من هو كليب بن ربيعة؟
نشأة كليب بن ربيعة وحياته
هو كليب بن ربيعة بن الحارث بن مرة التغلبيّ وكان سيدًا للبكريين والتغلبيين معًا، ولد كليب بن ربيعة وقد نشأ في كنف والده ولمس فيه ذكاء واضحًا، فاعتنى به وأقام على تربيته فعلّمه فنون القتال والحرب والوغى، وكان لكليب نسب مع واحد من عمال ملوك حمير؛ حيث تزوج من أخته فكان صهرًا له.
كان كليب عزيز النفس وينتصر لملوك مضر، فأساء ذلك زوج أخته فنهرها في أخيها وتساءل عن فعله في انتصار لأولئك فقالت أخته: "ما أعرف أعز من كليب وهو كفؤ لها" فضربها على وجهها.
ما كنت أحسب والحوادث جمة
:::أنّا عبيد الحي من قحطان
حتى أتتني من لبيد لطمة
:::فغشت لها من وقعها العينان
إن ترض أسرة تغلب ابنة وائل
:::تلك الدنية أو بنو شيبان
لا يبرحوا الدهر الطويل أذلة
:::هدل الأعنة عند كل رهان
فلما رأى كليب أثر اللطمة على وجه أخته وسمع مقالتها سار إلى لبيد وقتله، فوصل الأمر إلى ملوك اليمن أنّ قبيلة من القبائل قد قتلت عاملها، فجهزوا جيشًا عظيمًا فاستثار كليب حمية القبائل وجهزوا كذلك جيشًا عظيمًا، وبعد عدة وقعات تمكّنوا من الانتصار فصار كليب سيدًا على قومه، وتزوج بعد ذلك امرأة من البكريين حتى قُتل على يد جساس.
صفات كليب بن ربيعة
امتاز كليب بمجموعة من الصفات التي قلّ الرجال الذين تميزوا بها أو جمعوها ولعل من أهمها:
- الشجاعة
كان كليب شجاعًا مقدامًا لا يهاب الوغى ولا يجبن في الحروب، عدّته قبيلته واحدًا من الأبطال الأقلاء.
- الهيبة
لقد بلغت هيبة كليب شانًا عاليًا حتى على أبناء قومه، وقد بلغ به ذلك أن يحمي مواقع السحاب، فكان يقول كلّ ما تظله هذه السحابة فهو تحت حماي فلا يرعى فيه أحد.
- الأنفة والعزة
كان يأنف كليب أن تُوقد نار مع ناره أو أن يمرّ أي من الرجال بين بيوته، أو أن يُورد رجل إبله وإبل كليب تورد الماء.
كليب بن ربيعة شاعرًا
لم تقف الكتب على شعر كثير لكليب بن ربيعة، خاصّة أنّ الطابع الحربي كان هو المسيطر على حياة كليب بن ربيعة أكثر من الطابع الشعري، ولم تكن الأبيات التي يأتي على ذكرها سوى تمخض للنفس عن الموقف الذي يُعايشه، وما يأتي توضيح لذلك مدعم بالأمثلة:
- العزة
إنّ من أكثر الصفات التي تمتّعت بها شخصية كليب هي العزة والكرامة والحمية، فمثلًا لمّا استدعت أخته حميّته لما لطمها زوجها على وجهها قام فقتل زوجها مع أنّه كان ملكًا وكان من الممكن أن تجترّ عليهم حرب لا آخر لها، فقال من الشعر وقتها:
إِن يَكُن قَتَلنا المُلوكَ خَطاءً
:::أَو صَوابًا فَقَد قَتَلنا لَبيدا
وَجَعَلنا مَعَ المُلوكِ مُلوكًا
:::بِجِيادٍ جُردٍ تُقِلُّ الحَديدا
نُسعِرُ الحَربَ بِالَّذي يَحلِفُ النا
:::سُ بِهِ قَومَكُم وَنُذكي الوَقودا
أَو تَرُدّوا لَنا الإِتاوَةَ وَالفَي
:::ءَ وَلا نَجعَلُ الحُروبَ وعيدا
إِن تَلُمني عَجائِزٌ مِن نِزارٍ
:::فَأَراني فيما فَعَلتُ مُجيدا
- العطف
مع أنّ كليبًا كان يمتاز بشخصية جادة صلب، لكنّ العطف كان يعرف طريقًا إلى قلبه، وقد تجلى ذلك واضحًا في حمايته للصيد في بعض المناطق، فكان يقول صيد كذا في جواري، وتجلى ذلك في بعض من الأبيات قالها:
يا لَكِ مِن قُبَّرَةٍ بِمعمري
:::لا تَرهَبي خَوفًا وَلا تَستَنكِري
قد ذَهَبَ الصَيّادُ عَنكِ فَاِبشِري
:::وَرُفِعَ الفَخُّ فَماذا تَحذَري
خَلا لَكِ الجَوُّ فَبيضي وَاِصفِري
وَنفِّري ما شِئتِ أَن تُنَفِّري
:::فَأَنتِ جاري مِن صُروفِ الحَذَرِ
:::إِلى بُلوغِ يَومِكِ المقَدَّرِ
كليب الملك وقبائل معد
لمّا أجمعت العرب أمرها على أن يكون قسم الملك والتاج كليب اتفقوا كلهم على ذلك وأيدوا هذا الرأي، ومن عادة العرب ألّا يخرجوا على ملوكهم، فالمك هو الملك ولا رأي بعد رأيه، لكنّ ذلك قد أثر على كليب تأثيرًا بالغًا وداخله في نفسه زهو شديد حتى على أبناء جلدته وأقاربه وأولاد عمه.
