من قال هلك الناس فهو أهلكهم
الكِبر
عرّف الأصبهاني الكِبر بأنّه حالة إعجاب المرء بنفسه، فيراها بذلك أعظم من غيره بكثير، وأسوء الكِبر على الإطلاق التكبّر على الله جلّ جلاله، ويكون ذلك برفض الانصياع لأوامره واجتناب نواهيه، والإعراض عن آياته وعبادته ، والكِبر من أذمّ الأخلاق ، فبه يرى الإنسان نفسه أفضل من غيره، حتى يصل به الأمر إلى احتقارهم، فيترفع عن ضعيفهم وهو أضعف مَن فيهم، ويزكّي نفسه عن غيره وهو أكثرهم خبثاً في نفسه، وللكِبر عدّة صور، منها: ردّ الحق ورفضه، والتكبّر على الله تعالى، وحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، ومنها: الكذب ، والخيانة من أجل الاستكبار على الحقّ، ومنها، الإعجاب بالنفس وقوّتها، ومنها، احتقار الناس واستضعافهم، ومنها: اغترار الإنسان بعمله، وكذلك النفاق ، والاختيال في المشية واللباس، والاستعلاء في الأرض، والجدال في الدين بغير علم.
من قال هلك الناس فهو أهلكهم
ورد عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: (إذا قال الرَّجلُ: هلك النَّاسُ، فهو أهلكُهم)، وقد ورد لفظ (أهلكهم) بالرّفع والنّصب، وذلك بأن تكون إمّا أهلَكَهُم؛ فيكون المقصود حينها أنّ قائل ذلك عنهم هو سبب هلاكهم، وإمّا أهلَكُهُم؛ ويكون المقصود حينها بأنّ القائل أشدّهم هلاكاً، وقال العلماء في معنى الحديث أنّ المقصود بالذمّ فيه من قال ذلك على سبيل ازدراء الناس، واحتقارهم، والتكبّر عليهم، بأن يرى نفسه خيراً منهم، وينظر إليهم على أنّهم هالكين لا محالة، أمّا هو فناجٍ بصواب فعله، وقالوا إنّ من يقول ذلك على قصد التحزّن والتألم على حال المسلمين لا يكون داخلاً في ذمّ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فالفرق بين الاثنين أنّ الأول قدّم نفسه على الناس، واحتقرهم لإعجابه بنفسه، أمّا الثاني فقد جعل نفسه من عامّة الناس يحزن لحاله وحالهم، فيمقت نفسه ويؤنّبها.
قال معقل بن يسار في معنى الأول الذي يعجب بنفسه ويذمّ غيره: (كفى بالمرء من الشرّ أن يرى أنّه أفضل من أخيه)، أمّا في معنى الثاني الذي يحزن لحال الناس ويلوم نفسه معهم، فقد روي عن أبي الدرداء أنّه قال: (لن يفقه الرجل كلّ الفقه حتى يمقت الناس كلّهم في ذات الله، ثمّ يعود إلى نفسه فيكون لها أشدّ مقتاً)، والأصل أن يتنبه الإنسان حتى عند قوله لمثل هذا القول حُزناً على حال المسلمين إلى إحسان الظنّ فيهم، فالرسول -صلّى الله عليه وسلّم- قد أخبر أنّ في الأمّة طائفة ستبقى على الحقّ، حيث قال: (لا تزالُ طائفةٌ من أمَّتي ظاهرينَ علَى الحقِّ)،
أنواع الكِبر
الكِبر على نوعين؛ الأول منهما أن يسعى الإنسان ليكون كبيراً بين الناس، وذلك بالعمل والاجتهاد، فإن كان ذلك في ما يجب وبالطريقة التي تجب وفي الوقت الصحيح كان ذلك محموداً ليس فيه بأس، أمّا النوع الثاني فهو ما كان صاحبه متكلّفاً له، فيُظهر من نفسه ما ليس فيها وهذا هو الكِبر المذموم عند الله تعالى، والكِبر المذموم ينقسم إلى قسمين أيضاً؛ القسم الأول ما يعدّ كفراً ، وهو الكِبر على الله، ورسله، وكتبه، وأمّا القسم الثاني منه فهو الكِبر على غير ذلك، فالكِبر على الآخرين يعدّ من قُبيل المعصية والكبيرة لا من قبيل الكفر، وقد ذكر ابن القيّم -رحمه الله- إنّ الكِبر هو أصل الأخلاق المذمومة جميعها، فهي متفرعة عنه ناشئة منه، وذلك كالظلم ، والقسوة، وعدم قبول النصيحة وغيرها من الأخلاق المذمومة، كما أنّه عدّ الكِبر أحد أركان الكفر الأربعة، فقال إنّ للكفر أربعة أركان هي الكبر، والحسد ، والغضب، والشهوة.
خطورة الكِبر
تكمن خطورة الكِبر في أنّه يُهلك الناس بجميع أصنافهم، فهو يهلك العالم والجاهل والزاهد والفاسق ، وهو موجب للحرمان من دخول الجنة، كما قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: (لا يدخلُ الجنَّةَ من كانَ في قلبِه مثقالُ ذرَّةٍ من كبرٍ)، كما أنّه بأنّ المتكبّرين هم أبعد الناس عن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في المجلس يوم القيامة ، حيث قال: ( إنَّ مِن أحبِّكم إليَّ وأقربِكُم منِّي مجلساً يومَ القيامةِ أحاسنَكُم أخلاقاً، وإنَّ مِن أبغضِكُم إليَّ وأبعدِكُم منِّي يومَ القيامةِ الثَّرثارونَ والمتشدِّقونَ والمتفَيهِقونَ، قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، قد علِمنا الثَّرثارينَ والمتشدِّقينَ فما المتفَيهقونَ؟ قالَ: المتَكَبِّرونَ).
علاج الكِبر
لمّا كان النهي في الشرع عن الكِبر كبيراً عظيماً، وكان واصف النّاس بالهلاك كِبراً هو أهلَكُهم أو أهلكَهم كما سبق بيان ذلك، كان لازماً على المسلم أن يتحرّى علاجه في نفسه والتخلّص منه، وفيما يأتي بيان طريقة ذلك:
- النظر في ذمّ الله -تعالى- ورسوله الكريم للمتكبّرين، والتفكّر في عاقبة المتكبّر في الآخرة كيف يكون بعيداً عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وواقعاً في جهنّم متسحقاً لسخط الله عزّ وجلّ، وعذابه.
- دراسة هدي النبي صلّى الله عليه وسلّم، وسيرته العملية في التواضع، والحرص على تحصيل منزلة التواضع الرفيعة التي امتدحها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، مع العلم بأنّ التواضع هو جامع الأخلاق الحميدة كلّها.
- تعويد النفس على ترك الملابس الفاخرة ولو في بعض الأحيان، وذلك حتى يألف القلب أن يكون صاحبه واحداً من الناس يلبس لباساً عادياً مثلهم، ليس فيه بذخ أو خيلاء.
- تذكّر نعم الله -تعالى- على الإنسان، والتواضع له، وشكره عليها، ومعرفة أنّ الإنسان دون فضل الله عليه ليس بشيء.
- مرافقة المتواضعين؛ فإن الإنسان يتأثّر بصحبته، ويألف طباعهم.