من أين يستخرج الأنسولين
من أين يستخرج الإنسولين
اعتمد العلماء في بداية رحلة تطوّر هرمون الإنسولين (بالإنجليزيّة: Insulin) على استخراج الإنسولين من البنكرياس الخاص بالأبقار والخنازير، وعندما توفرت الأدوات والوسائل التكنولوجية في بداية الثمانينيات تم إنتاج الإنسولين البشري صناعياً، وفي الحقيقة توفّر الإنسولين في الأسواق على أثر ذلك التطوّر منذ عام 1925، وتم الاعتماد عليه بدلاً من الإنسولين الطبيعي المستخرج من الأبقار والخنازير، أما حالياً فتم استحداث مركبات كيميائية مماثلة لعمل الإنسولين تُعرف بنظائر الإنسولين لعلاج مرض السكري.
الإنسولين الحيواني
يُعتبر الإنسولين الحيواني حالياً من الخيارات العلاجية غير المستخدمة بشكل كبير، ولكن هناك بعض الأفراد الذين لاحظوا تجاوب أفضل عند استخدامهم للإنسولين المُستخرج من أجسام الحيوانات، وفي الحقيقة فإنّه تم استخدام الإنسولين الحيواني بنجاح في علاج مرض السكري لسنوات عديدة في السابق، وبالرغم من أنّه أنقذ العديد من المرضى إلا أنّه لم يكن جيّد بشكل كافٍ؛ حيث تسبّب في الحساسية في الكثير من الحالات.
الإنسولين البشري
يُطلق مصطلح الإنسولين البشري على الإنسولين الصناعي الذي يتم زراعته في المختبر لإنتاج إنسولين يشابه ويماثل عمل الإنسولين الموجود بشكل طبيعي في الإنسان، وفي الحقيقة فإنّ هذه العملية تتم بزراعة بروتينات الإنسولين داخل البكتيريا الإشريكية القولونية (بالإنجليزيّة: Escherichia coli) ضمن ظروف بيئية معينة في المختبر.
إنتاج الإنسولين المعدّل وراثياً
تحتاج عملية إنتاج الإنسولين البشري المعدّل وراثياً باستخدام البكتيريا إلى المرور بعدّة مراحل دقيقة، تتمثّل في البداية باستخراج هرمون الإنسولين من خلايا البنكرياس البشرية، ومن ثم عزل الجين المُنتج للإنسولين على حدة، وفي المقابل يتم استخراج البنية الجينية أو بلازميدة الحمض النووي الريبوزي منزوع الأكسجين من البكتيريا، ومن ثم قطع الحمض النووي باستخدام إنزيمات حصر معينة بهدف تحضير ناقل البلازميد، وبعد ذلك يدمج الجين المُنتِج للإنسولين مع ناقل البلازميد البكتيري للحصول على الحمض النووي الهجين أو المُؤتلف من الجينات المُنتجة للإنسولين البشري، يليها إدخال الحمض النووي الهجين أو المؤتلف إلى داخل الخلية البكتيرية فيتكوّن بذلك البكتيريا الهجينة، وتقوم البكتيريا الهجينة بعملية التكاثر والتضاعف داخل خزان تخمير خاص في المختبر مُنتجة بذلك الإنسولين البشري، وبالنهاية يتم استخراج الإنسولين من البكتيريا الهجينة وتنقيته من الشوائب، ثم تعبئته في عبوّات خاصة، وبذلك يكون الإنسولين البشري جاهز ليتم حقنه في مرضى السكري.
