من الذي لقبه الرسول الكريم بالطيب المطيب
الصحابة
يعرف الصحابي بأنه الذي لقي النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وآمن به، ومات على الإيمان، نظراً إلى فضل الصحبة، ومنزلة النبي، فرؤية النبي لها مكانة خاصة، فمن يراه يكون طائعاً مستقيماً على نهجه، فرؤية الصالحين من العباد لها الآثار الإيجابية العديدة، وللصحابة فضلاً كبيراً ونزلة خاصة عند الله تعالى، حيث أثنى عليهم في العديد من الآيات القرآنية، منها قوله: (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِن بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِّلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ)، كما أن الرسول عليه الصلاة والسلام أثنى على أصحابه، وبيّن ألّا أحد يبلغ ما بلغوه من العبادة والتقوى، ومما يدل على ذلك ما رواه مسلم في صحيحه عن الصحابي أبي موسى الأشعري أن النبي قال: (أنا أمنةً لأصحابي . فإذا ذهبتْ أتى أصحابي ما يوعدون . وأصحابي أمنةٌ لأمتي . فإذا ذهب أصحابي أتى أمتي ما يُوعدون)، ووردت الكثير من الأحاديث أيضاً التي تبيّن فضل الصحابة، وجمعها الإمام أحمد بن حنبل في كتاب بيّن فيه أفضال الصحابة رضي الله عنه، وقال ابن حزم في فضلهم: (ولو عُمِّر أحدُنا الدهرَ كلَّه في طاعاتٍ متصلة، ما وازَى عملُ امرئ صَحِبَ النبيَّ - صلَّى الله عليه وسلَّم - ساعةً واحدةً فما فوقَها)، وبثناء اله تعالى وثناء الرسول على الصحابة ، فقد ثبتت عدالتهم جميعاً، إلا إن ثبت أن أحدهم ارتكب فعلاً ما يقصد به المعصية ، وكل الثناء الذي حصلوا عليه ما هو إلا بسبب ما قدّموه من الهجرة والجهاد في سبيل الله، ونصرة الرسول عليه الصلاة والسلام، وتقديم الأنفس والأموال والعيال في سبيل ذلك.
عمار بن ياسر الطيب المطيب
أطلق الرسول صلى الله عليه وسلم على الصحابي عمار بن ياسر رضي الله هنه لقب الطيب المطيب، ودليل ذلك ما رواه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حيث قال: (أَنَّ عمَّارًا استأذن على النبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقال الطَّيِّبُ المُطيَّبُ ائذنْ له)، وفيما يأتي بيان جانبٍ من حياة الصحابي عمار بن ياسر رضي الله عنه:
نسب عمار بن ياسر
هو عمار بن ياسر بن عامر بن مالك المذحجي العنسي، ويكنّى بأبي اليقظان، ومن صفاته الخلقية التي كان يتّصف بها أنه كان طويلاً مضطرباً، أشهل العينين، عريض المنكبين، شعره أبيض لا يغيّره، وقيل إنه كان أصلعاً مع وجود الشعر في مقدمة رأسه، وتجدر الإشارة إلى أنه من السابقين الأولين إلى الإسلام مع امه وأبيه، وأمه هي سمية التي تعدّ أول من نال الشهادة في سبيل الله سبحانه، كما أن عمار بن ياسر كان حليفاً لبني مخزوم، وكان أيضاً من المهاجرين إلى المدينة المنورة، وشهد من الغزوات بدر وأحد والخندق وبيعة الرضوان أيضاً، وقال الواقدي وغيره من العلماء في نسب عمار: (إنّ ياسراً والد عمار عرني قحطاني مذحجي من عنس إلا أنّ ابنه عماراً مولى لبني مخزوم لأنّ أباه ياسراً تزوّج أمة لبعض بني مخزوم فولدت له عماراً)، والسبب وراء قدوم ياسر والد عمار إلى مكة يعود إلى أنه قدم إلى مكة مع أخويه الحارث ومالك باحثين عن أخٍ رابعٍ لهم، فرجع كل من الحارث ومالك إلى اليمن، وبقي ياسر في مكة، وحالف أبا حذيفة بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، وتزوّج من أمةٍ له اسمها سمية، فولدت منه عمار، فأعتقه ابن المغيرة.
مواقف عمار بن ياسر
أسلم عمار بن ياسر في دار الأرقم مع صهيب بن سنان، وكان ذلك بعد إسلام بضعة وثلاثين رجلاً، ورُوي عن مجاهد أنّ عمار كان من بين أول سبعةٍ أسلموا، حيث قال مجاهد: (أول من أظهر إسلامه سبعة: رسول الله وأبو بكر وبلال وخباب وصهيب وعمار وأمه سمية)، وعذّب المشركون عماراً ولم يتركوه حتى ذكرآلهتهم بخير، فذهب إلى الرسول وأخبره بما حصل معه، فسأله الرسول عن حال قلبه، فردّ عليه أنه قلبه مطمئنٌ بالإيمان ، وروى أبو بلج ما يبيّن حال عمار حين عذّب فيقول عن عمرو بن ميمون في حال عمار: (كان النبي يمر به فيمر يده على رأسه ويقول: يا نار كوني برداً وسلاماً، على عمار كما كنت على إبراهيم. تقتلك الفئة الباغية)، وكان لعمار موقفاً مع الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، حيث عزله عمر عن الكوفة وجعل أبا موسى عنه، وشارك عمار في معركة صفين زمن علي بن أبي طالب، وروى أبو عبد الرحمن السلمي أن ياسر كان يقول لهاشم بن عتبة: (يا هاشم تفر من الجنة؛ الجنة تحت البارقة اليوم ألقى الأحبة محمداً وحزبه والله لو ضربونا حتى يبلغوا بنا سعفات هجر لعلمت أنا على حق وأنهم على الباطل)، فكان عمار ذا أثر في نفوس الآخرين، ومما يؤيد ذلك أيضاً قول عبد الله بن عمر عنه: (رأيت عمار بن ياسر يوم اليمامة على صخرة وقد أشرف يصيح: يا معشر المسلمين أمن الجنة تفرون أنا عمار بن ياسر هلموا إلي وأنا أنظر إلى أذنه قد قطعت فهي تدبدب وهو يقاتل أشد القتال).
وفاة عمار بن ياسر
اختلف أهل العلم في قاتل عمار بن ياسر، فقيل إنه أبو الغادية المزني، وقيل أيضاً أن الجهني طعنه، فوقع عمار على الأرض، ليطعنه آخراً في رأسه، ثمّ اختص الطاعنان في قتله، كلاهما يريد ذلك، وكان ذلك في السنة السابعة والثلاثين من الهجرة، ودفنه علياً في ثيابه عملاً بوصيته، دون أن يغسّله.