من هو رسول قوم عاد
الأنبياء والرسل
الأنبياء والرسل -عليهم الصّلاة والسّلام- هم خير البشر، اصطفاهم الله تعالى؛ لتبليغ رسالته ودعوة الناس إلى توحيده، واجتناب الشرك في عبادته، وميّزهم الله تعالى بصفاتٍ عديدةٍ؛ كالصدق، إذ إنّهم مكلّفون بتبليغ الرسالة من الله تعالى للناس، فالإيمان بهم يقتضي تصديقهم بكلّ ما يقولون؛ ولذلك فطرهم الله تعالى على الصدق ، وجعله مُلازماً لهم منذ الطفولة وحتى الممات، وممّا يُدلّل على ذلك؛ مناداة كفار قريش الرسول -عليه الصّلاة والسّلام- بالصادق الأمين قبل البعثة، وممّا وطّد ثقة الناس بالأنبياء والرسل؛ اتصافهم جميعاً بخُلُق الأمانة، فمن دونها لا تسكن القلوب ولا تطمئن النّفوس للداعي، وبالتالي لا يكون الاتباع والطاعة، والأنبياء والرسل كانوا مؤتمنين على الوحي بتبليغ رسالة ربهم كما نزلت إليهم دون تحريفٍ، أو تغييرٍ، أو زيادةٍ، أو نقصانٍ، كما قال تعالى عن قولهم لأقوامهم: (إِنِّي لَكُمْ رَسُولٌ أَمِينٌ)، ومن مستلزمات الرسالة: التبليغ الواضح والمبين للأمة؛ بحيث يدفع الناس للتفكّر والتأمّل في هذه الدعوة، كما قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ۖ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ۚ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ)، والحقيقة أنّ التبليغ اللافت للنظر والدعوة العلنية الظاهرة، أدت في كثيرٍ من الأحيان إلى معاداة الرسل والأنبياء ، واضطهادهم من قبل الكفار والمجرمين، وحتى قتلهم وتشريدهم في بعض الأحيان، وكانت هذه الطريق واضحةً بالنسبة لهم، كما قال تعالى عن وصية لقمان لابنة: (يَا بُنَيَّ أَقِمِ الصَّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىٰ مَا أَصَابَكَ ۖ إِنَّ ذَٰلِكَ مِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)، ومن الجدير بالذكر؛ أنّ الفرق بين الأنبياء والرسل يكمن في أنّ الأنبياء -عليهم السلام- بُعثوا ليقيموا شرع من سبقهم، ويُذكّروا الناس فيه؛ ليُحيوه في أنفسهم، أمّا الرسل فقد بُعثوا بشرعٍ جديدٍ، أو تعديلٍ لشرعٍ سابقٍ أو زيادةٍ عليه.
رسول قوم عاد
هو نبيّ الله هود بن عبدالله بن رباح بن الجارود بن عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح عليه السّلام، ويُقال أنه هود بن شالخ بن أرفخشد بن سام بن نوح عليه السّلام، وهو نبيٌّ عربيٌّ، وهو من العرب الذين كانوا موجودين قبل إسماعيل عليه السّلام، ويُسمّون بالعرب العاربة، ويُقال إنّه أول من تكلم اللغة العربيّة ، وقد أرسله الله تعالى إلى قومٍ اسمهم عاد ، وكان قوم عادٍ يسكنون في وَادٍِ اسمه مُغِيث في منطقة مُطلة على البحر تُدعى الشِّحْرُ، بالقرب من حضرموت في اليمن ، وكانت الخيام ذات الأعمدة العظيمة مساكناً لهم؛ ولذلك قال تعالى:(أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ* إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ)، وقد أرسل الله تعالى هود عليه السلام إليهم بعد أن انحرفوا عن التوحيد ، وعبدوا ثلاثة أصنام وهي: صَدٌّ، وَصُمُودٌ، وَهِرَا، كما قال تعالى:(وَإِلَىٰ عَادٍ أَخَاهُمْ هُودًا ۗ قَالَ يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَٰهٍ غَيْرُهُ ۚ أَفَلَا تَتَّقُونَ).
