من الذي رسم الموناليزا
ليوناردو دا فينشي
يُعرف دا فينشي بكونه رساماً شهيراً أبدَع في عدّة لوحاتٍ فنيّة تركت أثراً مهمّاً في عصر النهضة ، ومن أشهر هذه اللوحات: لوحة العشاء الأخيرِ، والموناليزا، هذا ويشتهر دا فينشي بكونهِ نحّاتاً، ومعماريّاً، ومهندساً، ويجدر بالذكر أنّه قد تمكّن من تسجيل العديد من الأبحاث العلميّة، والإنجازات الميكانيكيّة قبل قرون من اكتشافها.
نشأة ليوناردو دا فينشي
وُلدَ دا فينشي في إيطاليا، وبالتحديد في قرية أنجيانو (بالإنجليزية: Anchiano) الواقعة بالقرب من مدينة فينشي (بالإنجليزية: Vinci)، وذلك عام 1452م، وقد نشأ مع عمّه في هذه المدينة الصغيرة، إذ بدأ هناك باستكشاف الأرياف، وتدوين ملاحظاته من خلال رسوماتٍ، ويجدر بالذكر أنّه لم يتاح لِدا فينشي فرصة للالتحاقِ بالمدرسةِ، أو العمل، لذا تلقّى المهارات الأساسيّة من كتابة، وقراءة، واستخدام للعَدَّاد على يد قِسِّيس في البلدة، وفي عام 1467م انتقل دا فينشي إلى فلورنسا للعيش مع والده.
حياة ليوناردو دا فينشي المهنية
بدأ دا فينشي حياته العمليّة في فلورنسا، إذ أُتيحت له فيها فرصة مشاهدة الإبداع المعماري، والفنّي المُقدّمين من: فيليبو برونليسكي (بالإنجليزية: Filippo Brunelleschi)، وليون باتيستا ألبيرتي (بالإيطالية: Leon Battista Alberti)، وإضافة إلى ذلك فقد التحق دا فينشي باستديو أندريا دل فروكيو (بالإنجليزية: Andrea del Verrocchio) للتدرّب على الرسمِ، والنحت، وذلك لمدّة ستّ سنوات تعلّم فيها الكثير من الحرف الفنيّة، ومن هذه الحرف: صناعةِ الطّلاء، وإعداد الأسطح، والفرش الخاصّة به، إضافة إلى صقل المنحوتات البرونزيّة، وصناعة الأدوات المعدنية، كما تعلّم دا فينشي الشعر ، والتقنيات الفنيّة التي اشتهر، وتميّز بها.
أنجز دا فينشي هناك، وهو في العشرينات من عمره العديد من أعماله الفنيّة، والتي من أبرزها: لوحة البشارة (بالإنجليزيّة: Annunciation)، ولوحة عشق مجوس (بالإنجليزيّة: Adoration of the Magi)، ولوحة جينفيرا دي بينتشي (بالإيطالية: Ginevra de Benci)، وبعدَ نهاية فترة تدريبه عام 1472م، أُعترفَ به كرسّام من قبل نقابة الرسّامين في فلورنسا، ولكنّه استمرّ بعد ذلك في العمل مع الفنان، والمهندس فروكيو حتى عام 1482م.
ذهبَ دا فينشي في الثلاثينيّات من عمره في مهمّة إلى ميلانو، وذلك في عام 1482م، إذ طلبَ منه دوق فلورنسا الذي كانَ يرعى استديو فروكيو آنذاك أن يوصلَ هديّةً إلى دوق ميلانو، وفي ميلانو تقدّمَ ليوناردو للدوق بطلبِ وظيفةٍ في مجالِ الهندسة العسكريّة، والمدنيّة، ولكنّه بدلاً من ذلك تسلّم وظيفة إدارة المهرجانات، والمسرحيات، والمواكب الملكية، والتي استطاعَ أن يبدع فيها.
توجّه دا فينشي في عام 1500م إلى مدينة البندقيّة ، ومنها عادَ إلى فلورنسا، إذ استُقبل بترحيب خاصّ، وعُيّنَ فيها كخبير معماريّ عن كنيسة سان فرانسيسكو ايل مونتي (بالإنجليزية: church of San Francesco al Monte)، ولكنّه ما لبثَ أن غادرَ فلورنسا عام 1502م، ثمّ عادَ إليها بعد سنة، ورسم جداريّة لقاعة المجلس في قصر فيكيو (بالإيطالية: Palazzo Vecchio) بعرض 7م، وارتفاع 17م، إذ تُجسّد هذه اللوحة مشهداً تاريخيّاً لمعركة أنغياري (بالإنجليزيّة: The Battle of Anghiari)، وقد استمرّ دا فينشي في العمل عليها لمدّة 3 سنوات.