أنواع الإنسولين البشري
يوجد نوعان رئيسيان من الإنسولين البشري؛ النوع الأول هو الإنسولين البشري قصير المفعول (بالإنجليزيّة: Short acting) ويُطلق عليه أيضاً اسم الإنسولين العادي أو النظامي (بالإنجليزيّة: Regular)، وتبدأ فعالية هذا النوع داخل الجسم بعد حوالي 30 دقيقة من الحقن، ويصل إلى قمّة فعاليته خلال ساعتين إلى ثلاثة ساعات من الحقن، ويستمر مفعولة داخل الجسم لمدّة قد تصل إلى 10 ساعات، والنوع الثاني هو الإنسولين البشري متوسط المفعول (بالإنجليزيّة: Intermediate acting) واختصاراً NPH، ويحتاج هذا الإنسولين إلى مدة تتراوح بين 2 إلى 4 ساعات بعد الحقن ليبدأ مفعوله داخل الجسم، بينما يصل إلى قمة فعاليته خلال 4 و10 ساعات من الحقن، ويستمر في العمل داخل الجسم لمدّة تصل إلى 18 ساعة، وتجدر الإشارة إلى أنّه يوجد نوع ثالث يتوفر على شكل منتجات طبية جاهزة للحقن تحتوي على مزيج مُعدّ مسبقاً من الإنسولين العادي مع الإنسولين متوسط المفعول، ويُطلق على هذا المزيج اسم الإنسولين مُسبق المزج (بالإنجليزيّة: Premixed human insulins).
مزايا وعيوب الإنسولين البشري
يوجد مجموعة من المميزات للإنسولين البشري المعدّل وراثياً مقارنةً بالإنسولين الحيواني، وأهمّها؛ أنّ البكتيريا يمكن زراعتها بهدف التكاثر والتضاعف بسرعة أكبر وبموارد أقلّ من تربية الأبقار والخنازير، فليس هناك حاجة للانتظار لفترات طويلة للحصول على الإنسولين فمعدّل الإنتاج سريع نسبياً بالمقارنة مع تنشئة ونموّ الثديات، كما أنه صناعته تتم بعملية معقمة وأمنة، ومن الجدير بالذكر أنّه بالرغم من أنّ الإنسولين البشري الصناعي يتطابق بالبنية الهيكلة والتركيب مع الإنسولين الطبيعي، إلا أنّه عندما يتم حقنه تحت الجلد ودخوله إلى الجسم لا يستجيب كالإنسولين الطبيعي؛ حيث أنّ الإنسولين البشري المعدّل وراثياً يتجمّع ويتكتّل معاً ويحتاج وقتاً طويلاً لامتصاصه ويبدأ مفعوله في الجسم، وفي الحقيقة فإنّ فعالية ونشاط الإنسولين البشري الصناعي لا تتزامن بشكل جيّد مع حاجات الجسم للإنسولين.
نظائر الإنسولين
تمثّل نظائر الإنسولين (بالإنجليزيّة: Insulin analogs) منتجات صناعية تمّ تصميمها بطريقة معينة لتكون مماثلة للإنسولين البشري؛ بحيث تتشابه مع النمط الطبيعي لإطلاق الإنسولين في الجسم، وتتميّز نظائر الإنسولين البشري بوجود اختلافات طفيفة في البنية الهيكلة أو تغييرات بسيطة في الأحماض الأمينية تُعطيها خصائص مرغوبة عند حقنها تحت الجلد، وفي الحقيقة فإنه يتم امتصاص نظائر الإنسولين بطريقة مثالية أكثر من المتوقع، وبعد عملية الامتصاص تقوم نظائر الإنسولين بالقيام بالعمل المطلوب منها كالإنسولين البشري تماماً.
إنتاج نظائر الإنسولين
تتماثل طريقة إنتاج نظائر الإنسولين الصناعية مع طريقة إنتاج الإنسولين البشري الصناعي؛ حيث أنّه يتم حقن بروتينات الإنسولين داخل خلايا البكتيريا الإشريكية القولونية في المختبر، وتختلف عملية إنتاج نظائر الإنسولين عن عملية انتاج الإنسولين البشري بخطوات ومراحل إضافية، تتمثّل باستخدام تقنية الحمض النووي المؤتلف أو الهجين (بالإنجليزيّة: Recombinant DNA)؛ حيث يتم إجراء بعض التغييرات في ترتيب الأحماض الأمينية المكوّنة للإنسولين، وذلك بهدف الحصول على إنسولين بصفات وخصائص تميّزه عن الإنسولين البشري العادي، أهمّها؛ القدرة على العمل بشكل سريع أو منتظم حسب حاجة الجسم.