وقد بغى في الأرض بغيًا عظيمًا حتى وصل به الأمر إلى أن يحمي مواقع السحاب، فكل أرض أشار إليها قد أظلتها سحابة فهي له فلا يرقب من حماها أحد ولا يرعى بها أي إنسان، واختصّ نفسه بكثير ممّا لم يختص به الملوك قبله أنفسهم.
وممّا بلغه من الأمر ألّا أحدًا يمر بين يديه في مجلسه إجلالًا له وتعظيمًا لأمره، ولا يحمي أحد من البكريين والتغلبيين إنسانًا ولا طيرًا ولا أرضًا إلا بإذنه، ولا يُورد أحد الإبل مع إبله، وكان يلتفت إلى ناحية فيقول وحش هذه الناحية في حماي فلا يقرب منه أحد.
حدث أن تزوج كليب من ابنة مرة وكان لمرة عشر أبناء من الرجال وابنته جليلة التي خطبها كليب بن ربيعة.
مقتل كليب وحرب البسوس
كان لمرة عشرة من الأبناء وكان أصغر أبنائه جساس وكانت جليلة تحبّه، فحدث أن دخل كليب مرة من المرات على جليلة فقال لها: هل تعرفين أحدًا أمنع منّي ذمة؟ فلم ترد عليه، فأعاد عليها السؤال فقالت له: نعم، أخي جساس، فغضب كليب بينه وبين نفسه ولكنه لم يحدثها بالأمر.
وحدث مرة أن كانت تُمشط له شعره فقال لها: مَن أعز من وائل؟ فقالت له: أخواي جساس وهمام، فنزع رأسه من يديها ومضى عنها، وكان لجساس خالة اسمها البسوس وكانت لهذه الخالة ناقة وفصيل وكانت قد نزلت في حمى جساس وأهله فلمّا خر كليب غاضبًا من قول زوجته رأى فصيل الناقة تلك فرماه بقوسه فقتله.
علم مرة وأبناؤه بذلك فأغمضوا عن ذلك خشية أن تكون الحرب، فعاد إلى بيته وأعاد السؤال على زوجته فكان جوابها مثل الأول فأضمر في نفسه وسكت عنها، فمرّ في إبله فوجد ناقة غريبة عنه فسأل عنها فقال هي للبسوس خالة جساس، فغضب غضبًا شديدًا أنّه أجار من دون علمه فرمى ضوع الناقة فاختلط دمها في لبنها.