عادَ دا فينشي من فلورنسا إلى ميلانو عام 1508م، ولبثَ فيها لمدّة 5 سنوات، إذ عمل في هذه الفترة في الأنشطة العلميّة، فقدّمَ بعض الدراسات في عدة مجالات، منها: الرياضيات، وعلم النبات، وغيرها، وبالإضافة إلى ذلك فقد صمّمَ دا فينشي فيلا لحاكم ميلانو، كما بنى جسراً، وقدّم مشروع ممر مائيّ، وابتكر أسلحة عسكرية، وفي عام 1513م انتقلَ إلى روما التي عاش فيها لمدة ثلاث سنوات، وبعد ذلك عُيّنَ من قبل الملك فرنسيس الأول بمنصب الرّسام، والمهندس الأول للديوان الملكيّ الفرنسيّ، وقد قضى دا فينشي سنواته الأخيرة في ترتيب أعماله العلميّة التي شملت مجالات مختلفة.
وفاة ليوناردو دا فينشي
استمرّ دا فينشي في العملِ حتى سنواتهِ الأخيرة، فرسمَ 16 لوحةً في سنواته الثلاث الأخيرة، وأوكلَ إليه ملك فرنسا فرنسيس الأول (بالإنجليزية: Francis I) تصميم بلدة، وقصر للديوان الملكي في رومورانتين (بالإنجليزية: Romorantin) في فرنسا عام 1516م، ولكنّه لم يتمكّن من إتمامه بسبب المرض الشديد الذي أصابه، وعام 1519م توفيَ دا فينشي إثرَ جلطةٍ دماغيّة في القصر الذي منحه إياه الملك فرنسيس الأول (بالفرنسية: Chateau de Cloux) في فرنسا.
اهتمامات ليوناردو دا فينشي
لم يكن دا فينشي رسّاماً فقط، بل ظهرت اهتماماته في العديد من المجالات المختلفة إلى جانب الرسم، إذ درس الطبيعة، والميكانيكا، والفيزياء، والهندسة المعماريّة، والأسلحة، والتشريح، وغيرها، وإضافة إلى ذلك فقد ابتكرَ عدّداً من التصميمات، كالدراجات، والمروحيّات، والغوّاصات، والدبّابات العسكريّة، فقد كان يرى دا فينشي أنّ العلم، والفنّ مجالين يكمل كلّ منهما الآخر، ويُعتقد أنّ هذا التنوّع في اهتماماته كان أحد أسباب عدم إكماله لعدد كبير من لوحاته، ومشاريعه.
بدأت دراسة دا فينشي لعلم جسم الإنسان رغبة منه في فهم تركيب الجسم بشكل أوضح، وبالتالي التحسين على رسوماته المتعلّقة بالجسم البشريّ، إلّا أن اهتمامه في علم التشريح توسّع، إذ اكتُشفت عدّة ملاحظات دوّنها دا فينشي عن دراسات تشريحية أجراها عن الهيكل العظمي البشريّ، والعضلات، والدماغ، والجهاز الهضميّ، وغيرها، وفي الفترة الواقعة بينَ عاميّ 1509-1510م أنجز دا فينشي عدداً من الرسومات المهمّة المتعلّقة بالتشريح، ومنها الرسوم التوضيحيّة لنظام القلب، والأوعية الدموية، إضافة إلى رسومات الأعضاء الرئيسيّة في جسم المرأة، وغيرها، وبالرّغم من أهميّة إنجازات دا فينشي كعالم ، إلّا أنّ تأثيرها في التقدّم العلميّ في عصر النهضة كان بسيطاً، وذلك بسبب التأخّر في نشرها، لما بعد القرن السادس عشر.