أنواع نظائر الإنسولين
يتوفر حالياً نوعين رئيسيين من نظائر الإنسولين الصناعي، وهما؛ الإنسولين سريع المفعول، والإنسولين طويل المفعول، أما النوع الثالث فيمثّل خليط من النوعين ويُطلق عليه الإنسولين مُسبق المزج، وفيما يلي بيان هذه الأنواع الثلاثة:
- الإنسولين سريع المفعول: (بالإنجليزيّة: Rapid-acting insulin) يتميّز هذا النوع بأنّه يدخل إلى مجرى الدم خلال وقت قصير جداً لا يتجاوز الدقائق، لذلك يجدر بالمريض حقن الإنسولين السريع خلال 5 إلى 10 دقائق فقط من تناول الطعام، ويصل هذا النوع من نظائر الإنسولين إلى قمة فعاليته في الفترة الواقعة ما بين 60 و120 دقيقة من الحقن، بينما يختفي تأثيره بالكامل بعد أربعة ساعات من الحقن، وفي حال كانت الجُرعة التي تم حقنها كبيرة يمكن أن يستمر لفترة أطول قد تصل إلى 5 أو 6 ساعات كحدّ أقصى
- الإنسولين طويل المفعول: (بالإنجليزيّة: Long-acting insulin) يزود هذا النوع من الإنسولين الجسم بنسب ثابتة تقريباً من الإنسولين بحيث يحافظ على استقرار مستوى الإنسولين في الجسم لعدّة ساعات بعد الحقن، لذلك يُطلق على هذا النوع أحياناً اسم الإنسولين الخالي من القمة أو الذروة (بالإنجليزيّة: Peakless insulins)، تستمر فعالية هذا النوع من الإنسولين لفترات طويلة من الزمن، وفي الواقع يبدأ مفعول الإنسولين طويل المفعول خلال 60 إلى 90 دقيقة من الحقن، ويصل إلى أعلى تأثير له بعد حوالي خمسة ساعات، ويتناقص التأثير بشكل تدريجي بعد ذلك خلال 12 إلى 24 ساعة لاحقة،
- الإنسولين مُسبق المزج: ينتج الإنسولين مُسبق المزج عن خلط الإنسولين سريع المفعول مع الإنسولين طويل المفعول بنسب معينة، وفي الحقيقة يتميّز نظير الإنسولين مُسبق المزج بأنّه يبدأ مفعوله بشكل سريع، ويحتاج لوقت قليل نسبياً للوصول إلى مستويات الإنسولين المطلوبة بعد الأكل، وبالتالي ينظم مستويات السكر في الدم بعد الأكل.
مزايا وعيوب نظائر الإنسولين
تمتلك نظائر الإنسولين العديد من المزايا الفريدة مقارنةً بالإنسولين البشري؛ حيث أنّه أثبت فعاليته في تحسين التزام المرضى بأخذ العلاج والرضا عن نتائج العلاج، وذلك نتيجة وجود عدد أقل من الحقن، وتراجع مستوى الخوف من تعديل الجرعات، وسهولة التحكّم في الجرعات المرافقة لأوقات تناول الطعام ، بالإضافة إلى توفر أجهزة لطيفة لحقن الإنسولين، وفي الحقيقة تتمثّل الميزة الأساسية للإنسولين طويل المفعول بأنّ ليس له فترة قمّة أو ذروة في النشاط والمفعول، وهذا بدوره يُساعد على التنبّؤ بطريقة عمله بعد حقنه في الجسم، بالإضافة إلى أنّه يمنح المريض المزيد من الثقة وذلك من خلال تجنّب انخفاض مستوى السكر في الدم ليلاً، وتتمثّل الميزة الأساسية للإنسولين سريع المفعول بأنّه يعمل بمجرد حقنه في الجسم، وهذا يجعله مناسباً ومثالياً للمرضى الذين يعتمدون على الإنسولين في التحكم بمستوى السكر في الدم؛ حيث أنّه يُقلّل من الارتفاع الحادّ بمستوى السكر في الدم بعد تناول وجبات الطعام.
