلقاء عند نيدو كوبين
بيّن كوبين أنّ المتحدث البارع يجب أن يتّبع أساليب جذب انتباه الجمهور لحديثه ليكون الإلقاء جيداً، وعليه أن يستخدم العديد من العبارات الفنية ليُقرّب الصورة التي يُريدها إلى أذهان مستمعيه، وهناك أربع وسائل وأساليب تساعده على ذلك، وهي:
- التكرار: يُفيد تكرار المعلومة أو العبارات التي يستخدمها المُلقي في تثبيت كلامهِ في أذهان مستمعيه؛ إلا أنّه يجب مراعاة أنّ يكون تكرارها بأسلوبٍ مختلفٍ، وبصياغةٍ جديدةٍ عن السابق، وهي وسيلةٌ قويةٌ من وسائلِ التعلّم.
- التعزيز: يُستخدم أسلوب التعزيز في الحديث لتثبيت المعلومةِ لدى المستمعين، وتأتي على أشكالٍ مختلفةٍ، منها ما هو لفظي، ومنها ما هو بصري، ومن الممكن أن تُقدَّم على شكلِ صورٍ توضيحية، أو بيانات داعمة.
- التغذية الراجعة: وهذه العملية تسمح للمتحدث معرفة وإدراك حقيقة فهم الجمهور للصورة التي عبّر عنها في عباراته، هل تم فهمها أم لا، أو أنّ الطريقة التي استخدمها في الحديث قد أوصلت الفكرة لهم بصورتها الصحيحة.
- التطبيق: طريقة التطبيق قد تكون أكثر الطرق فعالية في فهم الجمهور للصورة التي يُريدها المتحدث، ويقصدها من عباراتهِ، فهي تجعل الجمهور مُشاركين مع المتحدث في الموضوع الذي يناقشهُ، فتتقرب المعاني، والصور إلى أذهانهم، وقد لا ينساها الجمهور إلى الأبد.
مهارات الإلقاء عند بيترج دين
ذكر بيترج دين مهارات يجب تذكرها وأخذها بعين الاعتبار، وهي:
- تعابير الوجه: فمن الجيد للمتحدث استرخاء عضلات وجهه، وأن تكون هذه التعابير توافق مضمون ومحتوى الموضوع الذي يتم الحديث عنه.
- التواصل العيني: وهو النظر إلى المستمعين، بكلّ إخلاص، وأن تأخذ النظرة الواحدة ما لا يقل عن ثانيتين إلى ثلاث ثوانٍ.
- الإيماءات: استعمال الإيماءات والإشارات الدالة على الكلمةِ والعبارة التي ألقاها المتحدّث أثناء الحديث.
- وضعية الوقوف أو الجلوس: وتعني الوقوف بشموخٍ وقوة ، فلا يُظهر التصلب في وقفتهِ، أو أن يكون هزيلاً.
- الحركة الفيزيائية: وهي الحركة الطبيعية التي تُساعد المستمعين على الانتباه والتركيز ، وألّا تكون حركةً سريعةً تُشتت الأفكار لدى المستمعين.
- الاتزان ورباطة الجأش: وهذا الأمر يأتي مع الممارسة والتدريب، ولذلك على المتحدث أن يُراعي هذا الأمر بالإكثار من التدريب على الإلقاء أمام الآخرين.