من هو صاحب لقب صقر قريش
صقر قريش
يُلقَّب عبدالرحمن بن معاوية الداخل بصقر قريش، وهو مُؤسِّس الدولة الأمويّة في الأندلس، وحفيد الخليفة الأمويّ هشام بن عبدالملك الذي استطاع أن يُثبت للناس جميعاً أنّ الإسلام باقٍ في الأندلس، ولم يمت، لقد كانت نشأته في بيت الخلافة الأمويّة، علماً بأنّ عبدالرحمن لُقِّب بصقر قريش من قِبَل الخليفة العبّاسي أبي جعفر المنصور الذي لم يستطع الانتصار عليه في حَربه ضِدّه.
صفات عبدالرحمن بن معاوية الداخل
لقد وَصف المُؤرِّخون صقر قريش بالعديد من الصفات الحَسَنة، وأشادوا به في سيرته، وأعماله، فلقَّبه البعض بأبي الملوك، ومن أهمّ صفاته ما يلي:
- عُرِف عن عبدالرحمن الداخل أنّه كان شاعراً جيّداً، وفصيحاً بليغاً.
- ذُكِر من صفاته حُسن التوقيع، والعدل، والعلم .
- قِيل عنه أنّه كان راجح العقل، حازماً، ذا فَهْم ثاقب، ونهضة سريعة، كما أنّه كان شُجاعاً، ومِقداماً.
لم يكن المنصب القياديّ لعبدالرحمن الداخل قد أثَّر في أخلاقه الحميدة؛ فلم يُذكَر عنه أيُّ خُلُق ذميم، أو فاحش قَطّ، بل إنّه كان مَوضع مَديح من العلماء؛ لحُسن خُلقه، وعِلمه، وهذا كلُّه نابعٌ من إنسانيّته، ومعدنه الأصيل، بالإضافة إلى أنّه كان يَعِظُ الناس على المنابر، كما أنّه كان مُرهَف الإحساس في الشعر، ومن شعره ذِكر ما يأتي:
- يا نخلُ أنتِ غريبةٌ مثلي
- في الغربِ نائيةٌ عن الأصلِ
- فابكي، وهل تبكي مكيسة
- عجماء، لم تُطبَع على خَيل؟
- لو أنّها تبكي، إذاً لبكت
- ماء الفرات ومنبت النـخـلِ
- لكنّها ذهلـت وأذهـلـنـي
- بُغضي بني العبّاس عن أهلي
تأسيس عبدالرحمن بن معاوية الداخل للدولة الأمويّة في الأندلس
مع انتهاء عهد الولاة، ووقوع الأندلس في حالة من الفوضى، والدمار، ظهر صقر قريش الذي أعاد للإسلام مكانته العالية مرّة أخرى في الأندلس؛ حيث كان عبدالرحمن الداخل فارّاً من حُكم العبّاسيين ، فالتجأ إلى الأندلس؛ أملاً منه في تأسيس دولة للمسلمين فيها، ومع بداية عمله على إنشاء دولته، واجه صعوبات كثيرة، فاعترضته ثورات مُتعدِّدة قُدِّر عددها بخمس وعشرين ثورة، أو يزيد، إلّا أنّ الداخل استطاع التصدّي لها، والانتصار عليها، وقد كان لعبدالرحمن الداخل سياسة خاصّة به في ما يتعلَّق بتأسيس دولته في الأندلس، وتتمثَّل هذه السياسة بما يلي:
- فَصَل عبدالرحمن الداخل الأندلس عن العالَم الإسلاميّ في المشرق، حيث كانت لديه ألقاب عديدة فيها، كالأمير، والإمام، وبني الخلائف.
- ضَبَط عبدالرحمن الداخل الأمنَ في دولته؛ حتى يُسيطر على الأمور الداخليّة فيها، وذلك من خلال إنشائه لجهاز الشرطة الذي أُسنِدت إليه مُهمّة المُحافظة على الأمن الداخليّ، ومُلاحقة المُتمرِّدين، والعُصاة.
- نَشَر عبدالرحمن الداخل العيون في الأندلس، وخارجها، وأحاط نفسه بمجموعة من الفرسان البارزين، والقادة؛ حتى تكون الدولة على أُهْبَة الاستعداد لأيّ طارئ، أو خطر خارجيّ.