الآثار الجانبية للإنسولين
تجدر الإشارة إلى أنّ العلاج بالإنسولين كسائر العلاجات الطبية لا تخلو من الآثار الجانبية والمضاعفات، وفيما يأتي مجموعة من الآثار الجانبية لاستخدام الإنسولين:
- انخفاض نسبة السكر: يُنصح المريض بالحصول على التثقيف الطبي اللازم بجميع جوانب حالة انخفاض مستوى السكر في الدم (بالإنجليزيّة: Hypoglycemia)، وخاصةً الأعراض المصاحبة للحالة وطريقة التعامل معها وذلك قبل البدء باستخدام الإنسولين؛ حيث أنّ انخفاض السكر في الدم يُعتبر من الآثار الجانبية الرئيسية والشائعة عند استخدام الإنسولين، وقد يكون السبب في ذلك هو حقن كمية كبيرة من الإنسولين، لذلك يتوجب التأكد من ملائمة جرعة الإنسولين مع حاجة الجسم.
- الحثل الشحمي: (بالإنجليزيّة: Lipodystrophy) يُنصح المريض بتغيير موقع حقن الإنسولين باستمرار لتجنّب حدوث هذه المشكلة التي تتمثل بزيادة في الدهون تحت الجلد في بعض مناطق الجسم عند استخدام أي نوع من الإنسولين، ويجدر الانتباه إلى أنّ هذه المشكلة يمكنها منع الإنسولين من عمله بشكل طبيعي، لذلك يتوجب تغير مكان حقن الإنسولين بشكلل متكرر لتجنب حدوث هذه المشكلة.
- فرط الحساسية الموضعية: يُنصح المريض بتغيير موقع حقن إبر الإنسولين في كل مرّة، وذلك للتخفيف من الأعراض الموضعية التي تظهر على الجلد مثل؛ الحكة، والطفح الجلدي، والكدمات، والتهيج الجلدي، بالإضافة إلى إمكانية الحصول على علاجات مناسبة من الصيدليات للتخلص من هذه الأعراض المزعجة.
- زيادة الوزن: وذلك لأنّ هرمون الإنسولين تابع لهرمونات النموّ الذي تساهم حتماً في زيادة الوزن، وفي الحقيقة فإنّ ذلك يعتمد على بعض العوامل، ومنها؛ كمية الإنسولين التي يتم حقنها خلال اليوم، ونوع الإنسولين المُستخدم، وطبيعة النظام الغذائي للمريض، وتجدر الإشارة إلى أنّ نظائر الإنسولين لا تُسبّب زيادة كبيرة في الوزن، بينما يمكن حدوث زيادة كبيرة في الوزن عند استخدام الإنسولين الحيواني أو الإنسولين البشري، ويجدر التنبيه إلى أنّ عدم الحصول على تغذية جيّدة مع التعويض عن ذلك بأخذ كميات كبيرة من الإنسولين يؤدي إلى زيادة الوزن.
- آثار جانبية عامة: يُنصح المريض بإعلام الطبيب بالأعراض الجانبية التي قد تظهر نتيجة استخدام الإنسولين، مثل؛ الصداع، أو الغثيان، أو أعراض مشابهة لأعراض الإنفلونزا خلال الأيام الثلاثة الأولى من البدء باستخدام الإنسولين، كما يُنصح المريض بالبدء بالجرعات الصغيرة وزيادتها بشكل تدريجي، ويجدر بالمريض استشارة الطبيب قبل تجربة أي دواء جديد، أو نظام غذائي معيّن، أو برنامج رياضي، أو أي أسلوب علاجي جديد لحالة طبية معينة.
ويجدر التنبيه إلى ضرورة تناول الكثير من الكربوهيدرات سريعة المفعول مثل؛ الحلويات أو أقراص السكر للمرضى الذين يعتقدوا بأنّهم قد حقن جرعة زائدة من الإنسولين عن طريق الخطأ، كما يمكنه الاتصال بمقدّم الرعاية الطبية أو قسم الطوارئ في حال تم أخذ كميات كبيرة من الإنسولين، وذلك لأنّ حصول الجسم على كميات كبيرة من الإنسولين تفوق حاجته قد تؤدي إلى انخفاض حادّ في سكر الدم، وتعد هذه حالة صحية طارئة قد تسبب الارتباك، والضياع، وحدوث التشنّجات.