لوحة الموناليزا
رُسمت لوحة الموناليزا (بالفرنسية: Mona Lisa) التي تُعدّ تقريباً أشهر اللوحات الفنية في العالم على يد الفنّان ليوناردو دا فينشي (بالإيطالية: Leonardo da Vinci) في الفترةِ التي عاشها في مدينة فلورنسا في إيطاليا، ويجدر بالذكر وجود اختلافات في تحديد بداية، ونهاية المُدّة التي رُسمت فيها اللوحة، إذ يعتقد البعض أنّها انتهت بين عاميّ 1503-1519م، في حين يعتقد آخرون أنّه انتهت بين عاميّ 1505-1507م، وتُشير بعض الدلائل إلى أنّ دا فينشي لم ينتهِ من رسمِ اللوحةِ في عام 1507م، وإنّما استمرّ في رسمها رغبة منه للوصول إلى الكمال فيها، أمّا اليوم فتّتخذ لوحة الموناليزا المرسومة بالألوانِ الزيتيّةٍ مكاناً في متحف اللّوفر (بالإنجليزية: Louvre) في مدينة باريس في فرنسا، إذ تُوضع فيه خلف زجاجٍ مضادّ للرصاصِ، وعلى لوحة خشبية بعرض 53سم، وارتفاع 70سم.
هوية الموناليزا
تعود هوية الشخصية المرسومة في لوحة الموناليزا بحسبِ المؤرّخين لليزا غيرارديني (بالإيطالية: Lisa Gherardini) زوجة فرانشيسكو ديل جوكوندو (بالإيطالية: Francesco del Giocondo) الذي كانَ تاجرَ حريرٍ ثريّ، إذ يُعتقد بأنّ الزوج قد طلب اللوحة من دا فينشي احتفالاً بذكرى ميلاد طفلهم الثاني، ومن هُنا جاءت تسمية اللوحة باسم لا جوكوندا (بالإيطالية: La Gioconda)، أو باسم موناليزا، فكلمة مونا (بالإيطاليّة العاميّة: mona) تعني السيّدة، بينما كلمة ليزا تدلّ على الشخصيّة المرسومة، وقد جاءَ هذا الاعتقاد من رسالة كتبها الكاتب الإيطاليّ أغوستينو فيسبوتشي (بالإيطالية: Agostino Vespucci) عام 1503م، إذ جاءَ في محتواها بأنّ ليوناردو كان قد أخبرَ فيسبوتشي بأنّه يعمل على لوحة تعودُ لزوجة ديل جوكوندو.
يجدر بالذكر أنّ هوية الموناليزا غير مُؤكّدة، ممّا أضفى على اللوحة نوعاً من السحر، وألهم الكثيرين للبحث المستمرّ للوصول إلى الهوية الحقيقية ، إذ إنّ من النظريّات الشائعة لتفسير هويّة الموناليزا تلكَ التي تعتقد بأنّ الموناليزا هيَ نسخة مؤنّثة من الرسّام ليوناردو دا فينشي نفسه، في حين يعتقد آخرون أنّها قد تعود لواحدة من أصل 12 سيدة نبيلة إيطاليّة عاشت في تلكَ الفترة، وبحسب أقوال العلماء فإنّ دا فينشي رسمَ أكثرَ من نسخةٍ للموناليزا، أحدها هيَ لوحة لا جوكوندا، والأخرى هيَ لوحة كُلّفَ بها دا فينشي عام 1513م من قِبل جوليانو دي ميديشي (بالإيطالية: Giuliano de Medici)، ويُعتقد بأنّ الأخيرة هي اللوحة المعلّقة في متحف اللّوفر.
سبب شهرة لوحة الموناليزا
أبدع دا فينشي في رسم لوحة الموناليزا، ومن أبرز الأسباب التي أكسبت اللوحة شهرتها هيَ الابتسامة الغامضة للشخصية المرسومة فيها، إذ تتميّز ابتسامة الموناليزا بتغيّرها عند النظر إليها من زوايا مختلفة، ويعود السرّ في ذلك إلى استخدام دا فينشي تقنية مزج الألون، أو ما يُسمّى بسفوماتو (بالإيطالية: Sfumato)، والتي تعتمد على عدم وضوح الحدود بين الأشياء، والتدرّج في الألوان ، ممّا يجعل الناظر إلى اللوحة يقرأ تعبيرات الوجه بشكل مختلف، بحسب زاوية وقوفه، ومسافة بُعده عنها، وإلى جانب ذلك فقد استخدمَ دا فينشي تقنية التبابن بينَ الظلّ، والضوء (بالإيطالية: Chiaroscuro)، كما أوجد تبايناً بينَ وجه الموناليزا، وخلفيّة اللوحة، ممّا ميّزها عن غيرها من اللوحات، وساهم في شهرتها.