لم يكتفِ عبدالرحمن الداخل بوضع سياسة خارجيّة لدولته فقط، بل إنّه اهتمَّ بشؤونها الداخليّة في مختلف المجالات، والتي نُوردها في النقاط الآتية:
- اهتمامُه بالجيش: حيث بنى جيشاً جديداً لدولته، واعتمد على مجموعة من الأمور في تأسيسه، أهمّها:
- اعتمدَ على عنصر المُولِّدين، بالإضافة إلى الأمازيغ، والصقالبة، واليمنيّين في الجيش.
- اهتمَّ بإنشاء مصانع للأسلحة، كمصانع السيوف ، والمجانيق.
- عملَ جاهداً على تقوية الأسطول البحريّ الخاصّ بالجيش، وإنشاء موانئ عديدة، كميناء إشبيليّة، وبرشلونة .
- جعلَ جزءاً خاصّاً من ميزانيّة الدولة؛ للإنفاق على الجيش.
- اهتمامُه بالعلم: أظهر عبدالرحمن الداخل اهتماماً كبيراً بالعِلم، والدين، وهذا الاهتمام يبرز في ما يلي:
- اهتمَّ بنَشْر العلم، واحترام العلماء .
- اهتمَّ بديوان القضاء، والقُضاة، والحِسبة.
- أولى اهتماماً كبيراً بالنهي عن المُنكَر، والأمر بالمعروف.
- أنشأَ مسجد قرطبة الكبير الذي يُعتبَر من أهمّ المَعالِم الدينيّة، وأعظمها.
- اهتمامُه بالجانب الحضاريّ: أولى عبدالرحمن الداخل اهتماماً كبيراً بتشييد الحصون، والقِلاع، والحدائق ، كحديقة الرصافة التي تُعتبَر من أكبر الحدائق في العَهد الإسلاميّ، بالإضافة إلى تأسيسه أوّل دار في الأندلس؛ لسَكِّ النّقود الإسلاميّة.
الفِكر العسكريّ لعبدالرحمن بن معاوية الداخل
يتميَّز عبدالرحمن الداخل بفِكر عسكريّ دقيق؛ فقد كانت حياته في مجملها مليئة بالحروب ، والنِّزاعات منذ أن سَقطَت خلافة الأمويّين ، وحتى هروبه إلى الصحراء فارّاً من العبّاسيين، بالإضافة إلى الثورات التي واجهَته عند تأسيس دولته في الأندلس، وحتى وفاته، وقد أظهر الداخل ملامح ذكائه العسكريّ في المُناوَشات، والثورات التي تَعرَّض لها، ومن ملامح فكره العسكريّ ما يأتي:
- المُباغتة والمُبادرة: كان صقر قريش (عبدالرحمن الداخل) يُخطِّط بشكل دقيق؛ حتى يصل إلى هدفه، فلا يُتيحُ أيّة فرصة لخَصمه؛ لمُباغتَته، بل يُباغته هو، حيث كان يضع أعداءه في مواقف تُقيِّد حُرّيتهم في اتِّخاذ القرار، أو تنفيذه، كما كان يفرضُ عليهم زمن المعركة.
- الاقتصاد في القُوى: مع وجود مجموعة كبيرة من التحدّيات في حياة الداخل، كان لا بُدّ من الاقتصاد في القُوى؛ من أجل استخدامها بأفضل صورة.
- المُحافَظة على الأهداف: اهتمَّ عبدالرحمن الداخل بشكل كبير بالمُحافظة على أهدافه، وإعطاء الأهداف المُهمّة الأولويّة في تحقيقها.
وفاة عبدالرحمن بن معاوية الداخل
تُوفِّي عبدالرحمن الداخل وهو في سِنّ التاسعة والخمسين، في قرطبة، عام 172 للهجرة، ودُفِن فيها، وقد كانت حياة الداخل مُقسَّمة إلى ثلاثة مراحل، وهي:
- المرحلة الأولى: وهي المرحلة التي عاشها في الفترة التي سَبَقت سقوط الخلافة الأمويّة، حيث قضاها ما بَين دمشق، والعراق، وكانت مُدّتها 19 عاماً.
- المرحلة الثانية: وهي التي عاشها فارّاً من العبّاسيين، وبَطْشهم، ومُخطِّطاً؛ لدخوله إلى الأندلس، وكانت مُدّتها ستّة أعوام.
- المرحلة الثالثة: واستمرَّت 34 عاماً، حَكَم فيها الأندلس حتى تُوفِّي فيها رَحِمَه الله.