من الذي بنى المسجد الحرام
عمر بن الخطاب: من بنى المسجد الحرام
كان المسجد الحرام عبارة عن فناء حول الكعبة، ولم يكُن في عهد النبيّ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وعهد أبي بكر الصديق -رضي الله عنه- جدار له يُحيط به، بل كان حوله مساكن، و يدخُل الناس إليه من بين هذه المساكن من كُلّ ناحية، وفي عهد عُمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال عمر: إنّ الكعبة بيتٌ لله، ولا بُدّ للبيت من فناء، فاشترى المساكن من حوله وهدمها وبنى المسجد المُحيط به، وجعل له جداراً، وفي عهد عُثمان بن عفان -رضي الله عنه- اشترى عثمان مساكن أُخرى ووسّع فيه، واتّخذ الأروقة، ثُمّ جاء ابن الزُّبير وزاد في إتقانه وحسنه، ولكنّه لم يزد عليه شيئاً، وفي عهد الخليفة عبد الملك بن مروان زاد في ارتفاع حائطه، ثُمّ جاء الوليد بن عبد الملك فزاد في حُليّها، وصرف في ميزانها وسقفها، وفي العُصور الأُخرى بعد ذلك كانت الزيادة فيه من حيث الإتقان وليس من حيث السّعة.
وكان آخر من زاد فيه من حيث السّعة حتى جعل الكعبة في مُنتصفه هو المهدي في العام مئة وأربعة وستين، فجعله مئة ألف ذراع وعشرون ألف ذراع، وجعل عرضه من باب الندوة إلى باب الصفا ثلاثمئة وأربعة أذرع، كما جعل المهدي العلمين الأخضرين اللّذين في المسعى بين الصفا والمروة، وجعل بين العلمين مئة واثنتا عشر ذراعاً،
من الذي بنى الكعبة
أول من بنى الكعبة؟
تُعدُّ الكعبة أول مسجد وضع في الأرض، لِقولهِ -تعالى-: (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِّلْعَالَمِينَ)، وقد جاء في بعض الأحاديث أن المسجد الحرام هو أول بيتٍ وضع في الأرض، والوضع يختلفُ عن البِناء،وتعدّدت آراء العُلماء في أول من قام ببناء الكعبة ، فقال المُحبّ الطبريّ: أنّها لم تُبنى بل كانت بوضعٍ من الله -تعالى-، وقال الأزرقيّ: أنّ الملائكة قامت ببنائها قبل آدم -عليه السلام-، وقال عطاء: أن أول من قام ببنائها هو آدم، وقيل: أنّه شيث بن آدم، وهو قول وهب بن مُنبه، وقال ابنُ كثير: أنّ أول من بناها هو إبراهيم -عليه السلام-.
بناء إبراهيم وإسماعيل عليهما السّلام للكعبة
تُشير الروايات إلى أنّ البيت والكعبة كانا موجودان قبل إبراهيم -عليه السلام-، ولكنّه أُزيل وذهبت معالمه بعد الطوفان الواقع زمن نوح -عليه السلام-، فأوحى الله -تعالى- إلى إبراهيم -عليه السلام- بإعادة رفع قواعده، فكان أول البشر بناءً للبيت، لِقولهِ -تعالى-: (وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ)، فأخبر الله -تعالى- إبراهيم -عليه السلام- عن مكان وجود البيت، حيثُ كان يعرف إبراهيم مكة ولكنّه لا يعرف مكان وُجود البيت، فابتلاه الله -تعالى- لينال هذه الميّزة بأن يأتي بابنه الوحيد وزوجته، ويتركُهما وحيدين في مكة، وبعد أن تركهما دعا ربه بقوله: (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ)، ثُمّ رجع إلى الشام، وبعد أن كبر ابنه إسماعيل -عليه السلام-، رجع إليه فوجد زوجته هاجر قد ماتت، وكان ابنه يبحث له ولعائلته عن رزقٍ وطعام، فأخبره أنّ الله -تعالى- أوحى إليه بأن يبني البيت في بُقعةٍ مُعيّنةٍ من أرض مكة، فوافق ابنه على إعانته ومُساعدته.
ومن الآيات الدّالة على إعلام الله -تعالى- لنبيه إبراهيم -عليه السلام- بمكان بنائه للبيت هو قوله -تعالى-: (وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ)، وذكر ابن عباس -رضي الله عنه- أنّ القواعد التي رفعها كانت قواعد البيت، وأنّ إسماعيل كان يأتي بالحجارة وإبراهيم يقوم بالبناء، وكان طوله في السماء تسعة أذرع، وعرضه ثلاثين ذراعاً، وطوله في الأرض اثنين وعشرين ذراعاً، فنزل جبريل -عليه السلام- بالحجر الأسود بعد أن رفعه لمّا غرقت الأرض ووضعه إبراهيم موضع الركن، وقيل: أنّ الملائكة كانت تأتي بالحجارة من الجبال إلى إبراهيم لبنائه للبيت، وبعد أن انتهى من البناء أمره الله -تعالى- أن يُنادي على الناس.
إعادة بناء الكعبة قبل بعثة النبي محمد -صلى الله عليه وسلم-
شارك النبي في بناء الكعبة، وكان ذلك بعد مُرور زمن على بناء البيت مُنذُ بنائه في عهد إبراهيم -عليه السلام-، فانهدم فقامت العمالقة ببنائه، ثُمّ انهدم فبنته قبيلة جُرهم، ثُمّ قامت قُريش ببنائه، وكان النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- شاباً، وهو من أشار عليهم برفع الحجر الأسود بعد أن تخاصموا في شرف من يقوم بوضعه، فأشار عليهم أن يجعلوه في رداء ويقوموا جميعاً برفعه، وكان حينها يبلُغ من العُمر خمسة وثلاثين سنة، وقيل: أصغر من ذلك، كما شارك النبيّ محمد -عليه الصلاةُ والسلام- في بنائها من خلال نقله للحجارة على كتفه لما رواه البُخاريّ في صحيحه: (لَمَّا بُنِيَتِ الكَعْبَةُ، ذَهَبَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعَبَّاسٌ يَنْقُلَانِ الحِجَارَةَ)،