ركضت الناقة إلى أن صارت في فناء البسوس، فلمّا رأتها صرخت وا ذلّاه فوعدها جساس بناقة أعظم منها فلم تقبل حتى صاروا عشرًا، فلمّا حلّ الليل أنشأت تقول:
لَعمرك لَو أصبحتُ في دارِ منقذٍ
:::لَما ضيمَ سعدٌ وهو جارٌ لأبياتي
وَلَكنّني أَصبحتُ في دارِ غربةٍ
:::مَتى يعدُ فيها الذئبُ يعدُ عَلى شاتي
فَيا سعدُ لا تغرر بِنَفسك واِرتَحل
:::فَإنّك في قومٍ عنِ الجارِ أمواتِ
وَدونك أَذوادي فإنّي عنهمُ
:::لَراحلةٌ لا يَفقدوني بنيّاتي
وَسر نَحوَ جُرم إن جرمًا أعزّةٌ
:::وَلا تكُ فيهم لاهيًا بين نسواتِ
إِذا لَم يَقوموا لي بِثأري وَيَصدقوا
:::طِعانهم وَالضربَ في كلّ غاراتِ
فَلا آبَ ساعيهم ولا سدَّ فَقرهم
:::وَلا زالَ في الدنيا لَهم شرّ نكباتِ
فلمّا سمع جساس قولها أثارته الحمية وقال لها: اسكتي سأقتل جملًا أعظم من ناقتك، وضيّق الخناق كليب على بني مرة حتى ثار جساس على ذلك ورمى كليب برمح قتله به، فترك كليب وصية للزير سالم عبارة عن مجموعة من الأبيات، وهي:
هَديتِ لَك هَديَّة يا مهلهل
:::عَشر أَبيَات تفهَمهَا الذُّكاه
أَوَّل بيتِ أقُوله أستَغفِرُ الله
:::إِلَهُ العَرشِ لا يُعبَد سِوَاه
وثَانِي بيتَ أقولُ المُلكُ للهِ
:::بَسَطَ الأرضَ وَرَفَعَ السَّمَاء
وثالثُ بيتٍ وصّي بِاليَتَامَى
:::واحْفَظِ العَهْدَ ولا تنسى سِواه
ورَابِع بيتِ أقولَ اللهُ أَكبَر
:::علَى الغَدّارِ لا تنسَى أَذَاهُ
وخامِس بِيتِ جَسَّاسٍ غَدَرنِي
:::شُوف الجِرح يُعطِيكَ النّباه
وَسَادِس بِيتِ قلتُ الزّيرُ أَخِي
:::شَديدُ البَأسِ قَهَّارُ العِدَاه
وسَابِع بِيتِ سَالِم كُونِ رِجّال
:::لِأَخذِ الثّار لا تُعطِي وَنَاه
وِثَامِن بِيتِ بَالَك لَا تِخَلّي
:::لا شِيخ كبِير وَلَا فَتَاه
وِتَاسِعُ بيتٍ بَالكَ لا تُصَالِح
:::وَإِن صَالحتَ شَكَوتُ لِلإله
وعَاشِر بيتِ إِن خَالَفتَ قَولي
:::فَأنَا ويَّاك إلى قَاضِي القُضَاه
فجزّ المهلهل شعره وشمر عن سيفه وعقد عزمه ألا يلهو ولا يشم طيبًا ولا يُجالس امرأة ما لم يبد بكرًا، فكانت حرب البسوس التي استمرت أربعين عامًا .
قصائد كليب بن ربيعة
لم تكن قصائد كليب بن ربيعة كثيرة فقد شُغل بعمل الملوك دونًا عن ذلك، ولكن ممّا ورد منها ما يأتي:
- قصيدة يا طيرة بين نبات أخضر:
يا طَيرَةً بَينَ نَباتٍ أَخضَرِ
- جاءَت عَلَيها ناقَةً بِمُنكَرِ
إِنَّكَ مِن حِمى كُلَيبَ الأَزهَرِ
- حَمَيتُهُ مِن مَذحِجٍ وَحِميَرِ
- قصيدة لقد عرفت قحطان صبري ونجدتي:
لَقَد عَرَفَت قَحطانُ صَبري وَنَجدَتي
- غَداةَ خَزازٍ وَالحُقوقُ دَوانِ
غَداةَ شَفَيتُ النَفسَ مَن ذُلِّ حِميَرِ
- وَأَورَثتُها ذُلاً بِصِدقِ طِعاني
دَلَفتُ إِلَيهِم بِالصَفائِحِ وَالقَنا
- عَلى كُلِّ لَيثٍ مِن بَني غَطفانِ
وَوائِلُ قَد جَدَّت مَقادِمَ يَعرُبٍ
- فَصَدَّقَها في صَحوِها الثَقَلانِ
- قصيدة دعاني داعيا مضر جميعًا:
دَعاني داعِيا مُضَرٍ جَميعًا
- وَأَنفُسُهُم تَدانَت لِاِختِناقِ
فَكانَت دَعوَةً جَمَعَت نِزارًا
- وَلَمَّت شَعثَها بَعدَ الفِراقِ
أَجَبنا داعِيَي مُضَرٍ وَسِرنا
- إِلى الأَملاكِ بِالقُبِّ العِتاقِ
عَلَيها كُلُّ أَبيَضَ مِن نِزارٍ
- يُساقي المَوتَ كَرهاً مَن يُساقي
أَمامَهُمُ عُقابُ المَوتِ يَهوي
- هُوِيَّ الدَلوِ أَسلَمَها العَراقي
فَأَردَينا المُلوكَ بِكُلِّ عَضبٍ
- وَطارَ هَزيمُهُم حَذَرَ اللَحاقِ
كَأَنَّهُمُ النَعامُ غَداةَ خافوا
- بِذي السُلّانِ قارِقَةَ التَلاقي
فَكَم مَلِكٍ أَذَقناهُ المَنايا
- وَآخَرَ قَد جَلَبنا في الوِثاقِ