معجزة هود عليه السّلام
بالرّغم من وجود معجزةٍ مؤيّدةٍ لهود -عليه السّلام- وآيةٍ على صدقه، إلا أنّها لم تُذكر بصورةٍ صريحةٍ في القرآن الكريم ، ولكنّ بعض العلماء قالوا: ربّما كانت معجزته -عليه السّلام- بأنّه وعد قومه بأن يفتح الله عليهم أبواب رحمته ويرزقهم رزقاً وفيراً، ولا تنالهم مصيبةٌ ولا نكبةٌ، وهذه المعجزة خارقةٌ لعادة النِّعَم في الأمم، وقال آخرون: إنّ معجزة هودٍ كانت تحدّيه لقومه على الرغم من كثرتهم و قوتهم وبطشهم، حيث قال تعالى على لسان هود لقومه: (فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ)، ولكنّهم وقفوا عاجزين، ولم يستطيعوا فعل شيءٍ.
قصة هود عليه السّلام
بدأ هود -عليه السّلام- دعوته لقومه بتوضيح القضية الأهم؛ وهي التوجّه إلى لله تعالى وحده بالعبادة وترك عبادة الأوثان، وخاطبهم -عليه السّلام- خطاب الناصح المشفق الأمين، كما قال تعالى: (أُبَلِّغُكُمْ رِسَالَاتِ رَبِّي وَأَنَا لَكُمْ نَاصِحٌ أَمِينٌ)، ووضّح لهم أنّ دعوته خالصةٌ لله عزّ وجلّ، وأنّه لا يُريد منهم مالاً ولا أجراً مقابل دعوته، بل بشّرهم بأنّ الله تعالى سيفتح عليهم أبواب الخير كلّه ويزيدهم مالاً وقوةً إلى قوتهم؛ إنّ هم أطاعوه وقبلوا دعوته، كما قال تعالى: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُم مِّدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَىٰ قُوَّتِكُمْ وَلَا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ)، وذكّرهم بنعم الله تعالى عليهم، وحذّرهم من تغيّر الحال إن هم كفروا به، فلم يستجيبوا له، فانتقل إلى المفاصلة بين الحقّ والباطل، وتبرّأ من شركهم، وأعلن اعتماده على الله تعالى في الانتصار عليهم، كما قال تعالى: (قَالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللَّهَ وَاشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تُشْرِكُونَ*مِن دُونِهِ ۖ فَكِيدُونِي جَمِيعًا ثُمَّ لَا تُنظِرُونِ)، وما كان من قوم عادٍ إلا أنّ كانوا في قمّة الغرور، والبطر، والتباهي بالقوة، وشدّة البطش، ولم يهتمّوا لنصح نبيهم، كما قال تعالى على لسانهم: (قَالُوا سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَوَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُن مِّنَ الْوَاعِظِينَ)، وأصرّوا على ضلالهم وباطلهم، فلمّا رأى هودٌ -عليه السّلام- ذلك الكفر منهم، وعلم أنّهم لن يستجيبوا له، ولن يستطيع ثنيهم عمّا هم فيه من الضلال والشرك ، وواجههم بما سيُصيبهم من الله تعالى، كما قال الله -عزّ وجلّ- على لسان هود: (قَالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ رِجْسٌ وَغَضَبٌ ۖ)، وكان جزاؤهم أن أرسل الله تعالى عليهم ريحاً شديدةً؛ فدمرتهم تدميراً ولم تُبقي منهم أحداً، كما قال تعالى: (وَفِي عَادٍ إِذْ أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ)، وأمّا هود عليه السلام والمؤمنون معه، فنجّاهم الله تعالى من القوم الكافرين ومن الريح العاتية.