لوحات ليوناردو دا فينشي الأخرى
رسمَ دا فينشي خلال حياته العديد من اللوحات ، وفيما يلي أهمّها:
- لوحة عذراء الصخور: (بالإنجليزيّة: Virgin of the Rocks)، أنجزها دا فينشي بينَ عاميّ 1483-1486م، وقد رَسمَها بالألوان الزيتيّة على قطعة من الخشب، ، وتوجد هذه اللوحة اليوم على قطعة من القماش في متحف اللّوفر في مدينة باريس، إذ تظهر فيها السيّدة مريم العذراء إلى جانب رضيعين، أحدهما المسيح، والآخر يوحنا المعمدان، كما يظهر إلى جانبهم جبريل رئيس الملائكة.
- لوحة سيدة مع قاقم: (بالإنجليزيّة: Lady with an Ermine)، عملَ عليها دا فينشي في الفترة الواقعة بين عاميّ 1489-1490م، وذلك بتكليف من دوق ميلانو لودوفيكو سفورزا (بالإيطالية: Ludovico Sforza)، وقد رسمها بالألوان الزيتيّة على لوح خشبيّ، إذ تظهر فيها محبوبة الدوق سفورزا سيسيليا غالِراني (بالإنجليزية: Cecilia Gallerani) ذات 16 عاماً، وهيَ تلقي نظرة جانبيّة، وتحمل قاقم بين يديها (بالإنجليزية: ermine)، وتتميز هذه اللوحة بأنّها نابضة بالحياة، ممّا قد ألهم العديد من الأفلام، وألعاب الفيديو، وتوجد هذه اللوحة اليوم في متحف تشارتوريسكي (بالإنجليزية: Czartoryski Museum) في بولندا.
- لوحة الرجل الفيتروفي: (بالإنجليزيّة: The Vitruvian Man)، رسمَها دا فينشي على ورق باستخدام الحبر في عام 1485م، وتوجد اليوم في معرض الأكاديمية (بالإنجليزية: Accademia) بمدينة البندقية في إيطاليا، ويظهر فيها جسم رجل في موضعين متراكبين، إذ تظهر الساقين في الموضع الأول بشكل مقترب، والذراعين ممدودة بالعرض ضمن حدود مربّع، أمّا في الموضع الثاني فتظهر ساقيّ الرجل متباعدتان عن بعضها، وذراعيه ممدودة ضمن محيط دائرة، وتبيّن الرسمة دراسة حسابيّة رياضيّة للجسم البشريّ، وخضوعه للتناسب، والتماثل الذي يمنحه التوزان.
- لوحة العشاء الأخير: (بالإنجليزيّة: The Last Supper)، رُسمت بتكليف من دوق ميلانو في الفترة الواقعة بين عاميّ 1495-1498م، إذ تجسد مشهداً تاريخيّاً للمسيح في قاعة الطعام في كنيسة سانتا ماريا ديلي غراسي (بالإيطالية: Santa Maria della Grazie)، وهو يتناول آخر وجبة مع أتباعه، ويحتفظ باللوحة اليوم في ميلانو في هذه الكنيسة، ويجدر بالذكر أنّها قد رُسمت باستخدام الألوان الزيتيّة على جدار جصيّ (بالإنجليزيّة: fresco)، ممّا تسبب بتقشّر الألوان عن الجدار مع الوقت، لذا تمّ ترميمها للحفاظ عليها.
- لوحة العذراء والطفل، مع القديسة آن، والقديس يوحنا المعمدان: (بالإنجليزيّة: The Virgin and Child with St Anne and St John the Baptist)، رسمت بينَ عاميّ 1499-1500م، وهيَ لوحة ضخمة مرسومة بالفحم، والطباشير، وتتكوّن من 8 ورقات ملصقة ببعضها البعض، وتظهر في اللوحة السيدة مريم العذراء، وهيَ جالسة إلى جانب والدتها القديسة آن، وتحمل بينَ يديها المسيح، وإلى جانبها القديس يوحنا المعمدان، وتُعرض هذه اللوحة اليوم في المتحف الوطنيّ في لندن.
- لوحة سالفاتور مندي: (بالإيطالية: Salvatore Mundi)، رسمَها دا فينشي عام 1500م على لوح خشبيّ باستخدام الألوان الزيتيّة، وتُجسد هذه اللوحة المعنى الإنسانيّ للمسيح بشكل كبير، إذ يظهر فيها بدور مُخلّص العالم، وسيد الكون، وفيها يرفع المسيح إصبعين من يده اليمنى، بينما يحمل في يده اليسرى كرة بلّورية كرمز للجنّة، توجد لوحة سالفاتور مندي اليوم في متحف اللّوفر أبوظبي.