من هم الشهداء
من هم الشهداء
الشهيد هو الذي يُقتلُ في سبيل الله -تعالى-، وتعدّدت أقوالُ الفُقهاء في الضّوابط والشُّروط التي تُحدّد مفهوم الشهيد؛ لأنها لفظةٌ عامة تشمل كُلُ من أثبت له الشرع صفة الشهادة، كما أنّ له أحكاماً خاصّةً به تختلفُ عن باقي الموتى، فعرّفهُ بعض العلماء كالحنفية: بأنه المُسلم، المُكلّف، الطاهر، الذي يُقتل ظُلماً بِجارحة، كقطع الطريق عليه؛ فلو قُتل من غيرِ ظُلم؛ كالحدِّ أو القِصاص، فلا يُعدُّ شهيداً، وكذلك مَن مات متأثّراً بجراحه بسبب معركة، وعرّفهُ جمهور الفقهاء: بأنّه الذي يُقتل في المعركة.
وأورد الإمام النوويّ -رحمه الله- في شرحه لصحيح مسلم عدّة أسباب لتسمية الشهيد بذلك، فسُمِّي الشهيدُ شهيداً؛ لأنه يُشهد له عند خُروجِ روحه ثوابٌ كثيرٌ، وقيل: لأنّ ملائكة الرّحمة تشهدُ له عند أخذ روحه، وقيل: لأنه مشهودٌ له بالإيمان وحُسن الخاتمة، وقيل: لأن معهُ شاهدٌ يشهدُ بِشهادته، ويُقسّم الشهيد إلى ثلاثةِ أقسام، فمنهم من يكونُ شهيداً في الدُّنيا والآخرة، ومنهم من يكون في الدُّنيا فقط، ومنهم من يكونُ من شُهداء الآخرة.
أنواع الشهداء
شهداء الدنيا والآخرة
شهيد الدنيا والآخرة هو الذي يُقتل في أثناء جهاده ضدّ أعداء الدين، مُقبلاً غير مُدبرٍ؛ لأجل إعلاء كلمة الله -تعالى-، من غير نظرٍ إلى أغراض الدُّنيا، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (قالَ أَعْرَابِيٌّ للنبيِّ -صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ-: الرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِلْمَغْنَمِ، والرَّجُلُ يُقَاتِلُ لِيُذْكَرَ، ويُقَاتِلُ لِيُرَى مَكَانُهُ، مَن في سَبيلِ اللَّهِ؟ فَقالَ: مَن قَاتَلَ، لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هي العُلْيَا، فَهو في سَبيلِ اللَّهِ)، فهو الصادق في قتاله، ففي الدُّنيا شهيد؛ لأنهُ تُطبّق عليه أحكام الشهيد في الدُنيا؛ فيُكفّن بثيابه، ولا يُغسّل ، ولا يُصلَّى عليه، وفي الآخِرة ينال منزلة الشُهداء ، والتي سيأتي بيانهُا في نهاية المقال.
شهداء الآخرة
شهيد الآخرة هو الشهيد الذي لا تُطبَّق عليه أحكام الشهيد في الدُّنيا؛ كالتكفين بثيابه، ولكنّ له أجر الشهيد في الآخِرة، وهم على عدّة أصنافٍ؛ كالمبطون، والمطعون، ومن مات في الهدم، ومن يُقتل دون ماله، وغير ذلك من الأصناف التي جاء ذكرها في الأحاديث الصحيحة، وكذلك الغريق، وصاحب ذات الجنب؛ وهو الذي يظهر في جنبه الدُمّل الكبيرة، وتنفجر داخل الجسم ويموت بسببها.
