من اهتز له عرش الرحمن عند وفاته
سعد بن معاذ من اهتز العرش لموته
جاء في الحديث الشريف أنّ الصحابي سعد بن معاذ -رضي الله عنه- قد اهتزّ عرش الرحمن لموته، فجيل الصحابة -رضوان الله عليهم- خيرُ نموذجٍ يُقتدى به، حيث كانوا حقاً رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه، فعاد ذلك عليهم بالرّضا من الله -عز وجل-، والقبول في الأرض والسماء، وقد ظهرت آثار الرّضا جليّةً في حياتهم وكذلك في مماتهم، وكان منهم الصحابي الجليل سعد بن معاذ -رضي الله عنه- الذي ينحدر في نسبه من الأنصار ، وتحديداً من قبيلة الأوس، وكان مثالاً يُحتذى به في الرّفعة في الدين وشدّة الاقتداء بالنبي محمد -صَّلى الله عليه وسلَّم- والتضحية في سبيل الله -عز وجل-، ممَّا جعل موته سبباً في اهتزاز عرش الرحمن.
والدليل على حادثة اهتزاز عرش الرحمن لموت سعد من السنة النبوية ثبت في الصحيحين فيما رواه الصحابي الجليل جابر بن عبد الله -رضي الله عنه-، حيث قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول: (اهْتَزَّ عَرْشُ الرَّحْمَنِ لِمَوْتِ سَعْدِ بنِ مُعَاذٍ)، وقد كان هذا الحدث العظيم سبباً لمفاخرة قبيلته الأوس على غيرها من القبائل.
وكان الصحابي الجليل سعد بن معاذ -رضي الله عنه- رجلاً صالحاً تتوق نفسه للقاء الله -عز وجل-، وكان يحرص على نيْل منزلة الشهادة التي يطلبها كل مؤمن، وقد صدق الله -تعالى- في طلبه فصدَقَه الله -عز وجل-، حيث أعطاه ما تمنَّى من الشهادة في سبيله، فارتقت روحه في قتاله مع النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- في حربه مع بني قريظه ، وكان ذلك بسبب انفجار عِرْقه -رضي الله عنه-.
سبب اهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ
كثُرت آراء العلماء في تفسير سبب اهتزاز العرش لموت سعد بن معاذ وكيفيّته، ونذكر بعض هذه الآراء فيما يأتي:
- رأي الحافظ ابن حجر -رحمه الله-: فسّر الاهتزاز بأنّه السعادة والفرح بخروج روحه -رضي الله عنه- إلى السماء، وقد يأتي المعنى بهذا الشكل؛ لأنّ العرب قد اعتادوا على وصف سعادة شخص بقدوم من يُحبّ إليه بأنّه اهتزّ له.
- رأي ابن عمر -رضي الله عنه-: فسّر الاهتزاز بأنّه اهتزازٌ لأهل السماء، وبالأخصّ حملة العرش.
- رأي آخر: قيل في تفسيره أيضاً إنّه إشعار من الله -عز وجل- للملائكة الكرام حتى ينبّههم بأنّ هذه الرّوح لأحد أوليائه الصالحين ، حيث إنّ الاهتزاز يختص بالأولياء دون غيرهم.
- وذهب بعض العلماء إلى تفسير الاهتزاز من منظور مادّي ظاهري، فقالوا: إنّه اهتزّ فرحاً بقدوم سعد بن معاذ، أمّا المازري فقد وافقهم من حيث معنى الاهتزاز، ولكنّه اختلف معهم بهدف هذا الاهتزاز فقال: إنّ الهدف منه هو تنبيه الملائكة إلى موته، ولا يُقصد به كرامة لهذا الصحابي.
- رأي الحربيّ: قال إنّ الاهتزاز هو معنى مجازي عن أمرٍ عظيم ألا وهو موت سعد بن معاذ، وهذا ما اعتاد عليه العرب في القدم بحيث ينسبون الظواهر الكونية الهامّة للأحداث العظيمة التي تحدث.
- تفسير البراء بن عازب -رضي الله عنه-: إذ قال إنّ العرش قد اهتز بشكل شديد جداً استبشاراً بقدوم سعد بن معاذ -رضي الله عنه-، فجعل أعواده تنفرج، فأعقبه ابن عمر مفسراً أنّ العرش المذكور هنا ليس عرش الرحمن بل عرش سعد الذي حُملت جنازته عليه وحدث ذلك بسبب ثقله، وقد أخذ هذه الرواية عن عطاء السائب.
- وتمّ نقد هذا التأويل لسببين؛ أولهما: أنّ عطاء كان كهلاً ممّا قد يؤدي الى اختلاط الأمور عليه في الرواية، والثاني: هو الحديث الذي رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- حيث قال: (لَمَّا حُمِلت جِنازةُ سعدِ بنِ معاذٍ قالَ المنافقونَ: ما أخفَّ جِنازتَه، وذلِك لِحُكمِه في بني قُريظةَ. فبلغَ ذلِك النَّبيَّ -صلَّى اللَّهُ عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ- فقالَ: إنَّ الملائِكةَ كانت تَحملُهُ). ويقول الحاكم: إنّ حديث اهتزاز عرش الرحمن لا يوجد من شكك في صحّته سواء في صحيح البخاري أو مسلم، وهو مؤيّد للتفسير الخاص بفرح واستبشار أهل السماء.
من هو سعد بن معاذ
هو الصحابي الجليل سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس أبو عمر الأوسي الأنصاري -رضي الله عنه-، كان الصحابي سعد بن معاذ -رضي الله عنه- مجاهداً عظيماً، وسيداً شريفاً في قومه، وقد حمل لواءهم يوم بدر، واستشهد -رضي الله عنه- بعد غزوة الخندق ، وقد وُصف -رضي الله عنه- بأنّه ممّن أنعم الله -تعالى- عليهم بجسمٍ قويٍ، حيث كان من أكثر الصحابة طولاً وقوة.
ويعتبر سعد بن معاذ الأنصاري -رضي الله عنه- من كبار الصحابة، وسمّاه الرسول -صلى الله عليه وسلم- بسيد الأنصار؛ لِما كان له من مكانة عظيمة حازها في قومه، فقد كان من وجهائهم، وكذلك كان من أكابرالصحابة الكرام وأكثرهم أثراً وتأثيراً، وأسلم -رضي الله عنه- في الفترة الواقعة بين بيعة العقبة الأولى والثانية، وكان إسلامه سبباً في إسلام قومه بني عبد الأشهل، حيث كانوا من أوائل من أسلم في المدينة؛ فتعتبر دارهم أول دار مسلمة في المدينة المنورة ، وشهد سعد -رضي الله عنه- العديد من الغزوات والمعراك مع النبيّ الكريم، منها: غزوة بدر ، وأحد، والخندق، واستُشهد في ذي القعدة سنة خمس للهجرة، ودُفن في البقيع عن عمر يناهز سبع وثلاثين سنة.