ومن الشّهداء كذلك مَنْ يموتُ دون دينهِ، أو أهلهِ، أو دمهِ، أو نفسهِ، أو مظلمته، وصاحبُ الحريق، والمرأة التي تموت بسبب ولادتها، وتُسمّى ذاتُ جمع، وكذلك الذي يموتُ بِداء السِّل، ووردت بعضُ هذه الأنواع في قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (الشهادةُ سبعٌ سوى القتلُ في سبيلِ اللهِ، المقتولُ في سبيلِ اللهِ شهيدٌ، والمطعونُ شهيدٌ، والغريقُ شهيدٌ، وصاحبُ ذاتِ الجنبِ شهيد، والمبطونُ شهيدٌ، وصاحبُ الحريقِ شهيدٌ، والذي يموتُ تحتَ الهدْمِ شهيدٌ، والمرأةُ تموتُ بجُمْعٍ شهيدة)، بالإضافةِ إلى من يموت بالطاعون؛ وهو الذي يقعُ في أرضه الطاعون ولا يخرج منها صابراً مُحتسباً ويموت، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (الطَّاعونُ شَهادةٌ لِكُلِّ مسلِمٍ).
شهداء الدنيا
شهيد الدنيا هو الشّهيد الذي تُطبّق عليه أحكام الشهيد في الدُنيا؛ كتكفينه بثيابه، وعدم تغسيله أو الصّلاة عليه، ولكنّه لا ينالُ أجر الشهيد في الآخرة، وهذا النوع هو الذي يُقتل في المعركة، ولكن جهادهُ لم يكُن لأجل الله -تعالى-، أو يكون قد غَلّ في الغنائم ، أو قاتل سُمعةً ورياءً، أو لأيِّ غرضٍ من أغراض الدُنيا، فعن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: (إنَّ أولَ الناسِ يُقضى يومَ القيامَةِ عليه رجُلٌ استُشهِد فأتى به فعرَّفه نِعَمَه فعرَفها، قال: فما عمِلتَ فيها؟ قال: قاتَلتُ فِيكَ حتى استُشهِدتُ. قال: كذَبتَ. ولكنَّكَ قاتَلتَ لِأَنْ يُقالَ جَريءٌ، فقد قيل، ثم أمَر به فسُحِب على وجهِه حتى أُلقِيَ في النارِ).
منزلة الشهداء
إنّ للشُهداء منازل عالية يوم القيامة ، ولهم الكثير من الفضائل، منها:
- شفاعتهُ لسبعين من أهله، لِقول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (يَشْفَعُ الشهيدُ في سبعينَ من أهلِ بيتِه)، وتنعُّمه في حياتهِ في القبر، فتكون رُوحهُ في حواصل طيرٍ خُضرٍ في الجنة، وتمرح وتأكل منها، قال -صلى الله عليه وسلم-: (أرواحُهم في جوفِ طيرٍ خُضرٍ، لها قناديلُ مُعلَّقةٌ بالعرشِ، تسرحُ من الجنةِ حيث شاءت، ثمّ تأوي إلى تلك القناديلِ). وقال الله -تعالى-: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا).
- بقاؤه حيّاً بعد استشهاده، وفرحه بما آتاه الله -تعالى- من الفضل، لِقوله -تعالى-: (وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتٌ بَلْ أَحْيَاءٌ وَلَكِنْ لَا تَشْعُرُونَ)، وقولهِ -تعالى-: (فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)، فلا يُغسّل؛ لأنه طاهر، ويبقى في ثيابه؛ لأنه يبقى حياً في قبره.
- عصمتهِ من فتنة القبر، ونجاتهِ من النار، وتكفير سيّئاته، ومغفرةُ ذُنوبه، وحُصولهِ على الأجر والنّعمة، ودُخولهِ الجنة، لِقولهِ -تعالى-: (فَالَّذِينَ هَاجَرُوا وَأُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَأُوذُوا فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُوا وَقُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ ثَوَابًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ).
- ومما ورد في فضل الشّهيد أيضاً من الأحاديث قول النبيّ -عليه الصلاةُ والسلام-: (للشَّهيدِ عِندَ اللَّهِ ستُّ خصالٍ: يُغفَرُ لَه في أوَّلِ دَفعةٍ، ويَرى مقعدَه منَ الجنَّةِ، ويُجارُ مِن عذابِ القبرِ، ويأمنُ منَ الفَزعِ الأكبرِ، ويُوضعُ علَى رأسِه تاجُ الوقارِ الياقوتةُ مِنها خيرٌ منَ الدُّنيا وما فِيها، ويزوَّجُ اثنتَينِ وسبعينَ زَوجةً منَ الحورِ العينِ، ويُشفَّعُ في سبعينَ مِن أقاربِه).